عنوان مثير ومحفز للقراءة لخبر ورد على موقع quot; ايلافquot; الالكتروني، يحمل في طياته ما معناه أن النظام السوري البعثي قد تراجع عن أحد الأخطاء الفادحة التي أرتكبت بحق الطبقة الاقطاعية، وقرر رد الإعتبار لكبار ملاكي الاراضي، ولله الحمد أنا واحدة منهم quot;وتعويضهم عن الظلم الذي وقع عليهم منذ العام 1958تحت طائلة قانون الاصلاح الزراعيquot;.

هذا الخبر لا نعرف مدى صحته لأن الوالدة، وباعتبارها هي المعنية بهذا القرار كأحد الملاكين، نفت علمها أو سماعها أي أخبار من هذا القبيل! لكن سوف أفترض صحته وأعلق على العنوان ومضمون الخبر لتوضيح الصورة: أولا للملاكين والإقطاعيين ليتوخوا الحذر من هذا التحول المفاجيء، وثانيا لوصف الوضع بدقة حتى يطلع عليه الجيل الجديد الذي لم يعاصر تلك المرحلة.

بصدور هكذا قرار، إن صحت الأنباء، يكون النظام البعثي قد وجه لطمة مؤلمة ومباشرة لخصومه من الناصريين والشيوعيين والاشتراكيين المعارضين وهم في ذات الوقت خصوم الاقطاعيين، والتلويح بضرب المستفيدين والمنتفعين من قانون الإصلاح الزراعي في حال تفكيرهم في الانقلاب والثورة على النظام.

وسوف أبدأ بالعنوان الذي ينص على أن البعث قد تراجع عن أحد مبادئه، والسؤال الذي يطرحه نفسه أمام هكذا عبارة، وهل لدى البعث مبادئ حتى يتراجع عنها اليوم...؟ وإن كنت مخطئة في التقدير ولم أعطي تلك الاهداف حقها في التقدير فهل بقي من أهداف لم يتراجع عنها البعث منذ استيلائه على السلطة في العام 1963؟

القرار الجديد الذي أثار الدهشة لدى أوساط السوريين واستهجنه السياسيين والحقوقيين والمراقبين أيضا، بعد أن تراجع البعث عن أحد أهم مبادئه في الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، ناهيك عن خوفهم على خزينة الدولة التي من المتوقع أن تعاني من عجز مالي، في حال قد اقدم النظام السوري على هذه الخطوة وقام بدفع التعويضات للاقطاعيين المتضررين من قانون الاصلاحي الزراعي.

لكن من لديه دراية تامة بواقع الأمر لا يستغرب مثل هذه القرارات أو هذا التحول الذي اعتبر مفاجئا، فبالنسبة لنا كإقطاعيين كان الأمر متوقعا ومرتقبا منذ سنوات طويلة، ومن معرفتي الدقيقة بواقع الامر وبواطن الامور فالوضع هو كالتالي: إن المستفيدين الصغار من تلك الاراضي المستولى عليها هم طبقة quot; الفلاحين quot; واللذين حتى اليوم لا يملكون أي صكوك أو سندات ملكية تثبت أي حقوق لهم في الاراضي، وهم عبارة عن منتفعين يستغلون الاراضي لحسابهم الخاص وفقا لشعارquot; الارض لمن يعمل عليها quot; أما المستفيد الاكبر فهم كبار المسؤولين حيث قاموا بتسجيل مساحات شاسعة من الاراضي باسمائهم بعد مصادرتها وهي الاراضي التي اعتبرت بعد القانون من أملاك الدولة العامة إلا أنها وبعد الثورة التصحيحية أصبحت أملاك خاصة.

هذا باختصار شديد الوضع الحالي، وبحال بقي على ما هو عليه وسقط النظام quot;لا سمح اللهquot; فهذا من شأنه ان يخلق مشكلة اجتماعية عويصة وحالة مأساوية تهدد الفلاح في عقر الارض التي يستغلها، خاصة وأن الكثير من الفلاحين قد أكلوا حقوق الملاكين الذين هم من المفترض أن يكونوا شركاء في الارض وفقا للقانون، إلا أن حافظ الأسد بعد الحركة التصحيحية المجيدة، وهو quot;أبوquot; الفلاح والعامل، أعلن في إحدى احتفالاته الخطابية مخاطبا الفلاحين حرفيا: quot;أنتم القانون وأنتم تسنون القوانينquot; طبعا وفقا لهذه العبارة الشهيرة التي منحت الفلاح الصلاحيات الكاملة في التعامل مع اصحاب الاراضي وأصحاب الملكية الاعتباريين بالطريقة التي يراها وتخدم صالحه.

ومنذ ذلك الخطاب الشهير والعبارة التي اصبحت مثلا يردد على مسامع اي مالك يطاب بحقه في الارض، وتمرد الفلاح على صاحب الملكية وتمنع عن دفع أي أجور مقابل إستغلاله للاراضي كما ينص القانون، ونفض أصحاب الملكيات أيديهم من أرزاقهم ونأوا بأنفسهم عن أملاكهم، وسلموا أمرهم لله، واستمر الفلاح في تمرده يستغل الاراضي لحسابه الخاص دون أي مقابل منتهكا بنود قانون الاصلاح الزراعي، وهناك شواهد وقضايا بالالاف وأحكام صادرة لصالح الملاك الا أن الفلاح كان أقوى من أي قانون أو جهة قضائية من اختصاصها تنفيذ الاحكام.

هذا الوضع الشاذ بالتاكيد يقلق الاوساط السورية، ويقلقنا أيضا كملاكين، ولا يزال هذا القرار يشوبه الغموض والضبابية، ومن وجهة نظري المتواضعة فهناك احتمالات عدة لصدور مثل هذا القرار: أولهما أن النظام ينوي كسب ود الطبقة الاقطاعية والبورجوازية ليستعين بها في أيامه السوداء القادمة! أو أن هناك تصور لإنقاذ وضع الفلاح وإجراء عملية جراحية تجميلية يتم تعويض الملاكين بمبلغ زهيد ردا لاعتبارهم مقابل تسجيل الاراضي باسم الفلاح ومنحه سند الملكية!

وربما هذا القرار يضرب به عصفورين بحجر واحد وإجراء تسوية ودية بين المالك والفلاح، وبذلك يكسب النظام ود الفلاح الذي بدأ يشكل خطراً عليه، والاقطاعي الذي في الأصل يعتبر النظام البعثي من أشد خصومه وألد أعدائه، كما أن الاقطاعي بطبيعة الحال يمثل القاعدة الشعبية الأقوى لاعتبارات عائلية وتاريخية.

لكن نحن كإقطاعيين لا بد وأن نتعامل بحذر شديد مع مثل هذه القرارات البراقة وقد يكون فخا نقع به ونسلم الفلاحين سندات الملكية بأسمائهم مقابل مبالغ زهيدة، لذا على الاقطاعي ألا يفرط بشبر أرض وبحوزته صكوك مليكتها، أو بأي حكم قضائي لم ينفذ.

أما بالنسبة لخزينة الدولة فلا قلقا او خوفا عليها، ويمكن ايجاد مخرج للحفاظ على توازنها بحل بسيط ومرضي، وهو إسقاط قانون الاصلاح الزراعي وإعادة الأراضي لأصحابها وماليكها الحقيقيين، وتنفيذ الأحكام الصادرة بحق الفلاحين ممن تمنعوا عن دفع أجور بدل المثل وفقا للقانون، ونحن بدورنا كاقطاعيين ووطنيين أيضا لا نقبل ان تتعرض خزينة الدولة لأي عجز ولهذا لن نطالب باي تعويض مادي عن السنوات السابقة، نحن نتطلع الى المستقبل لبناء سوريا الجديدة وعفا الله عما سلف.

نورا دندشي
إقطاعية سورية