تعتبر السعودية من البلدان التي تقع في قلب الرهانات الجيو الاقتصادية خاصة في مجالات النفط. وبسبب ان النفط مادة اولية الاكثر تبادلا في العالم، فالبلدان التي يمكنها ان تؤثر على تنوع اسعاره تحتفظ بنفوذ هام في الاسواق العالمية. وفي الحقيقة ان السعودية هي الدولة الوحيدة المنتجة للنفط التي تمتلك تلك السلطة العجيبة في القدرة على التعديل في عروضه والتحرك ايضا في نفس الوقت للتاثير في توازن السوق النفط العالمي. وهي بالطبع لا يمكنها ان تخرج عما تمليه عليها الولايات المتحدة باللدرجة الاولى؟ والدول الغربية الاخرى.

ويقف الى جانب السعودية ويدعمها في مواقفها الدول الخليجية النفطية الاخرى، وتتعارض هذه المواقف على الدوام مع مواقف الدول النفطية المتشددة. وعلى راسها الجزائر والعراق وليبيا، ولذلك تشكل السعودية مع الدول الخليجية الاخرى، الضمانة ضد فوضى اسعار النفط ومايرافقها من تاثيرات على اقتصاد الدول الغربية، عندئذ يصبح الرهان، ليس فقط امن مضيق هرمز، بل الاستقرار السياسي في دول الخليج. وابعاد قوى المتطرفين عن ساحتها، ولو تطلب الامر التدخل العسكري المكشوف، تحت اي ذريعة. مثلما حصل لجماعة صدام حسين والا فان عدم الاستقرار في السعودية مثلا سيكون له انعكاسات خطيرة، ليس فقط على التزود بالطاقة في العالم بل ايضا على اقتصاد الدول الصناعية، وبالطبع هناك طاقات بديلة عن النفط، لكن لا يمكنها ان تصبح كذلك بين يوم واخر.

ولو نمر بموضوع العراق مرور الكرام فالعراق لايؤثر مثل السعودية على سوق النفط العالمي والدليل على ذلك سنوات العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليه سابقا قبل الاطاحة بنظام صدام حسين. كما انه لا يؤثر كثيرا في اسعار النفط، بل من يؤثر هم اصدقاء الولايات المتحدة الاميركية مثل المملكة العربية السعودية مثلا، والدول الخليجية الاخرى.

تبلغنسبة الصادرات السعودية للولايات المتحدة 10% من واردات الولايات المتحدة من النفط.

بيد ان النفط السعودي، يؤدي خدمة كبيرة كركيزة لقدرة الشركات النفطية الكبرى الاميركية،quot; مثل ارامكو quot;، حتى ولو كانت هذه الشركة مؤممة اذ يحتفظ الاميركيون بنفوذ كبير على هذه المنظمة التي تلعب دورا هاما كمنظم للسوق العالمي في مجال النفط. وهذا الامر يتجاوب مع الاهداف الرئيسة لدبلوماسية النفط الاميركية. وتعي دول الخليج الحاجة الغربية للنفط فعمدت الى الاستفادة من النهم الغربي والاميركي لشراء النفط لحماية مصالحها عن طريق اتفاقيات امنية كما يحصل في معظم دول العلم. وهذا من حقها سياسيا وامنيا.

واذا عدنا الى الوراء ونظرنا للعقيدة الاستراتيجية الاميركية الجديدة في الخليج والتي اعلنت ولادتها في عهد الرئيس الامريكي كارتر لرأينا الاهمية الاستراتيجية للسعودية في منطقة الخليج الفارسي و قدعرض في حينها العقيدة الاستراتيجية الاميركية في الخليج بهذه العبارات quot; كل محاولة من قبل قوة خارجية تهدف لكسب السيطرة على منطقة الخليج الفارسي ستعتبر مسا بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة. وسيصد هذا المساس باستخدام جميع الوسائل الضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية.


ويعتبر امن تدفق النفط من اهم المصالح الحيوية وتعنى هنا quot; المصالح النفطيةquot; فالولايات المتحدة الاميركية تستهلك وحدها 25% من الطاقة العالمية، وتعطي لنفسها الحق، بان لا تسمح لاحد، ان يعرض امداداتها بالنفط للخطر، والاكثر من ذلك، ان لا تتعرض اسعار النفط لارتفاع يؤدي الى ما يزعج الاقتصاد الاميركي، واكثر ما كان يربك العربية السعودية والولايات المتحدة بدرجة اساس هو ان يكون للعراق وسائل يساعده في تسريع برامجه العسكرية خصوصا quot; تطوير قدراته غير التقليدية quot; مما سينتج عن تهديد وخطر على اصدقاء الولايات المتحدة، مما يشجع التطرف الديني، وزيادة العداوة للمصالح الاميركية.

وخارج كلام كارتر حول اسباب عدم الاستقرار في الخليج كان للاخرين ايضا اقتراحات اخرى حول استقرار السعودية ودول الخليج والاستقرار هنا يعني بالنسبة لواشنطن تامين مصالحها الحيوية.البروفيسور quot;روبرت توكر اقترح في منتصف السبعينيات تدخل قوات اميركية في المنطقة التي تمتد من الكويت الى قطر على طول كامل الشاطئ السعودي. وفي نفس الفترة اعتبر quot; مايلس اغنوتيوس quot; وهو اسم مستعار quot;لأدوارد لوتواك quot;وهو اختصاصي في شؤون الدفاع وكان مقربا من ادارة الرئيس نيكسون اعتبر quot; ان الرد الانتقامي الوحيد، القابل للثقة، على التهديدات التي تصدر من منظمة الدول المصدرة للنفط، هو انتشار قوات اميركية في الخليج.

ان الكاتب الاميركي قدم عددا لا باس به من الخطط اللوجستية في سبيل دعم السيناريو الذي قدمه جيمس نويس والذي اضاف تبريرا اخلاقيا الى سيناريو تدخل اميركي عندما وضح :( ان عائدات النفط اصبحت تستخدم من اجل تمويل الطائرات الخصوصية النفاثة لنقل شيوخ النفط بدلا من الجمال وكذلك قاذفات القنابل للدكتاتوريين لقتل شعوبهم ). وهذا ما يوضح النفاق والمداجنة لامثال هؤلاء. وكأن الولايات المتحدة الاميركية لا تستخدم طائراتها واسلحتها الا لخير البشرية.


من جميع هذه الرهانات والمخططات المذكورة، يمكن للمرء استخلاص درس استراتيجي، والذي يجب اخذه بالحسبان في المستقبل. انه اصعب بكثير على قوة عظمى ان تضمن مرور النفط في الخليج، او السيطرة على ابار النفط، من ان تمنع المرور على قوة مناوئة. لهذا اتبع الاميركيون في عدوانهم على العراق، الحل الحاسم، لضمان تدفق النفط للعالم من السعودية ودول الخليج والقيام بالمناورات العسكرية المشتركة، كل ذلك يعني، ان تلك القوات جاهزة، للرد على كل من تسول له نفسه تهديد مصالح العالم والولايات المتحدة.

راوند رسول

[email protected]