عظيمة يا مصر

قرأت مؤخرا بحثا ثريا ومتناسقا حول الأنساق الجديدة للعلاقات الدولية المعاصرة، والذي لفت نظري في طيات هذا العمل الأكاديمي هو فعل التجاوز الايستمولوجي الذي أحدثته الدراسة لما هو ثابت تقليدي في العلوم الإنسانية وقدرتها على القطيعة الايجابية مع النمطية السائدة التي أضحت تكتسي طابعا تقريريا وإجتراريا في مجال البحث العلمي.

ولعل احد أهم العوامل التي أدهشتني هو قدرة الباحث على السير جنبا إلى جنب مع آخر مستحدثات العصر التكنولوجية ومحاولة توظيفها في علم العلاقات الدولية بالإضافة إلى استشراف مستقبل العلاقات القائمة بين الأقطاب الرئيسية في عالم اليوم. فضلا عن دراسة العوامل الرئيسية القادرة على إحداث إعادة تشكيل لخارطة القوة المؤثرة في صيرورة العلاقات الدولية ـ، خاصة أمام تراجع الدور الايدولوجي في صياغة وتشبيك العلاقات القائمة وبروز عواملا جديدة تتحكم في اللعبة القائمة على المستوى الدولي والإقليمي.

خرج أبطال منتخب الفراعنة بلفتة حضارية جميلة، حيث وصل الفريق الى استاد القاهرة مرتديا فنيلة بيضاء مكتوب عليها quot; نحن فداك يا رسول اللهquot;، و يالها من عبارة تختصر عظمة هذا الشعب وهذه الأمة الإسلامية بتعاليمها السمحاء و اعتدالها و وسطيتها.


وأضحى من دروب علم العلاقات الدولية ما يعرف بـ quot;دبلوماسية البينج بونجquot; التي هيئت الأجواء لعودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين، والذي تطور او توسع فيما بعد ليعرف بالدبلوماسية الرياضية quot; كما يحلو للبعض تسميته quot;، في إشارة الى استغلال ذات المفهوم والدور في غير مكان وحالة، وضرورة عدم ربطه بالحالة الأمريكية الصينية او بلعبة البينج بونج فحسب.

اليوم وقد أصبح من نافلة القول التأكيد على دور الرياضة في التقريب بين الشعوب وبين الحكومات أيضا (وكلنا يتذكر دور المباراة الحاسم بين المنتخب الإيراني و الأمريكي في مونديال كاس العالم 1998) وما خلقه من حالة غزل سياسي بين واشنطن وطهران وأدى الى تعبيد الهوة الفاصلة بين القيادة الإصلاحية في طهران والإدارة الأمريكية التي كانت تسعى إلى خلق تواجد اقوي بمنطقة الشرق الأوسط ( أبان فترة حكم الرئيس السابق بيل كلينتون ).

ويمكن قياس ذلك على عدد من الحالات عبر العالم التى ساهمت فيها الرياضة بشكل ما على تبني خيارات او التمهيد لها بشكل هادئ وعلى نحو ودي، وهنا لا أستعيد رزنامة تلك الدراسات سوا لإحساسي العميق بما شكلته دورة quot; كأس الأمم الإفريقيةquot; التي استضافتها جمهورية مصر، من إضافة حقيقية محسوبة ومحسوسة في هذا الاتجاه.

وبصرف النظر عن مستوى المنتخبات الإفريقية في هذه البطولة، فإن التنظيم الدقيق والتصوير والنقل الرائع الذي تميزت به القاهرة عن مثيلاتها الإفريقيات حتما سيضعها في موقع متقدم وستظل تلك الصورة راسخة في وجدان العالم، كنموذجا جميلا لهذه القارة التى ارتبط ndash;في الغالب - اسمها وتاريخها بالتخلف والفقر و التعثر في توفير الإمكانات المادية والبشرية لمثل هذه المناسبات والتظاهرات الكبرى التي تحتاج إلى كفاءات كبرى وقدرات عالية في التنظيم والإدارة وتحكم في التقنيات الدقيقة.

كما أن التسامح الكبير الذي يتمتع به الإنسان المصري وروح النكتة وخفة الظل التي يتميز بها عن غيره بشكل لافت حتما ستساهم في إعادة تشكيل خارطة الإدراك النمطي لدي الآخر في نظرته للعرب والمسلمين، وليس أدل من ذلك ما اقدم عليه أعضاء المنتخب المصري المتوج بالبطولة، ففي الوقت الذي تغلي فيه الساحة العربية والإسلامية وكذلك الغربية على خلفية الرسوم المسيئة للرسول الكريم (ص) والمنشورة في بعض الصحف الأوروبية، وتحرق فيه السفارات والقنصليات التابعة للدول التى نشرت صحفها تلك الإساءات، خرج أبطال منتخب الفراعنة بلفتة حضارية جميلة، حيث وصل الفريق الى استاد القاهرة مرتديا فنيلة بيضاء مكتوب عليها quot; نحن فداك يا رسول اللهquot;، و يالها من عبارة تختصر عظمة هذا الشعب وهذه الأمة الإسلامية بتعاليمها السمحاء و اعتدالها و وسطيتها، وبعد كل ذلك وقبله إيمانها القوي واليقيني و استعدادها التام للتضحية والفداء في سبيل رسول الله (ص)، و كل مقدسات الدين الإسلامي وهو ما لم يفهمه الغرب إلا عبر هذه الوسائل الحضارية.

فكم انت عظيمة يا مصر.

محمود أبو بكر