منذ بداية الحرب العراقية سادت على الساحة السياسية العربية نغمة تقسيم العراق إلى سنة وشيعة،وتنافس المحللون الليبراليون فى رصد تحركات القوى السياسية،وتحليل التراكيب السياسية وفق هذا المنطق الطائفى،وخلال الفترة الأخيرة بدأ عدد من الأخوة الأقباط يثيرون مسألة التعامل مع الحياة السياسية فى مصر على اسس التقسيم الطائفى، فى وقت تشهد فيه البلاد تحرك ديمقراطى ضد التمديد لمبارك يخلو من آية معادلة طائفية.
ويذكرنى هذا المنطق بأيام الحرب الأهلية اللبنانية التى كان الغرب يروج انها صراع بين الطائفة المارونية والمسلمين السنة، فى وقت كان يوجد ضمن قادة الحركة الوطنية اللبنانية عدد من السياسيين المسيحيين،واضطرت بعد ذلك الجهات التى تعشق المنطق الطائفى للتعديل،والقول بأن الصراع بين المسحيين من جهة،والفلسطنيين والسوريين من جهة أخرى،وجاء الأجتياح الأسرائيلى عام 1982 ليكشف حقيقة الصراع،والذى كان يدور بين قوى موالية للغرب وقوى وطنية.
ولأن الوطن ليس تواجد جغرافى لجماعات منفصلة تتميز عن بعضها بالعقيدة او اللون،ولأن الوطن هو تجمع لافراد تربط بينهم مصالح وعلاقات وتاريخ وتقاليد واسلوب للحياة،فلا يمكن التعامل مع اصحاب المنطق الطائفى أقباطا ام مسلمين إلا أنهم جماعات تهدد مصالح هذا الوطن،أن العلاقة بين العراقيين أو المصريين فى أطار الوطن لا تحكمها التسوية والمساومات،وأن تحكمها قناعة الأغلبية بسبل تحسين مستوى الحياة والرقى بالبلاد والنهوض بها، لقد حكم صدام العراق بالحديد والنار كما يقولون وقتل السنة والشيعة،والعرب والأكراد،لآن الصراع كان بينه و بين من يريد عراق وطنى(وليس امريكى) ديمقراطى،وفى مصر-لن أعود لثورة 1919- يكفى أن اشير إلى تحركات الشارع المصرى الحالية التى ضمت القبطى والمسلم،لإن ازمة الوطن تكمن فى حرية الرأى والديمقراطية التى يعانى من غيابها الاقباط والمسلمون،وتحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة لكل المصريين،واذا كانت التيارات الدينية تتجاهل ازمات ومشاكل المواطن المصرى الذى يعانى من الفقر و تكميم الأفواه،وتدخل صراعات تفتعلها،او يفتعلها احد أطرافها حول قضايا الأسلمة،او الجوامع و الكنائس،فى نفس الوقت الذى يعيش 47% من السكان تحت خط الفقر،فهذا يعنى ان هذه القوى تخدم الحكومة فى تمييع القضية الرئيسية،وتساعد فى لفت الأنظار عن جوهر الأزمة،ولعل موقف الأخوان المسلمين من مسألة أنتخابات الرئاسة فى مصر وتحركات الشارع المصرى،تفضح هذا التيار الذى كان دائما فى خدمة مصالح الدول العطمى.لا ينكر أحد أن التيارات الأسلامية تضطهد الأقباط، ولابد من وضع حد لهذه المهزلة، كما لايستطيع أحد أن ينكر أن الأنجرار وراء هذه التيارات واعتبار أن تمكين هذه الطائفة أو تلك من السلطة حل لهذه الأزمة،انما هو نوع من تزييف مصالح المصريين على أختلاف عقائدهم،وأن السبيل للقضاء على الأضطهاد الدينى الذى لا يختلف عن الأضطهاد السياسى هو حرية الرأى والتعبير،اذ أن القوى الطائفية الظلامية لا تسطيع العيش فى ظل الديمقراطية،وينطبق ذلك على العراق أيضا،لان تغليب الشيعة على السنة او العكس سيؤدى للانتقاص من مواطنة الطرف المغلوب على أمره،وسيقسم الوطن طائفيا.
ان لعبة آثارة الصراعات الطائفية،وتقسيم المجتمعات على اساس طائفية،كانت ومازالت السبيل للقضاء على أى محاولة للنهوض ببلادنا،وهى لا تخدم مصالحنا،ولكنها بالتأكيد تخدم مصالح الذين يسعون للسيطرة على ثروات البلاد العربية،والتحكم فى مقدرات الشعوب العربية.
واعتقد أن ما يزعمون أنهم يمثلون الليبرالية الجديدة لابد أن يدركوا أهمية توحيد الوطن ورفض التقسيم الطائفى،بدلا من التفلسف فى التحليلات استنادا لهذا المنطق المدمر.
مازن عباس – صحفى مصرى مقيم فى روسيا