كل المسلمين بمختلف مذاهبهم يؤمنون في خروج رجل عادل يملأ الدنيا عدلا يسمى عند بعضهم بالمهدي المنتظر و إمام العصر والزمان عند البعض الآخر. لكنه مهما اختلفت أسماءه وملامحه وعلامات خروجه عند المسلمين فقد اتفقوا جميعا على مهمته ورسالته.
لكن الغريب في الأمر أن جميع المسلمين يعتقدون أنه بمجرد خروجه سوف يتمكن من هزيمة كل القوى المناهضة له ونشر رسالته بكل سهولة. ونحن نعرف أن جيش المهدي المنتظر سوف يكون من أحد طوائف المسلمين وليس من كل المسلمين استنادا إلى ما تدعيه كل طائفة إسلامية حيث أن المسلمين ينقسمون إلى مذاهب عديدة كل يدعي انه على حق وباقي المسلمين على باطل.فلو آمنا بأن جميع المسلمين بمختلف طوائفهم سوف يتوحدون خلف قيادة المهدي المنتظر حين يعلن خروجه، إلا أننا نعرف أن القران ككتاب يمثل كل طوائف المسلمين يعتبر كتابا يخاطب العقل أكثر مما يخاطب العاطفة، وان الله رب المسلمين قد خلق الكون وجميع المخلوقات خلقا علميا لا مجال فيه لتأثير العاطفة والخرافة. حيث من يتدبر تعاقب الليل والنهار وحركة الكواكب وأعضاء الإنسان والحيوان من عين وانف وفم وغيرها يدرك أن كل شيء مخلوق بطريقة علمية دقيقة. مما يجعلنا بالعقل ندرك أيضا أن المهدي المنتظر لا يستطيع تحقيق أي نصر مالم يكن قائدا لأمة مزودة بتقنية حضارية عصرية تفوق ما تم خلقه عن طريق الحضارة الحديثة. وجميعنا يعلم أن الغرب بحضارته وعلومه يتفوق بمراحل كثيرة على المسلمين بمسافة لا تقل عن خمسة قرون مما يجعل كل صاحب عقل يتفكر يدرك بما لايدع مجالا للشك أن خروج المهدي المنتظر لن يكون في اقل من خمسة قرون، لأنه من المستحيل أن يخرج في عصر يعتبر فيه المسلمون أكثر شعوب الدنيا تخلفا وضعفا حيث لايستطيعون إرساء العدل المنشود وبناء دولتهم الأقوى دون أن يتمكنوا أولا من صناعة واقعهم القوي وحضارتهم المتطورة لمنافسة الحضارات الحديثة التي تفوقهم في كل شيء.
ولا اعتقد أن مسلما يدعي أن الإسلام دين العقل يعتقد انه بمجرد خروج المهدي المنتظر سوف ينتصر المسلمون بتخلفهم الحضاري الحالي ويبنون دولة العدالة المنشودة دون أن يملكوا آليات بناء الدول القوية الحرة العادلة.
قال لي ذات يوم صديق أمريكي عندما حدثته عن إمام العصر والزمان : ولم لا يكون العقل حين ينطلق من سجن الخرافة إلى فضاء النور هو إمام العصر والزمان ؟!
ثم استمر قائلا : بالعقل.. تبنى الحضارات، وبه تزدهر، وبالعقل ترسى قواعد العدل والحرية !
قلت له : استغفر الله.. انه إمام صالح يخرج في آخر الزمان ينشر العدل والسلام وينصر الحق ويكشف الحقيقة.
قال : وهل هناك رجل صالح بغير عقل يفكر ؟!
هل سمعت على مر العصور عن رجل صالح يرفض حكم العدالة ويعادي حرية الإنسان ويناصر الباطل ضد الحق ويزور الحقيقة ؟ !
وقال : وأنا لاأؤيد مايقوله المسلمون عن أن المهدي المنتظر سوف يحارب العالم لنشر رسالته، لأن إمام العدل يبدأ بنشر قيمه السامية بطرق سلمية ولا يحارب إلا دفاعا عن قيمه العظيمة ورسالته السامية.. ثم تساءل قائلا :
لماذا تشوهوا صورة دينكم دائما حين تصورونه بالمحارب والمقاتل دائما بسبب أو دون سبب ؟!
وحين شعر بارتباكي أمام أسئلته التي تشبه صواريخ كروز الأمريكية وهي تتساقط على بغداد وأفغانستان قال لي :
لقد خضع المسلمون قرونا لفكر الاستبداد حتى صدقوا أن المهدي المنتظر سوف يخرج من جهلهم كي يصنع لهم القوة. بل أن منظري الاستبداد المسلمين على مر العصور رسخوا حكاية خروج المهدي المنتظر في عقل المسلمين بطريقة تختلف عن الهدف الأسمى لخروج المهدي المنتظر،كي تظل الشعوب تنتظر ذلك اليوم الذي يخرج فيه ليحررهم من استبداد الطغاة دون أن يبذلوا جهدا علميا وحضاريا لبناء الحضارة التي لن يستطيع المهدي المنتظر أن يقودهم نحو النصر المرجو بدون ذلك الجهد الذي بذلته كل الشعوب القوية كي تخلق مهديها المنتظر.
قلت له غاضبا : أتسخر من ديننا ؟ !
قال لي : لا.. ولكن ألستم تقولون أن دينكم يقول أن ( المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ) ؟!
قلت : بلى
قال : وهل القوة تأتي بدون العلم والحضارة ؟!
قلت : لا
قال : وهل تستطيع امة أن تبني حضارة بغير الحرية ؟!
قلت : فاتحا فمي كانفتاح أجواء العراق للطائرات الأمريكية إثناء حرب الحواسم وأم المعارك وخالة المهازل، صارخا.. هاااااااااااااااااااااااه !
ثم استطرد قائلا لكنني سأكون صريحا معك.
قلت : ماذا ؟!
قال : من حق كل امة أن تعتقد كيفما تريد.. ونحن كذلك في الغرب نؤمن في خروج منقذ للبشرية في آخر الزمان، لكننا لم نركن للاعتقاد ونلغي دور العقل، فلا زلنا نؤمن في معتقدات الدين ونعمل بإرادة العقل وهذا ما جعلنا نتفوق عليكم !!
وكلما تساءلت مع نفسي أدركت حقيقة أن المهدي المنتظر لن يخرج قبل أن يأخذ العقل دوره في جماجم المسلمين ويبني حضارته ويعترف بآدميته، وأن كل نبي لم ينشر رسالته قبل أن ينشر فكره الذي عبره آمن الناس به حتى هيأ من يتحمل نشر الرسالة بقوة هي في عهدها أكثر قدرة على تحقيق الانتصار من القوى المناهضة لذلك الفكر.
ومن هذا الاقتناع املك يقينا أن إمام العصر والزمان لن يخرج في امة المسلمين قبل أن يتمكن العقل المسلم من مجاراة الأمم المتحضرة في البناء والاختراع والتطور. لأن من يريد أن ينشر قيما لا بد أن يملك الأدلة والبراهين التي تثبت انه الأحق بالقيادة. وصدق الله القائل ( إني جاعل في الأرض خليفة )، ومن يملك مصادر القوة المبنية على أسس حضارية يكون خليفة الله في أرضه، حيث لم يخبرنا الله بان خليفته في أرضه يجب أن يكون عربيا أو إيرانيا أو باكستانيا وإنما حدده بمن يعمر الأرض.. الخ.
ولا اعتقد أن مخلوقا بمواصفات إمام العصر والزمان يفخر أن يقود امة لم تحرر ثقافتها من الخرافة والخنوع والتخلف وتعيش في ذيل الحضارات منذ قرون طويلة، وتتصارع من اجل التسلط والاستبداد وتخرج في الشوارع تهلل للطغاة مرددة شعار الاستبداد المعروف (بالروح بالدم ) وتحكم على المبدعين والأحرار والشرفاء بالنفي والإلغاء، وتصفق للمرتزقة والمأجورين والمرتشين وسارقي أموال الأوطان وتصمت عن محاكمتهم أو حتى مساءلتهم.
الله جل جلالة : خلق العقل ليبدع، ولن يرسل إمام الحق والهدى قبل أن يبلغ العقل مداه.
إمام العصر والزمان : عقل.. فهل يكون للعقل من وظيفة غير أن يكون إمام العصر والزمان ؟!!
سالم اليامي [email protected]
التعليقات