الدعوة الاخيرة التي أطلقها الزعيم الکوردي عبدالله اوجلان لوقف إطلاق النار والتي دخلت حيز التنفيذ بعد إستجابة حزب العمال الکوردستاني لها، تزامنت مع تحرکات سياسية إقليمية و دولية متعددة، کان أبرزها دعوة الامريکان حزب العمال لوقف نشاطاته المسلحة، وهي التي فسرها المراقبون السياسيون بنوع من الاعتراف الضمني الامريکي بهذا الحزب، فيما نرى إنه قد يکون مثل البدايات التي مهدت للقاءات امريکية فلسطينية تمخضت عنها إتفاقية اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل.
وإذا ماکانت دعوة السيد اوجلان قد تزامنت مع دعوتين للولايات المتحدة الامريکية و الاتحاد الاوربي واللتين وإن إختلفتا في بعض المسائل الشکلية فإنهما تتفقان في المضمون و الخط العام من حيث حث ترکيا على معالجة القضية الکوردية سلميا والرکون الى منطق العقل و الصواب لإنهائها، فإنها تکتسب اهمية خاصة من حيث إنها تسلط الضوء من جديد على هذا القائد الذي طالما أقلق بال ساسة و جنرالات ترکيا و أطار النوم من أعينهم لتسبغ على شخصيته هالة من نوع خاص لطالما سعت الدولة الترکية الى حجبها عن الانظار الکوردية ذاتها، لکنها هاهي تجتاح الافاق و تکسر الحدود و المعوقات لتجعل في النهاية اوجلان بطلا للسلام مثلما کان مقاتلا شجاعا و بطلا في الحرب.
ترکيا التي لم تبق بابا إلا وقرعته لإنهاء کابوس عبدالله اوجلان و حزب العمال الکوردستاني، تجد نفسها مرغمة أمام أقوى جبهتين سياسيتين و إقتصاديتين في العالمquot;أمريکا و أورباquot;وهما ينصحانها بالتعاطي سلميا مع القضية الکوردية، وهو إقرار ضمني بطروحات السيد عبدالله اوجلان التي طالما حرص على طرحها و التأکيد عليها أيام کان يقارع الرفض الترکي للوجود القومي الکوردي في شمالي کوردستان.
وإذا ماکان ساسة و جنرالات ترکيا قد سعوا للضغط على الزعماء الکورد في إقليم کوردستان من أجل الإستجابة لخياراتهمquot;العسکريةquot;الاحادية الجانب، فإن الزعيم الکوردي البارزquot;مسعود البارزانيquot;لم يفتأ إلا ونصح المسؤولين الاتراک بالرکون لمنطق الواقع و الإقرار بحقيقة وجود القضية الکوردية، و لطالما دعاهم لحل المشکلة سلميا لتجنيب الحکومة الترکية نفسها أضرارا هي في غنى عنها، والحق لم تکن نصائح البارزاني مجرد تنظيرات أو آراء عابرة بل کانت عبارة عن خلاصة تجربة مريرة مع الانظمة المتعاقبة على حکم العراق بخصوص القضية الکوردية والتي إنتهت بفرض تجربة برلمان و حکومة کوردستان الفيدرالية.
وحتى إن الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي حث حزب العمال الکوردستاني على وقف إطلاق النار، قد دعا هو الاخر الدول الغربية ضمنيا للتعاطي مع القضية الکوردية ببعد عقلاني و واقعي بعيد عن المعالجات السطحية و المؤقتة والتي لاتزيد الطين إلا بلة، وعلى الرغم من أن تصريحات الطالباني قد جوبهت بعاصفة رفض ترکية، إلا إنه کانت هناک ثمة آذان غربية صاغية إليها بکل أناة.
السياسة الامريکية التي طالما تعاملت مع الاحداث برؤيا براغماتية محضة، لم تجد أمامها من خيار أفضل سوى السعي لإيجاد خيارات أفضل للتعاطي مع حل القضية الکوردية بعيدا عن الرؤى الترکية المتشددة لها، وقد ترتکب واشنطن خطأ 5/3/1975 التأريخي عندما ضحت بالقضية الکوردية على ضريح مصالحها الخاصة التي وجدت فيما بعد إنها مهددة من قبل ذات الذين رکنت إليهم بالامس.
دعوة اوجلان، هي في الحقيقة صفحة جديدة لترکيا کمال أتاتورک التي هي بأمس الحاجة لإستقرار سياسي ـ إجتماعي ـ إقتصادي ـ فکري، وذلک لن يکون إلا بمعالجة القضية الکوردية سلميا والإعتراف بالوجود القومي للکورد على أراضيهم، وقد يکون الاجتماع الاخير لرؤساء بلديات المدن الکوردية في ترکيا والتي إتفقوا خلالها على جعل اللغة الکوردية أساسا في التعامل بينهم، ضوئا احمرا للتأني في الإسترسال بسياستهم الخاطئة سيما وإن الوعي القومي الکوردي قد بات في إزدياد مظطرد من جراء السياسات الشوفينية للحکومة الترکية، بل وإن تقديم 56 من رؤساء البلديات للمدن الکوردية في ترکيا بطلب لرئيس الوزراء الدانمارکي يحثونه فيها على عدم غلق قناةquot;Roj.tvquot;، هي في حد ذاتها رسالة مفهومة من تعاظم الوعي القومي الکوردي و وصوله مديات تجعل المعالجات الکمالية لها ليست سقيمة و غير مجدية وإنما عاملا في دفعها للمزيد من التطور و التقدم.
دعوة اوجلان لوقف إطلاق النار من جانب حزب العمال الکوردستاني و تزامنها مع دعوات إقليمية و دولية في منتهى الحساسية والاهميـة، تؤکد جملة حقائق هامة منها:
1ـ التأکيد على بقاء و إستمرارية زعامة السيد اوجلان ودوره المهم في توجيه بوصلة الاحداث الکوردية.
2ـ إبراز دور حزب العمال الکوردستاني في الساحة تمهيدا لنفض غبار ذلک الزعم الکاذب بکونه حزبا إرهابيا، وهو أمر يدل على قوة و جماهيرية هذا الحزب.
وفي کل الاحوال، فإن مبادرة السيد اوجلان وحتى وإن لم تحظ بقبول رسمي لها من لدن أنقرة، فإنها سوف تکون مؤشرا مهما و حاسما في تعاظم الدور الکوردي قبالة السياسات الترکية الخاطئة.
نزار جاف
[email protected]
التعليقات