قبل أيام قليلة تعرضت الى حادث سيارة، إذ كنت جالسا بجانب صديقي الذي كان يقود سيارته وإذا بسيارة أخرى تضربنا من الخلف. نزلنا صديقي وأنا من السيارة ونزل الشخص الذي ضربنا ووجدنا أن سيارته تعرضت للضرب من الخلف أيضا من قبل سيارة أخرى.

الهم الأول للجميع كان التأكد من سلامة المتواجدين بالسيارات الثلاث. جاءنا صاحب السيارة التي خلفنا وقال أنه طبيب وبامكانه مساعدتنا في حال وجود ما يستدعي. قال له صديقي: أنا طبيب أيضا. ذهب الاثنان الى صاحب السيارة الثالثة وعرضا عليه نفس العرض، أي مساعدته طبيا. بعد ذلك تبادل الأشخاص الثلاث أسماءهم وأرقام هواتفهم بأوراق صغيرة. ذهبنا أنا وصديقي الى مركز الشرطة وشرحنا الحادث الى موظفة تعمل هناك وانتهى الأمر. ردة الفعل هذه لم تفاجئني، إذ سبق لي أن شاهدت مثلها خلال سنوات اقامتي في استراليا، لكنني أسوقها لكم كي نجري مقارنة بسيطة عما كان سيحصل لو أن هذا الحادث حصل في بلداننا العربية والاسلامية.

من المؤكد أن الصورة ستكون مغايرة تماما، إذ أن معركة كبيرة ستنشب بين صاحب السيارة الأولى والثانية ومعركة أخرى ستنشب بين صاحب السيارة الثالثة والثانية وربما ستمتد المعركة الى عوائلهم وعشائرهم ولا تنفض الا بخسائر أخرى قد تصل الى القتل.

لا أريد أن أشبه ردة فعلنا هذه بردة الفعل التي حصلت بعد نشر صحيفة دنماركية الرسوم الكاريكاتيرية التي قيل أنها أساءت لرسولنا العظيم فأمر الحادثة التي حدثتكم عنها يعد أمرا صغيرا مقارنة بالرسوم الكاريكاتيرية، لكنني سأتحدث عن المحصلة النهائية وأجري مقارنة بسيطة بين الحالتين.

في الحادثة التي تعرضت لها وأدت الى أضرار في سيارة صديقي الذي لم يتشاجر ولم يشتم أحدا، بل نزل من السيارة مبتسما وعرض المساعدة الطبية على صاحب السيارة الأخرى الذي كان مبتسما أيضا تم حل الموضوع كالتالي: ذهبنا الى مركز الشرطة وسجلنا الحادث الذي حصل وتم تزويد صاحبي بتقرير حول الحادث. هذا التقرير سيتم بموجبه تصليح سيارته على حساب صاحب السيارة التي تسببت بالحادث وهكذا الأمر بالنسبة للسيارتين الأخرتين. انتهى الأمر. القانون أخذ مجراه.

قضية الرسوم الكاريكاتيرية التي أثيرت بعد أربعة شهور من نشرها أثارت ضجة في دولنا العربية والاسلامية. من حقنا أن نثار، إذ أن رسولنا العظيم قد تعرض للاهانة. خرج العرب والمسلمون متظاهرين ومنددين. من حقهم فرسولهم قد تمت اهانته. قرروا مقاطعة المنتجات الدنماركية. من حقهم ذلك أيضا مع ان الأمر ليست له علاقة بالمنتجات الدنماركية فالصيحفة التي نشرت الرسوم لا تصنع الجبن ولا القيمر ولا اللبن، إذ انها صحيفة تنشر أخبارا ومقالات ورسوم كاريكاتيرية أيضا. بعد ذلك تطور الأمر مثلما تتطور حوادث السيارات في بلداننا حينما تنتقل المعركة من الشارع الذي حصلت فيه الحادثة الى العوائل والعشائر. وصل الأمر لحرق السفارات والتهديد بقتل الدنماركيين أينما كانوا. هكذا يحدث في حوادث السيارات التي تتطور فيها المعركة ليصل أمرها الى قتل ابن عم سائق السيارة التي تسبب بالحادث مع أن هذا الشخص لم يقد سيارة طوال حياته.

لم يكتفوا بعد، لذا قرروا احراق الكنائس في بعض الدول العربية والاسلامية مع أن مسيحي هذه البلدان قد نندوا مثلهم بالرسوم.

طلبوا اعتذارا من رئيس وزراء الدنمارك على الفعلة الشنيعة التي ارتكبها الرسام. قال لهم الرجل أنه يحترم جميع الأديان وجميع الأنبياء، لكنه وحكومته لم يقترفوا ذنبا وأنه لا يمتلك صلاحيات يعاقب من خلالها الرسام. لم يفهم أهلنا بالأمة العربية والاسلامية هذه الجملة. كيف لا يمتلك رئيس الوزراء صلاحيات يعاقب من خلالها الرسام.. أ ليس هو رئيس الوزراء!! هكذا أفهمونا رؤوساء الوزراء والجمهوريات في بلداننا: أنهم يمتلكون كل شيء في بلداننا ومن حقهم أن يفعلوا بنا ما يشتهون. لقد وصل الأمر في بلد مثل العراق أن يعدم الحاكم شخصا لأنه يبيع الزلابية والبقلاوة. التهمة كانت التخريب الاقتصادي في زمن الحرب مع العلم أن العراق عاش في حرب مستمرة طوال حكم هذا الرئيس. نعم، من الصعب على أهلنا فهم هذه الحقيقة وهي أن رئيس وزراء الدنمارك لا يمكنه معاقبة الرسام الكاريكاتوري لأنه عبر عن رأيه في صحيفة وهو أي الرسام مسؤولا عن رأيه فقط وليس للدولة الدنماركية أي حق دستوري أو قانوني يمنعه التعبير عن رأيه.

أسوق لكم هذه الحكاية أيضا: خلال زيارة الرئيس الأمريكي بوش الى استراليا تظاهر الآلاف من الاستراليين ضد هذه الزيارة. بعضهم رفع صورة جون هاورد رئيس وزراء استراليا على شكل كلب يجره بوش. لم يفعل هاورد شيئا لهؤلاء المتظاهرين فالذي فعلوه يعد تعبيرا عن رأيهم برئيس وزراء حكومتهم، إذ أنهم يعتقدون أن هاورد عبارة عن كلب يجره الرئيس الأمريكي حيث يشاء.

مالذي جنيناه من تطرفنا في ردة الفعل حول الرسوم الكاريكاتيرية؟ هذا هو السؤال الذي يدور الآن في أذهان غير الاسلاميين، لاسيما في الدنمارك وغيرها من الدول الأوروبية. الاجابة ببساطة هي أننا شوهنا الدين الاسلامي أكثر مما هو مشوه عندهم نتيجة للمارسات الاجرامية التي يرتكبها المتطرفون والتكفيريون باسم الاسلام من خطف وذبح وتفجيرات هنا وهناك، تلك الممارسات التي لم يخرج أبناء الأمة العربية والاسلامية للتنديد بها. لا نريد أن نتحدث عن جرائمهم في الغرب، لكن نريد أن نتحدث عن جرائمهم بالشرق وبالتحديد في دولة اسلامية مثل العراق. لم نر هذه الأمة تخرج للتنديد بهذه الممارسات الاجرامية حيث كل يوم تقريبا تسيل دماء المسلمين العراقيين الأبرياء وبغزارة. يبدو أن الدماء هناك بالعراق تستحق ذلك فبعضهم يضع أهل العراق والشيعة بالذات في الخانة نفسها التي يضعون فيها أهل الغرب، أي خانة الكفار!!.

المحصلة النهائية من هذه الجولة هي أننا خسرنا جولة جديدة كان من الممكن فيها أن نثبت أن الدين الاسلامي دين تسامح وسلام. أنا أيضا خسرت جولة مع صديقي الاسترالي الذي كنت أحاول خلال السنوات الثلاث الماضية أن أثبت له أن ديننا دين تسامح وسلام وأن الأعمال الاجرامية التي يقترفها الارهابيون تحصل باسم الدين الاسلامي، والدين الاسلامي براء منها، لكنه فاجأني بالسؤال التالي ( كنا حينها نتابع نشرة اخبارية ظهر فيها الآلاف من المتظاهرين الذين يقومون باحراق سفارة دنماركية في بلد عربي ):


أما الذي جناه صاحبي الذي تعرضت سيارته لبعض الأضرار من جراء الحادث الذي تعرضنا له فهو أنه قام بتصليح سيارته وحصل على علاقة صداقة جديدة مع صاحبي السيارتين الأخرتين وهو يشعر بالسعادة الآن لأنه تعرف على زميل مهنة في استراليا.

طارق الحارس

[email protected]