د. محمد سعيد الشكرجي
هل سيصوت العرب السنة مع الدستور؟
رغم أهمية ما أثير من جدل حول مدى موافقة أو عدم موافقة ممثلي العرب السنة، فان الانتهاء من مسودة الدستور الدائم في اطار الجمعية الوطنية العراقية يعتبر حدثاً تاريخياً في طريق البناء الديمقراطي في هذا البلد المثخن بالجراح. واعتقد جازماً ان هذا هو شعور العراقيين بشكل عام، مهما اختلفت مواقفهم وانتماءاتهم، أي بما فيهم العرب السنة. ولتفسير تاريخية الحدث، سأبين فيما يلي الدعائم الدستورية لهذه الخطوة في اطار واقع الساحة العراقية مع التركيز على أكثر الاشكاليات حساسية، أي تلك المتعلقة بموقف العرب السنة من هذه المسودة.
لن أتطرق في هذا المقال اذن لملاحظاتي على بعض ما ورد في المسودة المذكورة أو تقييمي لما احتوته من اضاءات مهمة، والتي تستحق مقالاً مستقلاًً. وكذلك سيبتعد هذا المقال عن الخوض في تصارع وجهات النظر السياسية لهذا الفريق أو ذاك. علماً بأن الرافضين للمسيرة الديمقراطية، بشكل عام، لا يصرحون بهويتهم طبعاً، بل يطرحون اشكالات سياسية وطنية او اسلامية او قومية المظهر او يستغلوا مثل هذه الاشكاليات لتخريب هذه العملية. لذلك سنبقى اليوم في سياق عملية الدمقرطة والواقع الذي تجري فيه، وتحليل موقع العرب السنة في اطاره، لأن هذه القضية هي الأكثر استخداماً في محاولات التشكيك في هذه العملية التاريخية.
1- كان القصد من انتخاب الجمعية الوطنية ان تقوم هذه الجمعية بوضع مسودة دستور تطرح للنقاش على الساحة العراقية، ليتم الاستفتاء عليه من قبل الشعب العراقي في استفتاء عام، في 15 تشرين الأول (اوكتوبر) القادم. وقد ارتبط هذا التاريخ بمواعيد أخرى فرض قانون ادارة الدولة (أي الدستور المؤقت، مادة 3)، على المؤسسات القائمة، الالتزام بها. وقد رفض هذا القانون، كما بينت في مقالة سابقة، اي تمديد للأجل النهائي المتمثل بانتخاب جمعية وطنية دائمة وحكومة قبل نهاية العام الحالي، في حال الموافقة الشعبية على مسودة الدستور، أو لسنة أخرى بعدها، في حال رفضها. لذلك فان النجاح في استكمال المسودة، يعد بذاته انجازاً كبيراً، لا سيما كونها التجربة الاولى للقوى السياسية الحالية ولأنها جرت في ظروف عامة قاسية للغاية.
2- أن أي لجنة وضع دستور عندما يقوم أعضاؤها بتقديم ما يمكنهم من التنازلات وتحصل على مسودة تتفق عليها أغلبية كبيرة جدأ، ان لم نقل ساحقة، فيجب على هذه اللجنة ان تقدم المسودة. وتمثل المهلة الجديدة (3 أيام) جهداً اضافياً. وقد أظهرت تصريحات اخرى ان من الممكن تعديل المسودة تبعاً لهذا النقاش النهائي، بناء على قرار اتخذته الجمعية الوطنية، من قبل، بهذا الخصوص. وعلى كل حال، فالحس السليم وكذلك الحس الوطني يدفع الجميع للتمني بان يتم الاتفاق الكامل، ليكون مثالياً. لكن النظام الديمقراطي هو نظام واقعي، واذا توفر وضع مثالي فخير على خير، انما ليس ملزماً في اي عملية ديمقراطية، تتم بين بشر وفي مجتمعات واقعية، أن يتفق الجميع. وما تم في العراق، لحد الآن في هذا الصدد، يدخل تماماً في اطار عمليات وضع الدستور الديمقراطية.
3- لم يتمكن العرب السنة من المشاركة في الانتخابات الماضية بسبب انتشار القوى الارهابية في مدنهم وقراهم، وما بدر من تهديدات أخافت حتى بعض القوى السياسية (مثال الحزب الاسلامي) التي كانت أساساً مع المشاركة. المهم ان المؤسسات والقوى السياسية العراقية جهدت كثيراً، بعد فوزها في الانتخابات، لأشراك ممثلين للعرب السنة في صياغة الدستور وقد شهد العالم على ذلك وشجعه في نفس الوقت. وكانت الصعوبة الأساس تكمن في عدم وجود مرجعيات واضحة ولاندساس بعض بقايا النظام الصدامي بين هؤلاء الذين قدموا أنفسهم كممثلين للعرب السنة. وأبرز مثال على ذلك، ترشيح د. منذر الشاوي الذي خدم كوزير "العدل" في النظام السابق، لأكثر من عشرين عاماً !! ثم أعلن انسحابه في جو يقرب من الفضيحة. ان السعي لاشراك العرب السنة يعتبر واجباً وطنياً، الا أن هذا لا يبرر نسيان هذا الجهد الوطني، من قبل بعض اصحاب المواقف المسبقة المشككة أبداً في عملية الدمقرطة الجارية.
4- موقف العرب السنة: أن تسمية العرب السنة بالمغيبين، يعد مغالطة مفضوحة الأهداف، فهم قاطعوا الانتخابات مرغمين ولم يكونوا مغيبين اللهم الا من قبل الارهابيين وبقايا نظام صدام. اما ترديد د. صالح المطلق وجماعته بانهم يمثلون القوى الاجتماعية المغيبة وان تغييبهم كان خطأ كبيراً وان القوى السياسية الحالية استحوذت على الأمر، فلا يمكن قبوله الا كمحاولة ابتزاز للآخرين المنتخبين: اما ان توافقوا على ما نريد والا فأنتم... علماً بان الاستفتاء القادم على الدستور ربما سيظهر ان العرب السنة مغيبون أيضاً من قبل بعض من يدعي تمثيلهم حالياً.
5- ان سنة العراق، كما الشيعة وغيرهم، لا يشكلون شريحة واحدة. بل يتضمنون الوان طيف حقيقي وواقعي. ويستحق الموضوع مقالاً كاملاً، لكن أذكر هنا بأن هناك أولاً أبناء المدن وأبناء القبائل. وهناك الأساتذة وأصحاب المهن الحرة والناشطون في المجال الاجتماعي، وكذلك العلمانيون والمتشددون في دعوتهم للاسلام، وغير ذلك من الشرائح. واذا كان هناك من صفة سياسية تجمعهم فهو رغبتهم الدائمة في العيش الآمن وعدم الانخراط في شرنقة العداء مع الدولة ولا مع محيطهم الاجتماعي. ولكن الصحيح أيضاً أن الكثيرين منهم يأسفون على ضياع الامتيازات، ويخافون من تقهقر أوضاعهم المادية في ظل الفدرالية، لو طبقت في جميع المحافظات، حيث ان محافظات الأنبار وصلاح الدين بالخصوص كبيرة المساحة ولكن فقيرة اقتصاديا وبشرياً. فاذا كانت الطبقة السياسية واعية لالتزاماتها وقدمت براهين (دستورية) على أن هذه المخاوف المشروعة والطبيعية، سيتم تجاوزها من قبلنا جميعاً، يداً بيد. وانما نطبق مبدأ الفدرالية على كافة المناطق لكون العراق بلداً واحداً، لا بلدين. وأن هذه الفدرالية اختيارية أولاً ولن تطبق بشكل فوضوي ثانياً. لقد تبنى الدستور مبدأها ولكنها ستطبق بشكل اختياري وتدريجي، ثم ان ميزانية الدولة وبضمنها الموارد النفطية وغيرها بيد الحكومة الاتحادية وستوزع حسب الدستور بشكل عادل بين سكان جميع المحافظات، فأعتقد ان الكثيرين من أبناء العرب السنة سيتفهمون الموضوع بشكل آخر، وليس كما يعرض على بعض الفضائيات. وعند ذاك، من الممكن جداً أن يتوجه تصويتهم نحو الدستور والموافقة عليه، أو على الأقل عدم التصويت ضده.
أخطار العزلة : ان رفض الدستور بشكل طبيعي أمر يجب تقبله، ان حصل من قبل العراقيين بشكل عام. لكن في حالة اسقاطه من قبل محافظات بعينها كتلك المأهولة من قبل العرب السنة، رغم اشادة الأمم المتحدة ودول العالم بها وتصويت غالبية كبيرة من العراقيين لصالحها، سيخلق احباطاً لدى الجانب الآخر. مثل هذا التصرف الرافض، وليست الفدرالية، هو الذي سيدفع في اتجاه زيادة المجابهات واشتداد التخندق لدى البعض والبعض الآخر. لذلك نذكر المهولين من أخطار التقسيم أو الحرب الأهلية، التي نستبعدها تماماً، بأن رفض الدستور من قبل طائفة معينة هو أكثر تهديداً في هذا الاتجاه، من فدرالية الاتحاد التي تنص عليها مسودة الدستور. ولا أعتقد ان العرب السنة يرغبون، كمواطنين وحتى كقيادات دينية، بمثل هذه العزلة ازاء العراقيين وفي المجال الدولي.
خسارة ستراتيجية : بالاضافة الى العزلة، سيدفعنا هذا الرفض الى فترة ثانية لا تتمتع فيها محافظات السنة ولا غيرها بحق النقض أو الفيتو الذي تملكه في الفترة الحالية (تصريحات د. ليث كبة، يوم 22 آب، وانظر المادة 61 فقرة هـ). هذا النقلة تشكل خسارة مهمة بالنسبة لموقع العرب السنة الحالي في مجال التفاوض والتأثير. لأنهم بدون ورقة الضغط المهمة التي يمتلكوها حالياً، سيصبحون أقل قوة في المرحلة القادمة. لقد فطن بعض السياسيين "الممثلين للسنة" لحقيقة هذه الآفاق، فقاموا بمحاولات لمغازلة الولايات المتحدة، علها تقبل بهم بديلاً عن الطبقة السياسية الموجودة في الحكم، ولكن يبدو لي اليوم، ان تيار الديمقراطية حقق انجازاً حاسماً، ولا يمكن للأمريكان الا أن يباركوا مسيرة هذا الشعب الموحد في تنوعاته وحتى في خلافاته ! وقد جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي مؤكدة على هذا الموقف، عندما ذكر الخيار الصعب أمام العرب السنة بين المسيرة الديمقراطية والاستمرار في أجواء العنف المحيطة بهم. وأنا اعتقد ان غالبية السنة لا تريد الاستمرار في هذه الأجواء، ثم الخروج منها خاسرين، لذلك فان حملة اقناع تقودها شخصيات سياسية وثقافية، على مختلف وسائل الاعلام، يمكن ان تعطي نتائج كبيرة في هذا المضمار.
وبناء على معرفتي بالعرب السنة في العراق، بتكوينهم الاجتماعي/السياسي وثقافتهم السياسية، يمكنني التأكيد على أنهم هم حريصون على مستقبل العراقيين ولا يريدون الاحتراب الدائم مع بقية مكونات شعبهم، ولو تركوا أمام مسؤولياتهم كأفراد ومعهم بطاقة التصويت فلا استبعد أبدأً ان يصوتوا بنعم. ولذلك فانني لا أستبعد أيضاً أن تتبنى نفس هذه الشخصيات المفاوضة، عن العرب السنة، لمواقف اكثر مرونة، اذا انتبهوا للتطورات الأخيرة الحاصلة. فقد صرح د. خالد المطلق على شاشة العربية، مساء 23 الحالي، أنه ومجلس الحوار لا يمثلون السنة فقط بل كل القوى "المغيبة" ؟ وكأنه يبحث عن توسيع قاعدته، فهؤلاء سياسيون لا ينقصهم الذكاء لتقييم ما يجري من حولهم، عراقياً وعالمياً، وأن مصلحتهم في الدخول في العملية الديمقراطية أقوى من الاستمرار في سلوك أخذ يكتسي صفة المغامرة، أكثر من أي شئ آخر.
وعلى كل حال، ورغم وجود اناس غير مقتنعين وناقمين، لا أتوقع ولكل الأسباب التي بينتها، ان يرفض العرب السنة بنسبة عالية مسودة الدستور التي تعتبر أرقى ما عرفه العراق، حتى مقارنة بالدستور الملكي، فكيف اذا قارناه بدكتاتورية صدام الدموية التي اكتووا هم أيضاً، مرات عديدة، بنارها الجهنمية. وسيلعب السياق العام للفترة الحالية دوره الحاسم، ايجاباً وسلباً، فاذا استمر الارهاب مثلاً في تراجعه الحالي، فمن شأن ذلك أن يساهم في تحقيق وضوح أكبر في التفكير السياسي عند مختلف الأطراف. وسيقترب العراقيون من بعضهم، أكثر فأكثر، ليس في اطار السلطة الغاشمة التي زيفت حياتهم "حتى النخاع"، بل من خلال المشاركة الحقيقية، الواعية والأخوية، في بناء الوطن الموحد المزدهر، عراق المستقبل.
دكتوراه الدولة في العلوم السياسية/ باريس
[email protected]
ــ
عدنان أبو زيد
الغزو السياسي العراقي بالدستور
العراقيون يكتبون التاريخ من جديد
تعد عملية كتابة الدستور العراقي اليوم تجربة لها ابعاد خاصة في العالم العربي على وجه الخصوص، وتاتي أهميتها من الاحساس الذي يرافق ا لمواطن العراقي اليوم من أن صوته له قيمة بعد اليوم.. حتى ولو امتنع عن التصويت، بعد ان امتلك هذا المواطن الوعي من ان الدستور القادم سيوفر له انتخابات بنزاهة وشفافية، هو أمر مهم لكي يعي الجميع بأن التغيير عن طريق الصندوق الانتخابي ينبغي أن يكون الممكن الوحيد.
وليس ثمة شك في ان ما يحدث الآن في العراق يعني ان قوى الاعتدال والتعددية تحقق انتصارات وان بدت بطيئة، لكنها عظيمة في خضم معركة لم تنته بعد وربما ستطول بعض الوقت، وتشترك فيها اطراف عديدة بضمنها الحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطيا والولايات المتحدة حيث وجدا انفسهما امام عدو يتريص بهما، هذا العدو هو الارهاب الذي يحاول بسط سيطرته الكاملة والمطلقة.
الشارع السياسي العراقي يتحرك اليوم بجدية اكبر واجتذب أجيالا جديدة لم تمارس السياسة من قبل، وهي اجيال تنظر الى ان التغيير يمكن ان يتم بسهولة ويسر، بينما ينظر المخضرمون الى ان الصراع من أجل الديمقراطية لن يكون سهلا، لكن المهم أن قطار التغيير الديموقراطي بدأ وأنه سيستمر في طريقه، وأن أي محاولة لإيقافه ستفشل حتما.
يقول رايموند ستوك، وهو امريكي كتب وترجم سيرة نجيب محفوظ ويقيم منذ زمن طويل في القاهرة وله وجهة نظر خاصة حول الصراع في الشرق الاوسط ان الدستور العراقي يطلق رصاصة الرحمة في راس التطرف، ذلك ان المتطرفين يدركون تماما ان وصول الديمقراطية الى العراق لا يعني سوى نهاية الزرقاوي ومن هم على شاكلته، لانها ببساطة ثقافة الحياة بينما يحمل المتطرفون ثقافة الانتحار، التي ستفضي بهم الى الموت الذي هو هدفهم في النهاية.
ويشير ستوك الى ان نهاية التطرف اقرب مما نتصور ويدعم قوله بغلاف لمجلة (روز اليوسف) المصرية تظهر فيه مغنيتان عربيتان و تحتهما عنوان رئيسي ( أقوى من التطرف).
ويعتير السيد ستوك ان وضع الدستور العراقي يمثل صدمة كبرى للقوى التي تسمي نفسها المتطرفة و الدكتاتورية في العالمين العربي و الاسلامي.
ورغم كل الظروف والاعتراضات التي رافقت كتابة الدستور ثم ارجاء التصويت عليه الى ان تداعيات ذلك ستكون بسيطة في طريق عمل عظيم تشترك في صياغته قطاعات كثيرة، وكانت الامنية ان تتفق قوى الجذب الرئيسة على هذا البرنامج المصيري الذي يقصر المسافات إلى الديمقراطية الحقيقية،الى ان الامر لم يحسم بعد ليظل الشارع السياسي العراقي يترقب موعدا اخر سيدخل التاريخ العراقي من اوسع ابوابه.
العراقيون اليوم أمام استفتاء يمثل انقلابا حقيقيا في الافكار والمعتقدات ويفتح أبوابا كانت مغلقة، ويعيد الاعتبار لصوت الانسان ويسلط الأضواء عليه وهو الذي ضحى وصبر عقودا من الزمن وعلى السياسيين ان يدركوا ذلك وان يقدموا التنازلات المشتركة لاجل ان يختصروا مرارة السنوات الصعبة، مسرعين الخطى لكي يذوق العراقي حلاوة انتصاره.
وما يشير اليه ستوك ايضا ان ثقافة المبايعة ستختفي من الان بعد نجاح التجربة العراقية، وان بقايا العقلية الرسمية العربية التقليدية في طريقها للاندثار بعد ان فقدت مبرات وجودها، وان الجدل السياسي في العراق اليوم اعطى فرصة لتصحيح مفاهيم كثيرة لم تعد تصلح في ظل التطورات التي نشهدها ونحن نخوض معركة الإصلاح ونبني نموذجاً لديموقراطية حقيقية تستلهم أعظم ما في تراثنا من قيمة الحرية والعدل وإعلاء قيمة الإنسان،
وفي الحقيقة ( والكلام لستروك ) ان العراق نجح في التحدي بالرغم من ان الوضع الذي عاشه لم يكن وضعا طبيعيا مماثلا لما تعرفه المجتمعات الديمقراطية الحرة، فما تم انجازه كان في ظل قانون عرفي سهر عليه 300 ألف من قوات الأمن لكن الوفاق الوطني في وضع الدستور وإقامة الدولة التوافقية الحرة، اثبت ان العراقيين يمتلكون ثقافة (وطنية) تترسخ تحليلاتها الايجابية بمرور الزمن.
وتجربة السنوات الثلاث الماضية اوضحت ثقة الشعب بنفسه وبقدرته في التأثير على النظام السياسي وسياسات وقرارات الحكومة. وان هناك ثقافة سياسية بدات تنشا في العراق وهي تنتشر بسهولة في العراق برغم محاولات القوى المحافطة الحد منها.
العراقيون اليوم يمتلكون الفرصة في ان يتمركزوا حول انفسهم وليس حول شخص الرئيس كما حدث منذ نشأة الدولة الحديثة في العراق وان نجاح الدستور سيكون فرصة لترجمة مبدأ سيادة الأمة العراقية فعلياً ودستورياً.
ــ
محمد محبوب
إجتث يجتث إجتثاث
يثير موضوع إجتثاث البعث هذه الأيام جدل كبير بين العراقيين ولاسيما أزاء النص على محاربة البعث الصدامي في مسودة الدستور العراقي، حيث يختلف العراقيون في معالجة مثل هذا الملف الشاكك وهو خلاف غير متأت من مسودة الدستور وإنما يعود الى عهد مجلس الحكم والحاكم الأمريكي بول بريمر حيث صدر قانون إجتثاث البعث وتم تشكيل الهيئه العليا لإجتثات البعث التي تولت إبعاد البعثيين عن الوظائف العامه.
بالرغم من إن أسم هذا القانون ( إجتثاث البعث ) قد يبدو للوهلة الأولى مرعبا ومفزعا للبعض.. إجتث يجتث إجتثاث وهو إقتلاع الشيء من جذوره، لكن هذا القانون لايعني من الناحيه القانونيه الحرفيه سوى إبعاد بضعة آلاف بعثي عن الوظائف العامه فقط لاغير !!، هذا القانون يشمل البعثيين من درجة عضو فرقه فما فوق ثم أجري تعديل عليه فيما بعد حيث تم إستثناء أعضاء الفرق، كما أعطى هذا القانون مجالا واسعا للبعثيين المشمولين ( عضو شعبه فما فوق ) للإعتراض والمطالبه بإستثنائهم من الإجتثاث
( الإبعاد عن الوظائف العامه ) وفعلا صدرت وتصدر قوائم كثيره تستثني بعثيين قياديين وتعيدهم الى وظائفهم في الدوله.
وقد دخل الجمعيه الوطنيه العديد من البعثيين القياديين ( عضو فرقه فما فوق ) بعد إستثنائهم من قانون إجتثاث البعث، كما صار العديد منهم وزراء وسفراء ومدراء عامون وقضاة.. ألخ، علما إن القانون لايشمل البعثيين الذين غادروا العراق معارضين أو حتى ( زعلانيين ) قبل سقوط الصنم بما في ذلك القياديين منهم.
ومازال البعثيون من درجة عضو فرقه فما دون يحتفظون بمناصبهم ووظائفهم في مؤسسات الدوله ولاسيما في وزارات الخارجيه والداخليه والتعليم العالي والتربيه، بل إن بعضهم سرعان مابدلوا ألوانهم كالحرباوات و أرتبطوا بأحزاب جديده، وأعرف شخصيا العديد من هؤلاء البعثيين الذين صاروا مدراء عاميين وسفراء وموظفيين كبار في الدوله بعد إن أرتبطوا بأحزاب العهد الجديد.
كما إن مسودة الدستور نصت على مكافحة حزب البعث الصدامي في إشاره واضحه الى وجود حزب بعث آخر غير صدامي، وليس المقصود قطعا حزب البعث السوري لإن الدستور يتحدث عن حاله عراقيه وليست سوريه، وذلك يعني إن بإمكان البعثيين غير الصداميين وهم كثر إعادة تشكيل حزب البعث وإشراكه في الحياة السياسيه ولكن ربما في مرحلة لاحقه أو على الأقل تأسيس حزب قومي عربي جديد، لاسيما وإن هناك الكثير من البعثيين الذين عارضوا صداما وعملوا في صفوف المعارضه السابقه ضده.
وهكذا كما ترون الموضوع يتعلق بإبعاد بضعة ألاف من البعثيين القياديين من درجة عضو شعبه فما فوق عن الوظائف العامه، ليس أكثر من ذلك !! علما إن هؤلاء كانوا من الكوادر الحزبيه المتفرغه للحزب وليس فيهم كفاءات علميه وإن علقوا على جدران منزلهم شهادات دكتوراه أو ماجستير حصلوا عليها غالبا بطرق غير مشروعه، وقد حضرت يوما ما بدافع الفضول مناقشة رسالة دكتوراه لإحدهم وسمعته كما سمعه كثيرون يقول قبيل بدأ المناقشه ( الماينطيني الدكتوراه أكسر ظهره ) وقس عل ذلك !.
لكن البعض لدوافع خاصه مازال يصور هذا القانون وكأنه جز رقاب أو في أقل الأحوال حرمان أربعة ملايين وأحيانا عشرة ملايين من البعثيين مع عوائلهم من لقمة العيش !!!.
العهد الجديد وقانون إجتثاث البعث لم يعالجا ملف البعثيين الذين أرتكبوا جرائم ضد الشعب العراقي، لاسيما وإن معظم المجرمين البعثيين هربوا الى سوريا أو الأردن أو الى بلدان أخرى ولم يطالهم العقاب إلا القليل منهم الذين قتلوا إنتقاما من ذوي الضحايا أو من قبل الميليشيات المسلحه، كما قامت العشائر القويه بحماية أفرادها من المجرميين البعثيين الذين أرتكبوا جرائم ثابته بالدليل وتم تسوية الأمر وفق السنن العشائريه ( الفصل ) وإضطر ذوو الضحايا الرضوخ للإمر الواقع وتفويض أمرهم لله ولا حول ولاقوة إلابالله العلي العظيم.
غير إن عراقيي الخارج ولاسيما ممن غادروا العراق منذ سنوات طويله يضعون البعثيين جميعا وخلافا لقانون إجتثاث البعث في سلة واحده، وبالرغم من إنه لاتتوفر إحصائيه دقيقه عن عدد البعثيين المسجلين رسميا لكنهم يقدرون بأربعة ملايين والبعض يقول إنهم عشرة ملايين ويبدأ تدرجهم الحزبي من درجة مؤيد وهي أدني درجه في حزب البعث عبر سلسله طويله من التدرجات وصولا الى القياده.
ويزعم معظم البعثيين وبمختلف تدرجاتهم إنهم كانوا مجبريين على العمل في صفوف الحزب، وهذا الزعم غير دقيق وفيه مغالطات كبيره، نحن نتفق معهم، إن الملايين من العراقيين كانوا مضطرين لإسباب مختلفه للإنتماء الى حزب البعث، ولكن هناك فرق جوهري بين أن تنتمي مضطرا ودون قناعه، يعني تمشية حال كما يقولون وذلك يشمل ملايين العراقيين ممن كانوا لفترة ما بدرجة مؤيد في حزب البعث أو أعلى بقليل، وبين أن تندفع في العمل الحزبي وتظهر أو تتظاهر بالإخلاص والتفاني في خدمة الحزب وصدام وترتقي السلم الحزبي صعودا الى درجات ومواقع حزبيه أعلى وترتكب بعض الجرائم حتى وإن كانت غير منظوره مثل كتابة التقارير ضد الناس أو إذلالهم وما الى ذلك من أساليب البعثيين القذره في إلحاق الأذى بالأبرياء، وهؤلاء لايمثلون سوى بضعة ألاف من العراقيين وليس بالضروره كلهم من مرتكبي الجرائم ضد المواطنيين، لكنهم جميعا إنتهازون وصوليون و يتحملون مسؤولية قانونيه وإخلاقيه لدورهم في تقوية وإستمرار نظام صدام حسين لسنوات طويله.
لماذا كل هذا الضجيج وهذه الجلبه طالما إن الأمر يتعلق بإبعاد بضعة ألاف بعثي قيادي عن وظائف الدوله فقط دون أن تنالهم أي إجراءات عقابيه أخرى، علما إن معظمهم تحولوا الى رجال مال وأعمال سواء في الخارج أو الداخل بفضل ماشفطوه من المال العام قبل أو قبيل سقوط الصنم.
حتى كتابة هذا المقال لم تجري محاكمة بعثي واحد !! بل لم تجري محاكمة زعيم مافيا البعث صدام حسين وإعضاء عصابته، والأكثر من ذلك تم إطلاق سراح العديد منهم ويتم الترويج حاليا لإطلاق آخرين بينهم قياديين بارزيين مثل طارق عزيز الذي يقول إنه هو الآخر كان بريئا كالحمل ومغررا به كالطفل !!!.
كاتب وإعلامي ومدير المركز العراقي الألماني
ــ
علاء خالد غزالة
الدين والدولة في الدستور المقترح
بعد طول انتظار، وتمديد يتلوه آخر، ومفاوضات شاقة لا يبدو أنها كانت متكافئة، قدمت المسودة النهائية للدستور المقترح إلى الجمعية الوطنية. ورغم ان ذلك في مقاييس الزمن يعتبر إنجازا يستحق الثناء والعرفان، إلا ان الوثيقة التي قدمت لا يمكن ان توصف بالكمال، ولا حتى بالانسجام، لا من حيث المبادىء التي تضمنتها ولا الصياغات التي عبرت عنها.
ودائما سيكون عذر الزمن القصير تعليلا لبعض الأخطاء على اختلاف تأثيرها. ولكن كيف يمكن تدارك هذه الأخطاء عند عرضها على الشعب العراقي للاستفتاء؟ هل هناك آلية مراجعة طيلة فترة الشهر والنصف المتبقية؟ هل ان النقد الذي سيلي هذه السطور سيجد آذانا صاغية؟ لست ادري، ولكنني، طالما أني لم أشارك في وضع المسودة، أجد نفسي ملزما في طرح وجهة نظري.
ولا أريد في هذه العجالة ان اسرد البنود الكثيرة التي اختلف معها، ولكن رأيت ان ابحث واحدة من أكثر المسائل عقدية، والتي نالت نصيبا كثيرا من التفاوض، والحديث العام والخاص. تلك هي دور الدين في الدولة، والتي تحدثت عنها المادة الثانية، بما نصه:
"أولا- الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع :
أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
ب- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
ثانياً- يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية. "
وأكاد أرى مجلسا للنواب يستعمل هذه المادة في تبرير أي قرار يصدره. وسيعمل كل حزب، وطائفة، وكتلة على ان يكون مشروع القرار الذي يقدمه مستندا إلى تلك المادة، بغض النظر عن كون تلك الكتلة أو الحزب متدينة أو علمانية، متطرفة أو اشتراكية، مؤمنة أو لا أدرية. والسبب واضح وجلي، أوليس القانون يجب ان لا يعارض الشريعة؟ أوليس القانون يجب ان لا يعارض الديمقراطية؟ فكيف يمكن ان يلتقيا؟
بادىء ذي بدء، لنعود إلى تعريف الديمقراطية كما أصبح متعارفا بشكل واسع: حكومة تمثل الشعب تعمل من اجل الشعب تنتخب من الشعب. وهذا يعني ان الشعب هو مصدر السلطات وهو الحكم النهائي عن طريق صندوق الاقتراع. ان الشعوب لا تصنع القوانين، ولكنها تتفاعل معها. والقانون الذي يسنه أي مجلس ممثل للشعب يجد مناصرين ومعارضين. وفي النهاية تتحكم الأغلبية. والأغلبية تعني أغلبية نواب البرلمان المنتخب بشكل عادل وشرعي، وليست أغلبية الطوائف التي تشكل نسيج المجتمعات. فلا يمكن -مثلا- إصدار قانون في برلمان المملكة المتحدة من شأنه ان يلحق أذى بالغا في أقلية عرقية أو اثنية، رغم انه قد يخدم مصلحة الأغلبية العددية المسيحية في تلك الدولة. ولا اقصد هنا مسألة حرية العقيدة والعبادة، فهي مكفولة في كل دساتير العالم، بل مسائل أخرى مثل الإقامة والعمل وما سواها.
والملاحظ ان لجنة صياغة الدستور استعملت الألفاظ (ثوابت أحكام الإسلام)، وليس (الشريعة الإسلامية) في محاولة لنفي استناد التشريع ككل على تلك الشريعة. والحقيقة ان هذه المفارقة اللغوية لا تنطلي على المتبصر، فالشريعة هي بالتأكيد مجموع ثوابت أحكام الإسلام. وليس هناك أشياء يفتي بها رجال الدين، ولا تعتبر من ثوابت الإسلام، والا كيف يطلب رجل الدين العمل بفتواه ان لم يتعبرها حكما ثابتا؟
من ناحية أخرى، يمكن ان يكون القانون متعارضا مع الشريعة الإسلامية، بطريقتين: مرة بسنه وأخرى بعدم سنه. لنفترض جدلا ان الشريعة الإسلامية واحدة، وهي ليست كذلك بحكم تعدد المذاهب، ولكن لنفترض حالات اتفقت عليها جميع المذاهب، فكيف سيتم الحكم على قانون مقترح انه موافق أو غير موافق للشريعة؟ إذا تقدم عدد من أعضاء مجلس النواب بمشروع قانون يمنع تصرفا معينا لوجود نص شرعي يحرمه، فهذا متوافق مع الشريعة تماما. ولكن هناك احتمال ان يسقط القانون لعدم حصوله على الأغلبية المطلوبة، فهل يعد عدم إصداره مخالفا للشريعة، وبالتالي مخالفا للدستور؟ وطالما كان النص المقدس غير قابل للجدل، فستكون الحجة حاضرة دائما لدى المتطرفين الذي سيدعون ان عدم إصدار القانون استنادا إلى هذا النص سيكون تعطيلا له، وبالتالي تعطيل للشريعة الإسلامية، ومن ثم انتهاكا للدستور. نعم، ان النص الدستوري يفترض الإيجاب، أي ان يكون هناك قانون صادر فعلا، وليس مشروعا ساقطا، ولكن المحتجون قد يجيبون بان النية في تطبيق الشريعة الإسلامية، بضمان عدم خرقها. وتعطيل النص المقدس سيكون خرقا واضحا لهذه الشريعة المحمية دستوريا.
أما إذا صدر هذا القانون المستند إلى الشريعة والنص المقدس، فلربما يحتج البعض بأنه مخالف لمبادىء الديمقراطية، وانتهاك للحرية الشخصية، إذا كان إتيان الفعل المشار إليه في أماكن خاصة، كالبيوت والنوادي التي يتفق روادها على أساليب وأفعال معينة ترضيهم هم دون باقي أفراد المجتمع، سيما إذا كانت هذه الأفعال مقبولة لدى بعض أفراد المجتمع خارج الأمكنة الخاصة أيضا. فكيف الخروج من هذا التناقض الذي تضمنه الدستور؟
مما لاشك فيه ان هناك نقاط التقاء كثيرة بين الشرائع عموما، والشريعة إسلامية خصوصا، مع مبادىء الديمقراطية. ولكن لا احد يدعى حصول انطباق كامل بينهما. فهناك تشريعات إسلامية لا تتوافق مع الديمقراطية، مثل الاسترقاق. وهناك حقوق اكتسبت من خلال تطبيق حرفي للديمقراطية تتعارض جوهريا مع مبادىء جميع الأديان مثل زواج المثليين. ومع ذلك، فان الشريعة الإسلامية تتميز بأنها دينامية، أي ان لها القدرة على مجاراة التطور الحاصل عبر الزمن. وكذلك يقال عن الديمقراطية أنها (رحلة وليست هدفا). وسرعة تطور أيا منهما تعتمد على الطبيعة الاجتماعية ورسوخ العادات والتقاليد الشعبية، كما تعتمد على الانفتاح على المجتمعات الأخرى والتواصل الثقافي الناتج بالضرورة عن التواصل الاقتصادي والسياسي. وهذا التفاضل قد يقود إلى مجابهة حتمية بين المجتمع ومعتقداته، وينعكس على عملية صنع القرار الذي يجب ان يتوافق –بالتعريف- مع الدستور.
على ان هناك الكثير من الخلافات بين المذاهب الإسلامية مما يجعل إصدار أي قانون عرضة للقول بأنه مخالف للشريعة في نظر بعضها وان كان موافقا لها في رأي البعض الآخر. فهل سنلجأ إلى إصدار قوانين تعمل على فئة معينة دون أخرى؟ وحتى لو فعلنا ذلك، كيف سنطبق تلك القوانين مع وجود أفراد منحدرين من كلا الفئتين؟
ان الديمقراطية، التي تتمثل في انتخابات عامة توصل من يثق به الشعب إلى البرلمان، يجب ان تكون هي الحكم الوحيد. إذ ان الناس عادة ينتخبون من يعتقدون انه الأصلح لتمثيلهم، والتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، ويدافع عن مصالحهم. فان كانت مصلحة الناخبين في قانون معين، فهو حتما يجب ان لا يصدم مع قناعاتهم الراسخة، أو عقيدتهم الدينية، أو توجهاتهم القومية. وإذا كان الناس متدينين فلن يرضوا بقانون يضرب دينهم عرض الحائط، وهم سيحتجون وسيفعلون كل ما يستطيعون لمنع صدوره، ولا يزال لديهم خيار صندوق الاقتراع لاختيار ممثلين آخرين بدلا عن الذين فرضوا عليهم ذلك القانون فيما سبق.
والديمقراطية تعني أيضا ان النواب المنتخبين يجب ان يكونوا قريبين من الشعب يستمعون له ويتناصحون معه، وهو ما يضمن عدم انفراد النواب بالقرار، بل عليهم الرجوع باستمرار إلى الشعب، من خلال ندوات الحوار المباشر، أو الاستماع إلى وجهات النظر التي تعلن عن طريق وسائل الإعلام، أو حتى من خلال تمكين الناس العاديين من المراسلة بالطرق التقليدية مع هؤلاء النواب. ومثل هذا التواصل كفيل ان يعرف النائب بما يتوجب عليه فعله. ولن يكون عليه ان يصوت لمشروع قرار، أو ان يتقدم بمشروع قرار بناء على دستورية هذا القانون، ولكن بناء على ما سمعه من أفراد الشعب الذي يمثله، أليسوا هم مصدر السلطات؟
على ان المغزى من إقحام الشريعة في نصوص الدستور ليس خفيا. فالانتخابات التي جاءت بأعضاء الجمعية الوطنية الحالية إنما بنيت أصلا على أساس ديني، واستعملت فيها الرموز الدينية كأدوات للدعاية الانتخابية. كما ان كثير من أعضاء الجمعية الحالية، وخصوصا القياديين الذي عملوا في مجلس الحكم السابق، سرعان ما انتقدوا قانون إدارة الدولة لعدم تضمنه فقرة تشير إلى دور الدين في الدولة. وهم الآن يواجهون ما انتقدوه، فان لم يشيروا إلى ذلك الدور، فسوف يتم تعريتهم، وإظهارهم كانتهازيين، يلعبون بعواطف الشعب من اجل مصالحهم السياسية الشخصية. ورغم ان الدولة الدينية لم تكن مطلبا حتى لأكثر الأحزاب الدينية تطرفا، إلا ان الدستور بتضمنه عبارة استناد القانون إلى الشريعة سوف يحقق لها جزءا مهما من طموحاتها غير المعلنة، ويدفعها خطوة إلى الأمام. فمن يدري، كيف سيكون شكل التعديل الأول بعد إقرار الدستور. ربما سيكون بحذف الفقرتين ب وج من المادة الثانية، ليصبح صدور كل قانون متجانسا كليا مع الشريعة، وتصبح الشريعة الإسلامية –وحدها- مصدرا للتشريع.
التعليقات