إن الشعوب التي تحقق النجاحات قد تتعرض أيضا لانتكاسات في مرحلة من المراحل وعليها أن تستفيد منها لتفادي حدوثها مرة أخرى كما أن عليها أن تعمل على المحافظة على النجاحات إذا هي حققتها، بتقديم المزيد من التضحيات وبذل المزيد من الجهود من اجل الإبقاء على ثمارها، والانتكاسات لا تحدث عادة بصورة تلقائية ما لم تكن وراءها أسباب كثيرة ليس الآن مجال حصرها، إلا انه من الضروري دراسة هذه الأسباب وتحليلها وتشخيصها وتوظيفها للعمل المستقبلي حتى لا تتكرر تلك الأخطاء مرة أخرى، ويستطيع الشعب أي شعب مهما كانت إمكاناته متواضعة من الاستمرار في السير نحو تحقيق الأماني في الغد المشرق والحياة الحرة الكريمة، وما حدث للتركمان في الانتخابات الأخيرة قد يعتبرها البعض نكبة فيما يمكن اعتبارها صحوة تحدد المسئوليات وتشخص الأخطاء وتضع الآليات للعمل المستقبلي، والتركمان وحتى وقت قريب كانوا يُعتبرون القومية الثالثة في العراق وكان الآخرون ينظرون إليهم من هذا المنظار ويخافون من وزنهم وقدرهم ودرجة تأثيرهم إلا أن النتائج المحبطة التي أعلنت مؤخرا كشفت بعض الحقائق وفتحت العيون الغير صديقة على بعض العيوب والنواقص حتى تجرأ البعض وقال أن التركمان أقلية قليلة لا يتعدون البضعة آلاف وان أسطورة الثلاثة ملايين لم تكن في الحقيقة أكثر من ثلاثين ألف،على أن هؤلاء يعلمون بان الصوت التركماني لم يكن موحدا وقد توزع هذا الصوت مع القوائم الأخرى فيما ارتكبت الجبهة خطأها التاريخي بالدخول في قائمة مستقلة دون اخذ نتائج الانتخابات السابقة في الاعتبار على عكس الإسلاميين التركمان وعلى رأسهم الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق الذين استفادوا أيما استفادة من تقييم الأوضاع وظهرت براعة قادة الاتحاد في الاستفادة الفعلية من نبض الشارع ومن نتائج الانتخابات السابقة حيث إن دخولهم في تحالف سياسي مع الجانب الأقوى ضمن لهم عددا من المقاعد في البرلمان ولو كانت القوى التركمانية الأخرى وعلى رأسها الجبهة استمعت إلى صوت الواقع وانضمت الى الإسلاميين واقصد بهم الشيعة لكان يمكن الحصول على مزيد من المقاعد ومن الائتلاف الموحد مباشرة وضمان تلك المقاعد قبل الانتخابات، كما كان يمكن أن تكون ورقة التركمان قادرة أكثر على الضغط للحصول على وزارتين ومنصب سيادي وليس وزارة واحدة ومنصب سيادي يتحفظ عليه بعض القوى الفاعلة فيما لو كانت القائمة واحدة ومتحالفة مع اكبر قوة سياسية موجودة على ارض الواقع. وعلى أي حال فان ظهور النتائج بهذا الشكل لا يعني آخر الدنيا، والدنيا كما يقولون ما زالت بخير والتركمان موجودون في البرلمان القادم على أية حال، ويتطلع الجميع الى الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق ليكون صوت التركمان الهادر في جميع المحافل والعمل على تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم في الحياة الحرة الكريمة واثبات حقيقة أن مقعد واحد ليس هو حجم التركمان كشعب والجهة التي حصلت على هذا المقعد ليست كل التركمان مع بالغ الاحترام لجميع الكيانات السياسية التركمانية الموجودة على الساحة، والباب ما زال مفتوحا أمام الكيانات الأخرى للتنسيق مع إخوتهم التركمان الشيعة في الائتلاف العراقي الموحد والذي سيكون الائتلاف الحاكم في البلاد، من اجل تحقيق ما لم يتحقق للتركمان بعد.
وقد أثبتت الانتخابات حجم الائتلاف العراقي الموحد وتأثيره في الشارع العراقي واستحقاقه لتشكيل حكومة جديدة تستطيع انتشال العراق من وضعه المتأزم الحالي ووضعها في مصاف الشعوب المتقدمة وتعيد الأمن والاستقرار وتنعش الاقتصاد وتحقق كرامة الفرد العراقي.

حسين ابو سعود

[email protected]