في خضم المشاورات الجارية بين الأطراف العراقية الممثلة بالكيانات والائتلافات السياسية وبين التحالف الكوردستاني للوصول الى تشكيلة حكومة وطنية توافقية تشارك فيها جميع الكيانات القومية العراقية، برز دور التحالف الكوردي كقوة وطنية عراقية موثوقة من قبل جميع الأطراف السنية والشيعية للاستناد اليه والاعتماد عليه للخروج من الأزمة التي تعاني منها الساحة السياسية والتي ظهرت الى السطح بعد ظهور النتائج الاولية للعملية الانتخابية التي تشير الى ان الائتلاف العراقي الموحد قد أحرز نسبة كبيرة من أصوات العراقيين، وأن التحالف الكوردستاني يأتي في المرتبة الثانية لنيله أيضا نسبة كبيرة من ثقة الناخبين.
ولا شك من خلال هذه الرؤية المطروحة في المشهد العراقي، يتبين ان التحالف الكوردي يمتلك قوة سياسية كبيرة ومؤثرة على الساحة العراقية، ولا غبار عليه ان هذه القوة الفعالة المؤثرة استمد قوته من تماسك وتجانس البيت الكوردي الذي يتسم بالقوة والمتانة، كما أشار اليه السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان في مؤتمره الصحافي المشترك مع السيد جلال طالباني في صلاح الدين يوم 3/1/2006، لذا فإن نجاح هذه القوة غي الحصول على هذه الثقة الكبيرة والواسعة للأطراف السياسية العراقية يعتبر بحق نموذج جديد متسم بالحكمة والرؤية السياسية الصائبة على الساحة الشرق الأوسطية. وهو نموذج من حق العراقيين الافتخار به لأنه معبر بكل قوة عن أصالة الفسيفساء العراقي التي بدأت بالاستبراق واللمعان وسط ركام من ماضي أليم، ومحيط مناويء، وإرهاب معادي.
إضافة الى مكامن هذه القوة التي يمتلكها التحالف الكوردستاني من خلال بيته الكوردي المتين والرصين، فإن المطالب الوطنية العراقية التي طرحها التحالف تشكل قوة سياسية كبيرة له على الساحة العراقية، لان المطالب تعتبر من ضرورات الحفاظ على العراق الجديد، من خلال شروطه المطروحة امام الأطراف السياسية العراقية الأخرى، والممثلة بالعراق الفيدرالي والتوافق السياسي في ضمان مشاركة جميع الأطراف العراقية، والحفاظ على الدستور الدائم، و التزام الجميع ب حل قضية كركوك في إطار المادة 58 من قانون إدارة الدولة السابق والمادة 136 من الدستور الدائم، ورفض الارهاب بجميع أشكاله وأنواعه، و زيادة صلاحيات المنصب السيادي، رئيس الجمهورية، المؤمل إبقائه للسيد طالباني رئيس التحالف الكوردستاني. ومن يمعن في هذه المطالب بحيادية وموضوعية يجدها أنها تمثل مطالب الشعب العراقي قبل أن تمثل مطالب الشعب الكوردستاني، لأنها تمثل خطوة عملية حقيقة لضمان عراق مستقر وآمن لحاضره ولمستقبله، وهو أمل وطموح كل عراقي لتحقيق الاستقرار والأمان وتوفير الخدمات والحاجات الأساسية لضمان حياة كريمة للعراقيين.
وضمن هذا السياق تأتي الزيارات السياسية لقادة الأطراف والائتلافات والأحزاب العراقية الى كوردستان والى السيدين بارزاني في صلاح الدين بأربيل وطالباني في قلاجوالان بالسليمانية، في صلب الرؤية الحكيمة والثقة السليمة لهذه القيادات بالقيادة الكوردية لإيجاد الاطار العام الذي سيجد الجميع مكانه فيه لخدمة العراق في ظل عهده الجديد الذي برز به كنموذج مقتدر اجتاز بنجاح أكبر عملية للتحول السياسي الديمقراطي على الساحة الإقليمية والدولية.
ولا مبالغة في القول، ان هذا الأمل المنشود للعراقيين في القيادة الكوردية، تمثل حالة عراقية أصيلة أفرزتها الأحداث المريرة التي مرت بها المنطقة والتي برغم قساوتها وضراوتها ظل الشعب الكوردي ثابتا في مطالبته بحقوق قومية للكوردستانين وبحقوق وطنية للعراقيين، وظلت فيها القيادة الكوردية راسخة في ثوابتها الوطنية الكوردستانية والعراقية. وهذا ما جعل القوى العراقية ان تنظر بعين الرضى والامتنان للشعب الكوردستاني الأصيل والى قيادته السياسية بعين التقدير والاحترام، خاصة وأن الطرف الكوردي أصبح كما كان في السابق جزءا من الحل وليس من المشكلة، وهو سمة نضالية جليلة تميزت بها الحركة الكوردية العراقية في كفاحها من أجل نيل الحقوق الكوردستانية والعراقية.
أمام هذا الواقع السياسي، والنموذج العراقي الجديد لرسم الخارطة السياسية الجديدة، فان الاطار العام الذي سيتفق عليه الأطراف العراقية، سيشكل مسارا محددا لرسم الخارطة السياسية المستقبلية للعراق الجديد للسنوات الأربع القادمة والتي ستتجلى فيها مشاركة جميع الأطياف العراقية بشفافية وروحية جماعية نابعة من إصرار الجميع على الحفاظ على العراق الجديد المتحرر من قيود الاستبداد والطغيان، للبدء بمرحلة البناء والإعمار وتأمين الخدمات والحاجات الاساسية لضمان حياة حرة كريمة لحاضر العراقيين ولمستقبل أجياله اللاحقة.
وما الدور الذي يقوم به التحالف الكوردستاني الا لغاية حكيمة صائبة وهي وضع اللبنة الاساسية بمشاركة الجميع ومساهمة كل الاطراف لبناء العراق الجديد وعلى رأس هذه الأطراف الائتلاف العراقي الموحد والتوافق والقائمة العراقية، لبنة وطنية مستمدة قوتها ومكوناتها من نتائج العملية الديمقراطية التي أفرزتها صناديق الاقتراع للأصابع البنفسجية والتي اجتازها العراق بجدارة ونجاح منقطع النظير. ولهذا يؤمل قريبا ان تفلح جهود التحالف الكوردي في لم وجمع شمل جميع الاطراف العراقية للخروج بمكسب وطني كبير يجعل من السنوات الأربع القادمة سنوات عمل وخير وبركة للعراقيين والكوردستانيين جميعا.
جرجيس كوليزادة
[email protected]
- آخر تحديث :




التعليقات