في كل مرة يعقد اجتماع ما للمعارضة السورية نجد أنفسنا نطرح نفس الأسئلة، نخوض غمار النقاشات ذاتها وتبرز إلى السطح نفس نقاط الخلاف والإشكاليات التي تعيق عمل المعارضة الديمقراطية، و هذا ما عدنا إلى نقاشه في الاجتماع المخصص لانتخاب لجنة إعلان دمشق في باريس يوم 7/9/2006، موضوع الحاجة إلى مؤسسات تعبر وتعمل من أجل المطلب الديمقراطي السوري، وهذه الحاجة التي تصطدم بموضوعة التمويل وإمكانيات المعارضة ماديا، نحن لم نعد في عمل سري يحتاج إلى طابعة صغيرة وبضعة مواعين من الورق الأبيض، وإنما نحن بحاجة لكي يدخل الفعل المعارض بثقافته الديمقراطية والحقوق إنسانية إلى كل بيت سوري وإلى كل محفل دولي !
نحن ندرك أكثر من غيرنا أننا في وضع تخلى فيه العالم عن دعم هذا المطلب لعدة أسباب أهمها على الإطلاق :
أولا ـ موقف المعارضة السورية من قضية التمويل الخارجي.
ثانيا ـ القراءة السياسية الخاطئة والتقليدية لعملية التغيير الديمقراطي المطلوب في سوريا، ما هي طبيعة القوى التي ستقوم بهذا التغيير، وبأي اتجاه وهل هو فعل يكتفي بالتأسيس الأيديولوجي
بما هو تأسيس قيمي مبني على موضوعة النزاهة ضمن ثنائية / الوطنية ــ العمالة / في التعامل مع قضايا كثيرة هذه النزاهة المؤسسة أيضا على قراءة أيديولوجية لفعل التغيير ومتطلباته العملية ! هذه الثنائية التي أدخلنا بها الاستبداد وثقافته العدائية والتي تريد أن تبقى قابضة على كل قناة يمكن أن تفتح للعلاقة بين قوى المعارضة السورية والعالم الخارجي !!
عندما تكون مثقفا تتمتع بمشروع قيمي على المستوى الفردي لا أحد يطالبك مطلقا بتلويث يديك في لملمة ميزان قوى من هنا وهناك ! وتبقى في هذه الحالة طاهر الذيل !! كما رد علي في زمن مضى الرفيق الشهيد مضر الجندي الذي توفي تحت التعذيب في فرع فلسطين للمخابرات العسكرية السورية 1987 نهاية أيلول من ذلك العام المشؤوم.
وأهم ما في هذه القضية هو أن تبعد هذه المعارضة الخلافات الشخصية المغلفة بأغلفة سياسية واهية لو تمت رؤيتها من خلال الحاجة الملحة لمتطلبات الفعل التغييري في سوريا. و ليس أدل على ذلك من اللوحة التي تجد فيها المعارضة السورية في باريس، والتي لا نجد لهذه الخلافات أهمية تذكر لو انطلقنا من الحاجة السورية للتغيير ! أسطوانات تتكرر في كل مناسبة وتتغير فيها التوضعات الشخصانية !! فقط دون أي جديد سياسي يخدم عملية التأسيس لفعل معارض على مستوى الحدث المطلوب من هذه المعارضة !!
لهذا علينا التفكير بنزع الغطاء الأيديولوجي بقداساته الكثيرة والمتكلسة، والنظر إلى عملية التغيير بوصفها متحللة من أي بعد رمزي ما خلا المطلب الديمقراطي المؤسس ضمن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتي تمثل روح هذا العصر. وهذا البعد الرمزي الذي لو تحللنا قليلا من رمزياته المتهالكة بفعل القمع المزمن والمقولات الحزبية الضيقة التي أكل عليها الدهر وشرب ! ونظرنا لمسألة التغيير بجانبها التقني وهو الأهم في رأيي في هذه المرحلة التي نحتاج فيها أكثر ما نحتاج لمشاريع مؤسسة على الجدوى والربحية السياسية ! وأعتقد بأن هذه المهمة ملقاة بحكم الواقع على عاتق معارضة الخارج ولجانها ومؤسساتها بالدرجة الأولى ودون تحميل المعارضة في الداخل أي مسؤولية عن كثير من الأمور وتركها تدبر أمورها كما ترى ذلك وفق وضعها السياسي والأمني !! هامش نسبي لحركية هذه المعارضة في الخارج بالقيام بمجمل نشاطات دائمة من أجل دعم الفعل المعارض داخل سوريا.
ما الذي يمكننا القيام به في هذه المرحلة الدقيقة من عمر سورية ؟
إن التركيز على فضح إرادة السلطة في كل القضايا التي تطرحها أمر مطلوب بشكل يومي وبإلحاح، استمرار الحوار بين كافة أطياف المعارضة دون شروط مسبقة، فتح دائم لقنوات التواصل مع المجتمع الدولي والترحيب بكل خطوة من شأنها تقوية موازين قوى الفعل المعارض ـ موقف الاتحاد الأوروبي من قضايا المعتقلين مثلا ! والذي يمكن له أن يتقدم ويتراجع وفقا للمصالح والرؤى السياسية وعلينا عدم التعامل بردود أفعال متسرعة وبخطاب ديمقراطي حقوقي واضح وذو استمرارية ينبذ العنف أيا كان مصدره وأهدافه السياسية ! فليس هم من يحتاجوننا بل نحن من نحتاج دعم هذه المؤسسات الحكومي منها وغير الحكومي. وهذه ليست تكتيكا مبنيا على حذلقة وشطارة بل مبني على التأسيس لثقافة تبادل المصالح مع العالم كله لأنها جزء من روحية هذا العصر. التركيز على أولوية الهم السوري في خطابنا للمجتمع الدولي. وعلى وجود نخب سياسية داخل المعارضة السورية تتمتع بحاسة سياسية متقدمة ضمن هذه الثقافة، وسأعطي مثالا : هل مهمة المعارضة السورية مهاجمة قوى 14من آذار في لبنان ونصرة حزب الله ؟ و ما هو الموقف الأكثر حساسية في هذا الأمر ؟ وهل مهاجمة قوى المعارضة لبعضها خارج إطار العملية النقدية السياسية على أرضية الحوار والتشارك تخدم هذه المعارضة ومطالبها أم تخدم هذه السلطة ؟
وهل مطلوب منا أن نتعامل مع إشكاليات الواقع السوري بمواقف مسبقة أم بتواصل حواري بناء وحقيقي وبلا مواقف محصنة في تكلسات الوجدان السياسي عبر عقود ؟ كالمسألة الكردية في سوريا والإشكالية الطائفية، وقضية الجولان وعملية السلام...الخ
يبقى سؤالا مركزيا كيف توفر هذه المعارضة الطريق لرسالتها كي تصل إلى كل بيت سوري ؟ وإلى كل المجتمع الدولي ؟

غسان المفلح