بشرنا الكثير من الناشطين الحقوقيين أنهم ضد عقوبة الإعدام، وبشرنا أنفسنا حتى اللحظات الأخيرة أن إرادة السلطة العراقية ستخرج من جلد صدام حسين ومن مفاهيمه الدموية عن الإنسان.
وستخرج من شبكية الملفوظات الداعية للثأر ـ أصوات الرصاص التي اندلعت في بعض مناطق العراق ابتهاجا ـ وستؤسس عبر عدم تنفيذ حكم الإعدام لمرحلة من التسامح الخلاق الذي من شأنه أن يضع بدوره لبنة من لبنات ثقافة متنورة وإنسانية. ولكن الحدث وثقافة التشفي من أي منظور كان هي السائدة الآن في العراق. كنت قد كتبت منذ بداية محاكمة صدام حسين عليهم أن يتركوه سجينا ويكلفوه بعمل خدمات عامة للعراق ولو من باب رمزي وكل يوم ربع ساعة فقط بحكم سنه. وكل هذا لم يعد مهما الآن فالرجل أعدم ولعلع صوت الرصاص في ضواحي بغداد وبعد المدن العراقية كما عم الحزن بعضا من المدن القليلة التي يسكنها غالبية كانت ملتفة حول صدام.
وفي الحالتين هي ثقافة صدام : سواء من أطلق الرصاص أومن حزن على صدام. والسؤال الأهم بالنسبة لي هو الذي يتحرى عن الموقف الأمريكي من هذا الأمر والبريطاني الذي عارض تنفيذ عقوبة الإعدام. أمريكا كانت يجب أن تمارس ضغطها من أجل عدم تنفيذ الحكم ولكنها تركت الحكومة العراقية تنفذ الحكم! فما الذي أرادته أمريكا من هذا هل هو توجيه رسالة قوية للإرهاب في العراق؟ أم أن الأمر لا يعدو فقط كونه تلبية لرغبة عند غالبية الشعب العراقي المقهور منذ زمن صدام والذي لازال يأن تحت ثقافة القهر نفسها لأن وهذا ما نأسف له: الطبقة السياسية العراقية الآن كلها لازالت في نفس الحيز الثقافي والقيمي لثقافة صدام نفسها. وأنهم أعادونا لنفس المربع بأن جعلوه شهيدا في نظر بعض البشر. وهذا بالتأكيد لا يمكن لأمريكي أن يدرك مامعنى هذا القول لكن العراقيين عربا وأكرادا يدركون ذلك. وكنت أتمنى على مام جلال الرئيس العراقي أن يتدخل من أجل ألا ينفذ الحكم. ويقدم خطاب من ثقافة مختلفة للشعب العراقي لماذا لا ينفذ هذا الحكم! فصدام لم يعد رئيسا للعراق بل هو مجرد سجين. ومجرد إعدامه فأنت تضيف له بعدا رمزيا ذو شقين متناقضين في حالتنا العربية والشرق أوسطية :
هنالك فرح وهنالك من حزن واعتبره شهيدا، هذا من جهة الجماهير الغفيرة، أما من جهة رمزية الإعدام السياسية فهي أيضا ذو بعدان متناقضان:
الأول : رسالة لبعض القوى التي تريد استمرار الدم في العراق من جهة وتأكيدا أمريكيا على المضي في المعركة حتى النهاية ويدخل من هذا الباب احتياجات الإدارة الجمهورية انتخابيا في أمريكا.
الثاني : هي بالتأكيد رسالة لكل نظم المنطقة ورسالة قوية وقوية جدا. وتأكيدا على أن المعركة لم تنتهي بل لقد بدأت الآن في رأيي.
ونرجو في ذلك ألا يكون الأمريكان قد ارتكبوا خطأ ثانيا!
وصدام يجب أن يكون عبرة لكل طاغية ولكن ليس بالإعدام. فأنا كمعارض سوري ومعتقل سابق لأكثر من إثني عشر عاما وضد عقوبة الإعدام أرى أنه يجب التخلص من هذه الثقافة المبنية على الانتقام و الدم نهائيا وإلى الأبد.
غسان المفلح
التعليقات