كـنتُ قـد فـرغـتُ منذ وقتٍ بعيد من قـراءة كـتاب ( القـبض والبسط في الشـريعـة الإسلاميـة ) للكـاتـب المفكـر الإيراني ( عبد الكـريم سروش ) ذو النـزعـة التـنويـرية والذي يـعتـبر من أهم المفكـرين الإصلاحيـين والذي أثـار جدلا ً واسعا ً في الأوساط الثقافيـة الإيـرانيـة..
وكـان صديقـنا ( بو حيدر ) قـد شـدد على ضرورة أن نقـرأ هذا الكـتاب حينمـا صـدر بطـبعتـه ( الفارسيـة ) بحكـم كونـه يجيـد قـراءة هذه اللغـة جيـدا ً وحينمـا تــُـرجـم هذا الكـتاب إلى العـربيـة كانـت فـرصـة ثـمينـة أن أطـلـع عليه..
وكـان صديقي ( بو علي ) هو الآخـر قـد قـرأ هذا الكـتاب القـيـّـم في أفكـاره وأطـروحاتـه بينـما كان ( بو جاسم ) ينـتـظر منا أن نـطرح بعـض أهـم الأفكـار التـي وردت في الكـتـاب..
فقـلتُ له : ( سـروش ) في بـدايـة كـتابه يضـع مدخـلا ً مهما ً في فـهم خـريطة الكـتاب وهو يجـب التـميـيز جيدا ً بين النـص الدينـي وبيـن فـهم النـص الدينـي ويشـدد على أن الأخـير يـعـتـبـر من المعـارف البشـريـة التـي تـخضع للقـبض والبسـط في حركـة الحـياة والعـصـر ولذلك يـقول :
المعـرفة الدينيـة لأي إنسـان، وفي أي عصـر، تـنقـبض وتـنبسـط بحـسب مجموع معـلوماتـه أو المـعارف البشـريـة، وأينمـا وقـع تـغـيــّـر في جـزء سيـصيـب التـغيـيـر الكل.
وعليـهِ فإن (سـروش) يـرى بأن المعـرفـة الدينيـة قابـلة للتـغيـيـر من إنسـان إلى آخـر ومن عصـر إلى آخـر حـسب ما تـتـوافـر من معـلومات ومعارف بشريـة متـجددة ومن الخطأ الوقـوف أمام نقـطـة معينـة في التـاريخ البشري واعتـبارهـا قمـة الفـهـم للنـص الديـني..
ويقـول في مكـان آخـر :
وتـفطـن البشـر إلى أن المعـارف غيـر الدينيـة لها تـأثـير لا يمكـن إنـكـاره في المعـرفـة الدينـيـة وأن تـطور الفـهـم في إحداها يـؤدي إلى تـطـوره في الأخـرى، ولذا فإن الاستـعانـة بالمـعارف غيـر الدينيـة شرط لـتـصحيح المعـرفة الدينيـة وتـكميـلها..
فقـال ( بو جاسم ) على خـلفيـة هذه الفـكـرة السابـقـة لـسروش على المؤسسات الدينيـة أن تـفهم جيـدا ً بأن الاطـلاع على المـعارف غيـر الدينيـة التـي تـموج بها الساحـة العالميـة مهم جدا ً لتـصحيح بعض المعارف الدينية التـي تـشكـلت في وقـت سابق من تـطـور العـلوم البشريـة غير الدينية..
فقـلتُ لهما لذلك في مكـان آخـر من الكـتـاب يـركـز ( سروش ) تـركـيزا ً كبيـرا ً على هذا المعنى حيث يقـول:
المعرفـة العميقـة بمعارف العـصـر، وفتـح طـريق التـبادل بيـن المعـرفـة الدينية والمعـارف البشريـة الأخـرى، والجـواب الذي يليـق بأسـئـلة العـصـر، هو الذي يـزيـد المعـرفـة الدينية غنـىً وصـحـة، ويـعـرّض جسـدهـا للـقـبض والبـسط..
وفي مكان آخر من كتابه يشدد ( سروش ) على ضرورة أن تـتـداخـل المعارف الدينـية بالمعارف البشريـة الأخـرى بروح خـلاقـة بعيـدا ً عن التـعصـب والانـغـلاق وعـدم الاكـتـفاء بالمفاهيـم الدينية التـراثـيـة وينتج من ذلك التداخل كما يقول :
حين تـنتـج أجـوبة جديـدة ردا ً على الأسئـلة الجديدة، فإن هذه الأجـوبة لا تـهب ذخيـرة المعرفة الدينية القـديمـة إضافـة كـميـة، ولكـنها على أثـر التـركـيب معها، تـجعـل الفـهم الدينـي بمجـملـه متـنـوعا ً كـمـّـا ً وكـيفـا ً ومضـمونـا ً.
محمود كرم
كاتب كويتي
التعليقات