اللغز السوري..

في نقاش هاتفي مع صديق على أبواب إحدى لقاءات المعارضة السورية التي يتم التحضير لها بهدوء، طرح علي الخلط الحاصل من وجهة نظره داخل صفوف المعارضة بين مفهومين:
الأول هو التغيير السلمي نحو الديمقراطية. والثاني هو التغيير الديمقراطي السلمي. فالأول هو المطلوب لأنه لايعطي حدا أدنى من المشروعية للنظام أو للسلطة السورية، بينما المفهوم الثاني يحمل في طياته مشروعية ما للسلطة السورية، وهو ما قد يقبل به النظام السوري في مرحلة لاحقة نتيجة لعدة عوامل لسنا بصدد سردها هنا بينما هو سيرفض الأول حكما لأنه لايعطيه أية مشروعية ولاحتى لأفراده وشخوصه سواء بقوا داخل السلطة أو خرجوا عنها. وفعلا أشكره لأن الفارق بين التعبيرين ليس لغوا كما قد يبدو لبعضنا، وإنما هو خلاف في فهم عملية التغيير الديمقراطي برمتها، الأول يريد تغيير النظام بكل شخوصه ومؤسساته وعلائقه لأنها تفتقد الشرعية!! والمشروعية. بينما التغيير الثاني يعترف بديمقراطية قائمة ويراد تغييرها أيضا بأسلوب ديمقراطي. وهو بذلك يريد سلفا رفع الغطاء عن أية محاولة يمكن أن يقوم بها النظام أو أحدا من رموزه من أجل التغيير الديمقراطي نفسه. وما حرضني على كتابة هذه المقالة أيضا هو:
مقالة أخرى للدكتور رضوان زيادة منشورة اليوم في صحيفة النهار اللبنانية وتتحدث عن إنشقاق خدام وسيناريوهات التغيير الديمقراطي في سوريا والتي هي كما يراها الدكتور رضوان:
[لكن ما مستقبل النظام السوري بعد انشقاق خدام؟ قلنا سابقاً أن هناك ثلاثة سيناريوات لعملية التغيير في سوريا، هي:
الأول أن يقوم النظام ذاته بالإصلاح من الداخل بما يشمل إصلاحات سياسية حقيقية، وانتخابات نزيهة وحقيقية تؤدي إلى تداول سلمي للسلطة واتخاذ قرارات صعبة في ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي. وبالتوازي مع ذلك يجب أن تكون هناك عملية تبادلية لتقليص الصلاحيات المعطاة للأجهزة الأمنية وخفضها واحياناً انهائها ووضعها في كنف نظام قضائي مستقل ونزيه.
أما السيناريو الثاني فهو ظهور محاور من أعضاء النخبة السياسية الحاكمة، مما يفتح المجال لظهور فريق quot;إصلاحيquot; أكثر استيعاباً للمتغيرات وانفتاحاً على العصر.
أما السيناريو الأخير فهو فرض الإصلاح من الخارج في ظل إدارة أميركية ذات أجندة ديموقراطية إمبريالية.] ويرجح الدكتور زيادة السيناريو الثاني.
ما يلفت النظر في كتابة الدكتور رضوان أنه لا يتطرق لأي فعل محتمل للمعارضة السورية في هذه السيناريوهات ما خلا أنها في حال حصول السيناريو الثاني يمكن لها أن تلعب دورا في ترجيح الكفة نحو المطالب الوطنية الديمقراطية وليس نحو استجابة للمطلب الديمقراطي المحمول على الأجندة الأمبريالية أو الديمقراطية الأمبريالية كم سماها. المعارضة من الضعف بحيث
من الصعب أن يكون لها دورا في سيناريوهات التغيير وإنما دورها ينحصر في سياق أحد السيناريوهات، هذا استنتاج طبيعي جدا من خلال قراءة هذه الاحتمالات.
وفي قراءة متأنية لهذه المقدمات يستطيع المرء أن يكتشف أن اللغز السوري ـ مسكوتا عنه ـ يختبئ خلف هذه القراءات المتعددة لعملية التغيير الديمقراطي السلمي مصرين على نفس المفهوم والذي لم يوافق عليه الصديق. اللغز السوري سنكثفه تسهيلا للحوار في عدة نقاط:
1ـ رفض التدخل الخارجي عسكريا من أجل قلب السلطة.
2ـ الخوف على وحدة المجتمع السوري من انقسامات عمودية جهوية أو قومجية.
3ـ وجود أجهزة قوة / عسكر ومخابرات..الخ / في أيد طغمة عسكرية من طائفة واحدة تقريبا وهنا نتحدث عن الفاعل السلطوي بوصفه فاعل وليس بوصفه جماهير الطائفة التي تعاني نسبيا كما يعاني الشعب السوري. وهذا ما يهدد به النظام ويستخدمه كورقة في حال تم الضغط عليه من أجل تغييره، وليس النظام في حالتنا هذه خال من جماهير تقف حوله كما ذكرنا في مقالات سابقة.
4ـ الخوف من مجيء تيار ديني سني إلى السلطة.
5ـ لايمكن أسقاط النظام من الداخل وسلميا لابفعل المعارضة ولاحتى لوتم انشقاق فردي آخر على غرار خدام مالم يتم التعبير عن ذلك في شكل مؤسسي معارض.
6ـ بدون تعاون المجتمع الدولي مع مطالب الشعب السوري وتفهمها من أجل الديمقراطية لايمكن إسقاط النظام سلميا.
7ـ لدينا مسألتان يجب بحثهما بشفافية وبحد أدنى من المصداقية وهما: القضية الكردية، والمسألة الطائفية. يجب على قوى التغيير انجاز فهما واضحا ودقيقا يشكل الحد الأدنى لملاط
ديمقراطي يهيئ للبدء بحل ديمقراطي لهاتين القضيتين ولغيرهما من القضايا التي تخيف الشعب السوري على وحدة مجتمعه ودولته.
8ـ نحن دعاة ديمقراطية ولسنا قضاة أو محكمة، وفي سياق فهم هذا اللغز السوري والذي اتضحت مخاطره أكثر بعد التجربة العراقية والتي انطبعت سلبا في إذهان الناس وخوفا من تكرارها في سوريا على رغم كل الإيجابيات التي حققها الشعب العراقي، وبالتالي مرة أخرى على المعارضة التي دفعت ثمنا من حياتها وحياة أسرها سجونا وتنكيلا أن تعض على جراحها:
في عملية غايتها الديمقراطية دون إقصاء لأي طرف كان حتى لو كان من السلطة نفسها. ولكن ماذا نقول ونحن نرى صفوف المعارضة تقوم كتابة أو شفاها بإقصاء بعضها حتى التخوين وحرق الأخر في كليشيهات شعاراتية أكل الدهر عليها وشرب. فإذا كانت صفوف المعارضة تعاني هذا الشقاق المرضي الذي لايظهر له حلا في الأفق فكيف لها أن تقوم بعملية التغيير أو حتى تساهم بها جديا؟!
دمشق كأنها تنام على لوحة قاتمة والجماهير تشاهد فيلما بلا معايير بلا تسامح بلا صدقية وفلول تمضي معارضة وفلول تجيء معارضة: موضة أو معارضة لأخذ قطعة من كعكة مسمومة.
وفي النهاية أشكر الصديق حسام الديري على هذا النقاش.


غسان المفلح