الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية: خارطة سياسية جديدة

تشهد الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية تطورات جديدة في الانتخابات المزمع إجرائها في كل منهما. فالساحة الفلسطينية تستعد الآن لإجراء الانتخابات التشريعية الثانية في الخامس والعشرين من يناير. وبالرغم من التخوفات والتهديدات التي تصدر هنا أو هناك حول جدية انعقادها، ومدى توفر الظروف لذلك فأن التصريحات الرسمية لاسيما ما بدر من الرئيس أبي مازن في مؤتمره الصحفي مساء الأثنين 9/1 تؤكد عقد الانتخابات في موعدها المقرر. ومن المتوقع أن تغير هذه الانتخابات في حالة إجرائها الخارطة الفلسطينية داخل المجلس التشريعي ومن ثم داخل السلطة التنفيذية أيضاً. فهذه الانتخابات تشارك بها قوى المعارضة للمرة الأولى وذلك بخلاف انتخابات يناير 1996م التي اقتصرت على حركة فتح ومن دار في فلكها. كانت بالتالي انتخابات اللون الواحد والرؤية الواحدة. كما انعقدت الانتخابات السابقة وسط رؤى وظروف تفاؤلية بعملية السلام فيما تعقد الانتخابات الحالية في ظل ضبابية سياسية وواقع داخلي صعب. كما أن الانتخابات الجديدة تجرى بعد الخروج الإسرائيلي من غزة وبالتالي فهي تحلق في فلك محلي محكوم بوقائع فرضها الجانب الإسرائيلي على الأرض. فالقوى السياسية المعارضة تشارك بقوة وبتنافس محموم من أجل إقصاء الآخر وربما في أحسن الأحوال المشاركة معه في القرار تطبيقاً للمبدأ القائل quot;شركاء في الدم شركاء في القرارquot;. وبالتالي ففي كل الأحوال فإن أي مكسب انتخابي للمعارضة سوف يكون على حساب حركة فتح. حيث من المتوقع أن تحصد حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot; عدداً لا بأس به من المقاعد ربما يفوق حركة فتح. حيث نجحت حركة حماس في استقطاب الكثير من عناصر التنظيمات الأخرى لأسباب عدة منها أيديولوجية، وسياسية وتنظيمية ومالية. وهذا يشكل بحد ذاته واقعاً سياسياً جديداً. صحيح أن حركة حماس ليست حركة جديدة في الشارع الفلسطيني ولكنها لم تدخل انتخابات 1996م، ولم تشارك في مؤسسات السلطة طيلة السنوات السابقة حتى على سبيل المعارضة. ولذلك فإن دخولها المجلس التشريعي بهذا الحجم المتوقع من شأنه أن يغير الكثير داخل المجلس التشريعي سواء على صعيد تشريع القوانين أو الرقابة المالية والإدارية. وفوق ذلك هناك إمكانيات مفتوحة حول المشاركة في الحكومة. ولكن هل تمتلك حركة حماس برنامجاً سياسياً واضحاً ومحدداً. إذ لم يتضمن برنامجها الانتخابي الكثير حول ذلك. ولم تشكل تصريحات قادتها حول رفض التفاوض مع العدو إضافة كبيرة في هذا المجال. وتم صياغة بياناتها الانتخابية بطريقة إنشائية أكثر من كونها برنامجاً يتضمن إجابات شافية محددة بدقة ووضوح.

ولكن من المؤكد أن هذه الانتخابات سوف تظهر إلى جانب القوتين الكبيرتين: حركة فتح وحركة حماس مدى ما تتمتع به الحركات السياسية الأخرى من شعبية أو وجود على الساحة الفلسطينية. فهناك فصائل لن تتجاوز نسبة الحسم (2%). وهذا بحد ذاته يشكل إعادة رسم للقوى السياسية المؤثرة على الساحة ولتلك التي أصبحت مجرد تاريخ وماضٍ. فهناك العديد من الفصائل التي تراجعت شعبيتها في السنوات السابقة لأنها لم تعد تمتلك رؤية أو برنامجاً سياسياً يجابه المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وبقيت أسيرة خطابات سياسية وأيدلوجية تحلق بعيداً عن الواقع المعاش. كما أن هناك فصائل لم تكن تمتلك شعبية ولحقت بأوسلو أو عارضتها بدون فعالية مؤثرة. وهذه الفصائل بالرغم من قلة المنتمين إليها حافظت على وجودها من خلال كونها أرقاماً تم استثمارها سواء من قبل حركة فتح التي عدتهم أرقاماً مؤيدة لعملية السلام في وجه المعارضة أو من قبل المعارضة التي عدت الآخرين أيضاً أرقاماً معارضة لأوسلو. وبين هذا وذاك بقي هؤلاء أسراء ماضيهم النضالي يجترعون منه دون أدنى استجابة مؤثرة وفعالة لمقتضيات المرحلة. وشهدت هذه الفصائل الصغيرة انشقاقات متعددة ليس بدافع خطاب سياسي أو نضالي جديد بل لمصالح شخصية تنافست على كسب الغنائم (الاستحقاقات). وكل ذلك ساهم في زيادة تفتتها وضعفها وتشرذم عناصرها وأجهز على البقية الباقية منها. وبالرغم من أن انتفاضة الأقصى قد شكلت عملية استنهاض للبعض الذي لحق بركب المقاومة وشكل الأجنحة العسكرية التي ساهمت في العديد من العمليات العسكرية التي حافظت على شعبيتها من الانقراض فإن البعض الآخر بقى أسير ضعفه وهوانه وانشقاقه، ولم يتجاوز أزمته أو صراعاته الشخصية. وبقي مجرد يافطة فصائلية أو حزبية. وبالتالي فإن عدم اشتراكه في الانتخابات أو عدم تجاوزه في حالة الاشتراك نسبة الحسم يعني أنه فقد تأثيره السياسي كما فقد منذ زمن نضاله العسكري. وهو بذلك سيكون على هامش الساحة السياسية الفلسطينية. ولم يعد له في الواقع الجديد وجوداً رقمياً يستعان به هنا وهناك. وأنه لم يعد سوى من مخلفات الخطاب السياسي والنضالي الماضي الذي فقد هالته وقدسيته، وتحول إلى ركام تاريخي يشكل جزءاً من الأزمة وليس جزءاً من الحل.

أما الساحة السياسية الإسرائيلية فهي تشهد أيضاً وضعاً جديداً مع بروز حزب جديد وهو حزب كديما (إلى الأمام). وبالرغم من أن الحزب يضم قادة سياسيين ليسوا جدداً على الساحة السياسية فإنه يشكل تطوراً جديداً في الخطاب السياسي الحزبي. على اعتبار أنه يمثل الصهيونية البراغماتية أي أنه يشكل اليوم يمين الوسط. وبالرغم من التطورات المفاجأة التي واكبت مرض شارون مؤسس الحزب، وعدم توفر كارزما ليهود أولمرت المرشح لرئاسة الحزب على غرار كارزما شارون وماضيه السياسي والعسكري فإن استطلاعات الرأي لا تزال تضع الحزب الجديد في المقدمة في مقابل تراجع شعبية حزب الليكود (اليمين) وانخفاض شعبية حزب العمل (المتدهورة أصلا). حيث لم ينجح حزب الليكود طيلة السنوات السابقة في معالجة الخلافات الداخلية به، وانقسامه إلى يمين ويمين الوسط. بينما لم ينجح حزب العمل أثناء ترأسه للحكومة في التقدم في عملية السلام. فعانى من خلل واضح بين فكره السياسي وممارسته العملية وسط افتقاره إلى قيادة كارزماتية مؤثرة. وبالتالي فإن كلا الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية مقبلة على تغيير جوهري في الخارطة السياسية الحزبية مما يجعل المرحلة المقبلة أكثر ضبابية مما هو عليه الآن. فإلى أي حد ينجح حزب كاديما في فرض براغماتيته الصهيونية الواضحة والمعادية للطموحات الفلسطينية، وإلى أي حد تنجح حركة حماس في فرض خطابها السياسي الضبابي. وهل ستمارس حماس بالفعل ما صرح به قادتها من أنها سوف تمارس السياسة كما لم تمارس من قبل. و أمام ذلك يبقى السؤال قائماً أين القضية الفلسطينية وشعبها من هذا وذلك؟

خالد محمد صافي

كاتب وأكاديمي مقيم في غزة، فلسطين

[email protected]