لم يتوقع العراقيون يوما أنهم سيتخلصون من حكم الطاغية وساديته المقيتة، فكانوا مقتنعين بأي بديل يخلصهم من الحزب الواحد والقائد ا لأوحد، كما أنهم لم يتوقعوا أن يكون البديل أسوأ منه وأكثر خطورة على حياتهم فراحوا يرفلون بالحرية التي حرموا منها عقودا من الزمن، لكنّ جلّ العراقيين هم من الاميين وقصيري النظر فما دخل تفكيرهم يوما أن يعيش العراقيون أيامهم الدامية الحالية أو تهجيرهم القسري فغالبية المجتمع العراقي ــ وهي حقيقة يجب الاعتراف بها ــ أدمن ارتداء الاقنعة السميكة التي تخفي الملامح الحقيقية تحت ماكياج صارخ يحوّلهم الى مهرجين وبهلوانات في سيرك الحياة نقتطع منهم النخبة المثقفة الواعية من المثقفين وأصحاب الرأي السديد التي لا حول لها ولا قوة، فالعراق خرج من مطبّ لكنه دخل آخر أكثر وعورة وإيلاما واستماتة حتى انتشرت فوبيا مواجهة الحقيقة وإد مان خداع الذات شبيهة مرايا الملاهي التي لاتعكس لك الحقيقة المخجلة والتجاعيد القبيحة والعورات السيئة فهم نصبوا أنفسهم رقباء على ضمائرنا ومفتشين عن نوايانا ورجال أمن تصرفاتنا الى أن تساقطت رؤوس عزة العراقيين على مقصلة الشرف الرفيع.


فأمريكا أخفقت تماما باقتناء المسؤولين العراقيين حيث أكدت على الموالين لها دون التقيّد بمعيار الوطنية التي ينشدها الشعب العراقي فاختارت من اختارته من سجل مخابراتها الحافل بأسماء عراقية لامعة على صعيد الاتياع وتركت من تركته يتخبط بحاكمين جهلة لم يخوضوا عالم السياسة بعد فبأعتراف رئيس البرلمان مرة حين قال :ــ ( اننا كنا عاجزين عن إدارة مستوصف فكيف بنا ونحن ندير دولة ) والرجل لم يبتعد عن الحقيقة وقالها رغم المرارة التي تطفو على سطحها، وهنا أصبحت أمريكا في موقف متراجع مخجل واختيار الهزيمة أضحى أمرا ذا جدية وموقفا لابدّ منه ولكي تتخلص من هذا المستنقع الوحل راحت تجري تجاربها على شعب أثقلته تجارب الحاكمين المريرة وأوجعته ظروف المحن فوظفت من هم ينصبون حبال الدين ليصطادوا الدنيا فمن تأسّد على العراقيين لاعلاقة له بالوطن بعيد من التضحية من أجله لآنهم ظلاميون مغفلون مستوردون أنتجهم مبدأ استبدادي وقام بتصديره لمجتمعنا والعبث يمقدراته فهم ــ بما يعتقدونه ــ يملكون وحدهم مفاتيح الجنة ولا يمكن التفريط بتلك المفاتيح الا من حَصَدَ أرواحا عراقية بريئة فكانت هدية أمريكا للشعب العراقي هي ذلك الكم الهائل من الحاكمين الملتحين أصحاب الخواتم الفضية والذين أساءوا للدين الحنيف ومبادئه الا نسانية النبيلة والذين كنزوا من أموال اليتامى والمساكين ما يكفيهم لأجيال عديدة قادمة وعندها لاتحصد أمريكا غير الفشل الكبير، ومشروع التقارب بين العراق وأمريكا مشروع ولد ميتا في مهده ولا يمكن الاتكال عليه في هذا الظرف الخطير كما لايستطيع العراقي أن يكون حقلا لتجارب لافائدة تذكر منها وقد أجريت عليه تجارب عديدة كلها بائت بالفشل.

علوان الهليل