بدءا ً نقول انه ليس هنالك أمة عربية بل هنالك شعوب عربية متعددة. وأن ما يسمى الوحدة العربية التي يدعو اليها بعض القوميين والذين ينتمون الى تيارات وأحزاب مارست عند تسلمها مقاليد السلطة عن طريق الانقلابات او فرضت بواسطة التدخلات الخارجية، مارست ابشع انواع الظلم والاستبداد والدكتاتورية، وساعدت على تمزق هذه الشعوب بدلا من توحدها، ولم تكن الشعارات التي رفعتها سوى غاية للوصول الى سدة الحكم ومنهم عبد الناصر ( التيار المنقرض ) وحزب البعث العنصري الشوفيني وبعض الحركات التي ليس لها أي وزن على الساحة السياسية. وان هذه الأحزاب التي استلمت الحكم في بعض دول العرب لم تكن اساسا تؤمن بما يسمى وحدة عربية. هذا على مستوى السياسيين. أما على مستوى الشارع او المجتمع العربي المتعدد (( الذي يؤيد ويقف مع ممارسات هذين التيارين )) فأننا نرى ان المطالبين بهذه الوحدة هم الشعوب الأكثر فقرا وبؤسا بالمجتمعات العربية المتعددة، وهذا لم يأتي من عقيدة يؤمنون بها أو انهم يرغبون بالتوحد لاجل القوة ومواجهة المخاطر ( حسب زعمهم )، أو لتوحيد الكلمة والوقوف عند النقاط المشتركة، ابدا لم تكن تلك هي غايتهم، وأعني هنا المجتمعات وليس الساسة، وان كان بعض الساسة العرب يروجون لفكرة التوحد، ولكن هذا أيضا ليس للأسباب التي ذكرناها، بل ان الغاية الأساس لهذه الشعوب العربية المتعددة ( الفقيرة ) تريد مشاركة الدول الغنية في خيراتها وما تتمتع به من ثروات، وبالتالي فإذا ما حصل مشروع وحدوي يمكن لهذه الشعوب الفقيرة أن تشارك الغنية وتقاسمها بالثروة والمال والرفاهية، معنى ذلك ان مثل هذا التوحد او المطالبة به ليس على اساس عقائدي او رغبة في الانصهار بمجتمع متكامل قوي ينهظ بها نحو أفق مشتركة من الترابط الذي يجمعها ( اللغة ـ الدين )، بل ان هذا المطلب مبني على أساس مصلحي نفعي بالدرجة الأولى. ولهذا لم نسمع ان سعوديا أو قطريا او أماراتيا يدعو الى الوحدة مع الشعوب او الحكومات العربية المتعددة الاخرى، وكل ما نسمعه هو من شعوب تعيش تحت خط الفقر مثل اليمن او مصر.. الخ. حتى ان مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس قبل اكثر من اربعة وعشرين عاما لم يرتقي للحد الأدنى من التعاون المشترك، رغم وجود الكثير من الروابط الذي تجمع بين هذه الشعوب او حكامها. كما ان هنالك أكثر من 22 مشروع وحدوي لم يكتب له النجاح جميعها في المنطقة العربية. مما يدل على ان ليس هنالك قواسم مشتركة أو نيات حقيقية، او ارضية خصبة يمكن ان تجعل من هذه المشاريع ان تطبق على ارض الواقع لا من قبل الساسة ولا من قبل الشعوب العربية المتعددة. وان اعتبر ان القادة العرب اليوم هم افراز طبيعي للمجتمع العربي الموغل في التعصب والعنف. واذا كان هنالك مشروع وحدودي حقيقي لماذا هذه المشاكل الحدودية بين كافة الدويلات العربية !؟.
مدار البحث هنا ما نصت عليه مسودة الدستور العراقي الأخير هو اعتبار العراق ( جزء ) من الامة العربية، وهذا أمر يحتاج الى وقفة قصيرة، وباعتبار ان العراق تعيش فيه غالبية تتكلم العربية إسوة بباقي دويلات العرب، وان هنالك دين مشترك. السؤال هل ان هذين العاملين يعتبران الجامع بين العراق والعرب ؟ هل اللغة والدين هما القاسم المشترك بارتباط العراق مع أمة العرب المتعددة ؟ ام ان هنالك تقاسما مشتركا آخر، خلص اليه مشرعو دستورنا الجديد ؟ وهل اللغة تعتبر الأساس لاعتبار العراق جزءا من أمة العرب ؟ اذا كان هذا الاعتبار له أهمية، لماذا لا نقول ان الولايات المتحدة وكندا وأستراليا هي جزء من الامة البريطانية مادامت تتكلم اللغة الواحدة وهي الإنجليزية ؟؟ واذا كان الدين هو الجامع لماذا لا نكون جزءا من تركيا مثلا بإعتبارها دولة اسلامية بنسبة 99 % ؟؟. هل اعتبار اللغة المشتركة التي تجمعنا مع دول وشعوب متعددة، يكون العراق جزءا منها !؟ ام الامة التي تشاطرني المحبة والوفاء ؟؟ بمعنى آخر هل اكون جزءا من أمة أنتمي لها مدت يدها لتساعدني حينما غرقت ببحور الدم القومجية ؟؟ أم تلك التي اشترك معها باللغة وتركتني أغرق بهذا البحر الدامي ؟؟. وهل كان العرب كما قال النبي محمد (ص) ما معناه (( ان المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )). هل أن امة العرب التي انا ( جزء منها ) سهرت حينما مرضت وانكويت بنيران الجلاد القومي، أم انها وقفت تصفق له وتعتبر بطلا فذا ً انتصر على شعبه !!؟ هل هذه الامة التي حُسبت دون ان اعلم بأنني جزء منها، اشتكى جسدها عندما اصبت بحمى الدكتاتورية والاستبداد والقتل ؟؟ هل استطاعت هذه الامة ان تحميني وترحمني عندما هربت إليها لاجئا مشردا ً ؟ ام طاردتني باجهزتها القمعية وشرطة الوافدين ؟؟ وهل ضمتني الى صدرها وآوتني وأنا ( جزء منها )، أم جعلتني اغرق مرة في بحور اندونيسا واستراليا، واخرى في المتوسط ؟؟ هل اعطتني من دفئها وحنين أضلاعها عندما جئتها جائعا عاريا ً أم تركتني أموت من البرد وتحت الثلج على قمم أوربا الشرقية ؟ هل منحتني هذه الامة التي أنا ( جزء منها اليوم ) الأمن والطمأنينة والسكينة، بعدما فررت اليها خائفا من السجّان، السوط، المعتقل، صوت الرصاص، رائحة البارود ؟ هل نصبت هذه الامة التي ( أنا جزء منها الآن ) المآتم ومهرجانات الحزن لمقتل العراقيين يوما في الأهوار الجنوبية واخرى في حلبجة الشمالية، وآخرها بالمقابر الجماعية !؟ أم ان البرلمانيون العرب بمؤتمرهم في بيروت عام 2003 قرروا عدم إدانة المقابر الجماعية التي حفرها بطلهم العروبي والتي ملأت كل ارجاء العراق !؟ هل أن العراقي اذا دخل هذه الأمم المتعددة ( هذا اذا سمح له المرور بها ) يشعر بان هذه الامة هو جزء منها، ام تستنفر كل اجهزتها لملاحقته وطرده !!؟ وهل كفـّرت هذه الامة عن ذبها في موقفها السلبي والمشين اتجاه العراق والشعب العراقي في الفترات الماضية، أم أنها لا تزال تصر على قتل العراقيين بارسالها الانتحاريين والبهائم المفخخة !؟؟.. ماذا قدمت الحكومات والشعوب والمجتمعات العربية المتعددة للشعب العراقي ؟ حتى أكون جزءا منها ؟ وهل ارتباطي معها باللغة هو اعتباري جزءا منها أو عضوا من جسدها !!!؟؟.. إننا أمة لا ننتمي إلا للأمة العراقية ولا ننتمي إلا للدول التي منحتنا كل حقوق المواطنة، وحمتنا حين طاردنا العرب، وتقاسمت معنا الخبز، عندما حاصرنا العرب، ومنحتنا الأمن والطمأنينة عندما طاردنا العرب، ووفرت لنا العيش الكريم حين أذلنا العرب، وداوت جراحنا حينما غـُرست في اجسادنا سيوف العرب، وكفكفت دموعنا حين اسكبها العرب !!.. أيها الحكام والقادة والشيوخ والساسة والشعوب والمجتمعات والكتاب والمثقفون والشعراء والبرلمانيون العرب... عذرا ً.. إننا لسنا جزءا ً منكم،

والســــلام. 12 / 8 / 2005


بهـاء الموسـوي
[email protected]