ما الذي يجمع الكرد والعرب واسرائيل على خط واحد؟ وما الذي يجمع العرب واسرائيل معا؟ وماهي طبيعة العلاقة المحتملة بين الكرد واسرائيل؟ بعيدا عن الحملات الاعلامية والاعيب السياسة، يمكن ان نلقي نظرة واقعية خاطفة على العلاقات المحتملة او الواقعية المتبادلة بين مثلث (الكرد، العرب، اسرائيل). فالاعلام العربي يقفز فوق بحر من الحرمان والآلآم والمعاناة الكردية ويغض الطرف عن جميع الحقوق الواجبة التحقيق للشعب الكردي، ويصطنع سؤال لا واقعي ولا يلتقي مع المنطق في شيء، يسعى عبر اثارته الى احراج ابناء امة عظيمة كريمة لم تعادي العرب في يوم من الايام، بل عانى من ظلم الطغاة من الحكام العرب. سؤال يريد النيل من كبرياء الكرد ويسعى لخدش الضمير المعذب لهذا الشعب بالسؤال المصطنع حول (العلاقات الكردية- الاسرائيلية) المزعومة.

مع تقديري العالي للشعب العربي العظيم والجار لشعبي، الا أن تعامل الاعلام العربي مع القضية الكردية ينم عن العدائية واتباع التهميش بحق الشعب الكردي. واثارة الاسئلة غير المنطقية وغير المعقولة على شاكلة العلاقات الكردية- الاسرائيلية، ماهو الا ايغال في الغباوة والتعتيم.

الاعلام العربي حين يتطرق (أثما وعدوانا) للعلاقات الكردية الاسرائيلية يريد تأليب الرأي العام العربي ضد الكرد وقضيتهم العادلة. ويبدو أن الشارع العربي يتعاطى مع الخطاب الاعلامي بجهل وبرود، الى جانب كون الذاكرة العربية التي تبدو (مثلما وصفها شاكر النابلسي) مثقوبة. فنرى ظهور حالات من ردود الفعل العربي ضد الشعب الكردي تصل حد الشك والطعن في وجوده. فلو كان الشارع العربي شارعا حقيقيا يتعامل مع معطيات الواقع من منطلق المعرفة والدراية والادراك، لما ابدى اي سخط أو امتعاض ازاء علاقة محتملة بين الكرد واسرائيل في وقت تقيم اغلب الدول العربية علاقات علنية او سرية مع اسرائيل، بل هنالك سفارات اسرائيلية في دول عربية ذات شأن كبير في العالم العربي.

اذن يا ترى ما الحرج في علاقة محتملة (او مفترضة) بين الكرد واسرائيل في حالة وجود علاقات عربية اسرائيلية فعلية وعلنية، وحتى لو لم يكن للعرب اية علاقات مع اسرائيل (وهذا ما يفنده الواقع ألف مرة)، فنحن لسنا بعرب ولا وجود لميثاق عهد يجمعنا واياهم يفرض تلازم عقد العلاقات المتبادلة مع الغير. واذا كان الاعلام العربي يتخذ الدين كحجة لتعاطفنا مع العرب، فلم لا يتعاطفون هم مع قضيتنا العادلة استنادا الى حجة الدين المشترك؟ ام أن الاعلام العربي يرى في الدين عاملاً لابتزاز بقية الشعوب الاسلامية ويعتبر العرب (مثلما اكدت ذلك طروحات ايديولوجية القومية العربية) حاملي الرسالة وعلى بقية الشعوب ان تكون في خدمتهم وتحت امرتهم؟!

طيب في هكذا حالات، لماذا لا يعاتب الاعلام العربي دولة اسلامية وجارة للعرب كتركيا التي حملت لواء الخلافة الاسلامية لخمسة قرون خلت وتقيم الآن علاقات طبيعية مع اسرائيل. بل هنالك معاهدات عسكرية وستراتيجية بين الجانبين؟ لكن من الوجهة المنطقية، اليس الاتراك احرارا في علاقاتهم؟ ولهم كل الحق ان يضمنوا مصالحهم. ويبدو ان الاعلام العربي يكيل بمكيالين ويتعامل بحدة وقسوة اكثر مع المسلمين الكرد باعتبارهم الحلقة الاضعف في تشكيلة الأمم الاسلامية. فهل هذا منطق سليم؟

انني اشك من الاعماق بمصداقية الانظمة العربية واخلاصها للقضية الفلسطينية. انظروا الى المأزق الذي تعيشه السلطة الفلسطينية الحالية في ظل الازمة المالية الخانقة. عشرون دولة عربية من بينها قرابة عشرة دول بترولية، لم تبادر بدعم السلطة الفلسطينية لانقاذها من محنتها، فنجدها تلجأ الى الاتحاد الاوربي. اذا كان العرب فعلا صادقين مع قضيتهم ومع الشعب الفلسطيني ومحنته، فلم لا يسعون لحل القضية وانهاء المحنة التي انهكت هذا الشعب؟

الاعلام العربي من حقه ان ينتقد الكرد في حال وقوفهم ضد أماني ومصالح العرب، واتحدى هذا الاعلام أن يأتي بمثل واحد يثبت فيه معاداة الكرد للعرب. لذا بات النقد او في الحقيقة التهجم الذي يمارسه الاعلام العربي على الكرد، عملاً عدوانياً وينطلق من نيات ومقاصد سيئة. ان الكرد بأعتبارهم شعب يعاني التجزئة والاحتلال هم في موقع اضعف من ان يستطيعوا ايذاء جيرانهم. بل اننا كشعب ندفع غاليا ضريبة جيرتنا للشعوب المجاورة لنا. حكومات هذه الشعوب تتقاسم احتلال ارض كردستان وتصادر كامل حقوق الشعب الكردي في جميع اجزاء وطنه المستعمر.

والى جانب الصحافة والاعلام، نجد اطرافا وجهات سياسية عربية وشخصيات من العرب العراقيين يعتبرون انفسهم اوصياء على الشعب الكردي ويقررون لنا طبيعة علاقاتنا مع اسرائيل وغير اسرائيل. الخطاب الكردي فيما يتعلق بالعراق وخارجه، واضح وفي منتهى الشفافية. لا تحالفات للكرد ضد مصالح السنة أو الشيعة او العرب عموماً. فهل يبدي العرب نفس الاستعداد في مراعاة مصالح الكرد وعدم معاداة امانيهم وحقوقهم؟

اذا كانت العلاقات مع اسرائيل تهمة بحد ذاتها، فعلى القوى العربية والاعلام العربي ان يحاسب الاشقاء وينتقدهم في مصر والمغرب وقطر وغيرها من الدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية مع اسرائيل وعلى مستوى السفارات، قبل ان يفكروا في محاسبة الكرد وباقي الشعوب الاسلامية. في هذه العام رئيس المخابرات الفلسطينية طارق ابو رجب اصيب بجروح يوم 2 اياراثر عمل ارهابي، تم نقله الى مستشفى في اسرائيل للعلاج (يا لها من ثقة عميقة بين الفلسطينيين واسرائيل). لذا بات الدخول في مزايدات اعلامية على شاكلة العلاقات الكردية الاسرائيلية بقصد محاصرة الشعب الكردي اكثر فأكثر والايغال في ايذائه واضطهاده ومنعه من نيل حقوقه، عمل عدواني يستهدف الكرد في الصميم وينسف العلاقات الاخوية والودية بين الشعبين الكردي والعربي، هذه العلاقات التي لم تنسفها حملات الانفال سيئة الصيت وضربات السلاح الكيمياوي..

طارق كاريزي