في خلال الثلاثة الاشهر القادمة سيتم اغلاق سجن ابو غريب السئ الصيت من قبل القوات الامريكية المتواجدة في العراق، وقد تطوى صفحة من الذكريات الاليمة لكل من كان نزيلا فيه. ولكن من سيتجرى ويعمل على استكشاف سجون (ابو غريب) العربية ليفضح تجاوزاتها اللاانسانية ويخرجها الى العلن، كما فعل الاعلام الامريكي في قضية ابو غريب؟. ثم تليها خطوة اخرى تحدد الالية الفاعلة التي ستجبر اي حكومة عربية على مراجعة وتصحيح اخطائها ومحاكمة من ارتكبوا تجاوزات بحق مواطنين افراد وجماعات او حتى عائلات سيقت الى المعتقلات بالجملة، كما حدث في عهد نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في العراق. سؤال موجه الى اطياف مكونات المجتمع المدني العربي العامل في حقل شؤون حقوق الانسان، وكذلك موجه الى المجتمع الدولي. اذ، نتمنى على الدول المانحة ان تشدد الرقابة على الدول العربية في عطائاتها المالية وقروضها الميسرة ومساعداتها المختلفة، بأن تشترط على ان يكون سجل حقوق الانسان نظيفا لدى هذه الدول. من المفيد ايضا ممارسة الضغوط السياسية الدولية تجاه اي حكومة عربية لاتحترم التزاماتها الموقعة على المواثيق الدولية وخاصة ميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان الصادر في عام 1948م.
ان حقوق الانسان، مادة اصبحت مستهلكة، مُلاكة، من قبل بعض الكًتاب الذين اينما هبت بهم الرياح هبوا معها، دون مساهمة حقيقية في هذا الشأن. الحقيقة، انه لابد من تفعيل جمعيات حقوق الانسان العربية لتصبح جزء من الرقابة العامة في المجتمع المدني الى جانب الصحافة الحرة المستقلة. طبعا، يجب الا نعتقد بنية الدولة الحسنة وهمتها في هذا التفعيل او المساهمة المرجوة في صنع منظمات وجمعيات مدنية حرة مستقلة وكذلك اعلام حر، لان الحكومة ببساطة شديدة تدرك ان هذه المنظمات والصحافة خصم لها يقظ مهجعها ويؤرقها، وهذا الشعور الاعتقادي الحكومي الخاطئ يحدث فقط في دول العالم الثالث، بينما مايحدث في العالم الحر الاول، ان منظمات وهيئات وجمعيات المجتمع المدني فيه تعمل جلها في خدمة المواطن وكذلك الحكومة تعمل في نفس الاتجاه، كونها منتخبة والتقارير المرسلة من قبل الهيئات المدنية تخدم الحكومة في تبصيرها بالاخطأ والتجاوزات لتعمل الحكومة بالسرعة الممكنة على معالجتها وتلافي تكرارها مستقبلا ليتحسن بذلك الاداء الحكومي، ومن هنا كان الجميع يعمل في خدمة المواطن وبالتالي خدمة للوطن.

ان تقرير مكتب الديموقراطية وحقوق الانسان والعمل الصادر من وزارة الخارجية الامريكية في تقريره الخاص باليمن حول ممارسات حقوق الانسان للعام 2005 احدثت التصريحات الرسمية ردة فعل حكومية سلبية غير مبررة، كان يتوجب على الحكومة اليمنية ان تتمهل وتشكل لجنة تقصي لماصدر في التقرير وحينها تصدر الحكومة بيانا اعلاميا تصحيحيا او منتقدا للتقرير او معترفا بالتجاوزات وواعده بمعالجتها بالسرعة الممكنة. ان التسرع في الانتقاد دونما مهلة زمنية للتبين والتبصر على ارض الواقع لما حدث من تجاوزات وانتهاكات سواء في السجون اليمنية الرسمية التابعة لوزارة الداخلية او جهاز الامن السياسي (المخابرات) او السجون الخاصة للمتنفذين (القبليين) الغير قانونية، لم ينشئ من فراغ، وكذلك ذكر التقرير تجاوزات اخرى عديدة مختلفة. ان التوجه الرسمي للحكومة اليمنية يعتقد ان الدولة تقع في بنية نظام ديموقراطي حقيقي قد يقترب من النظام الديموقراطي الغربي. مع ان هناك تصريحات خجولة صدرت لبعض المسؤلين اليمنيين تفصح ان النظام اليمني نظام ديموقراطي (وليد)، ومنذ تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990 مرّ على النظام الوليد ستة عشر عاما، ولم يكن يبلغ الوليد الحلم. ونعتقد انه سيظل كذلك (وليدا) ازليا، ليبرر على ضوء ذلك كثير من التجاوزات القانونية التي حدثت او الانتهاكات اللاانسانية او توريث السلطة (نستبعد ذلك) بحجة ان النظام الديموقراطي اليمني لايزال وليدا. وعليه دأب التصورعلى انه يتوجب على الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة واليابان اي مجموعة الدول المانحة تقدير حال الديموقراطية اليمنية الصاعدة والتعشم بأستمرار المساندة والمساعدات الدولية الداعمة المستديمة في استجلاب المنح المالية والمعونات الاقتصادية وحتى القروض الميسرة وكذلك طمعا في اعفاءات نادي باريس والبنك الدولي للديون المستحقة على اليمن، علهم يتجاوزوا بذلك وضع سجل حقوق الانسان في اليمن واستمرار تخلف المواطن اليمني على جميع الاصعدة، وتبرير ذلك ان هناك في اليمن نظاما ديموقراطيا حقيقيا واعدا في المنطقة لايزال وليدا، والى متى سيظل الوليد وليدا؟ لا احد يعلم.
فجأة، حزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) تنبه الى ان هناك قطاع كبير في المجتمع مؤسس على ان النساء يشكلن نصف المجتمع، ولذلك وجب مراعاته، ودعى الى دعم المرأة بنسب قد تكون مقبولة مرحليا لاستلام المرأة بعضا من مواقع صنع القرار السياسي، ان هذه الصحوة (المؤتمرية) تعتبر ايجابية وخطوة في الاتجاه الصحيح، تهدف الى تقدم المجتمع ورقيه، وقياس تقدم اي مجتمع، يكون بمدى مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي وكذلك مدى انتشارها في حقول الاعمال المختلفة المدنية والعسكرية دون تحفظ او تمييز على اساس الجنس. ولو ان حزب المؤتمر عمل على هذا النهج السليم وفق برنامج سياسي جاد بعيد عن المزايدات الحزبية او جعل من المرأة ديكورا شكليا منذ انشاء الحزب لكانت صورة ووضع المرأة اليمنية مختلفة تماما عما هي عليه اليوم وفي حال افضل، ولذلك قد يتحمل المؤتمر المسؤلية الرئيسية او جزء كبير منها، في عدم تقدم المرأة في الساحة اليمنية، كونه الحزب الحاكم منذ فترة طويلة ويملك اغلبية برلمانية تؤهله لتمرير اي من السياسات التي يخطها، فضلا، على انه كان سيقطع الطريق تجاه حزب التجمع اليمني للاصلاح (اسلامي) الذي انشئ فيما بعد، ان يظل يفرخ للساحة اليمنية افواج نسائية مؤدلجة مستنسخة من نسوة حركة حماس الفلسطينية، فالمرأة الانسان هي مشروع حياة، وليست مشروع موت او شهادة كما تصورها ادبيات التيارات الدينية في الخطب والمهرجانات الحماسية المستهلكة في اللغة السياسية المتخشبة. نأمل من المؤتمر الشعبي الحاكم ان يرعى المرأة حق رعايتها حتى لو خسر الانتخابات القادمة واصبح في المعارضة، المهم في الامر، ان المبادرة اخذت اليوم بالاهتمام وصدرت من اعلى مستوى قيادي في هرم السلطة، مع انها جاءت متأخرة، ولكن ان تأتي المبادرة متأخرة خيرا من ان لاتأتي البتة. وكما نرجو ان يُعبد للمرأة الطريق وتشجع في ان تصل الى موقع رئيس الجمهورية ترشحا ومنافسا شريفا وان يعتمد مبدء المناظرات السياسية العلنية لمرشحي الرئاسة. ونتمنى كذلك ان يصوت اغلبية النواب المؤتمريين في مجلس النواب (البرلمان) على ادراج نظام (الكوتا) النسائية المؤقت، حتى يتعود المجتمع على وجه صورة المرأة الجميل في مختلف المستويات الانتخابية دون تحسس مرضي، سواء كانت بلدية او نيابية او رئاسية التي تجري في البلاد، وكذلك دون تحفظ كونها انثى، وطبيعيا من دون (لثامة) تحجب شخصيتها المرشحة العامة وكينونتها، كونها ستمثل حزبا سياسيا او ناخبين مواطنين، فاللثامة وارتداء السواد موروث من الحقبة الاستعمارية العثمانية التركية وليس موروثا يمنيا اصيلا. كذلك من حق الناخب ان يتعرف على المرشح المرأة، اذ، لايمكن للمرأة ان تحمل منصب قيادي او تترشح لتصبح رئيسة جمهورية وهي منتقبة مخفية الوجه، لا يعرف المواطن الناخب شخصية ممثلته او من تم انتخابها، ناهيك عن تمثيلها للجمهورية اليمنية في المحافل الدولية، فذلك بلا شك سيكون مدعاة للسخرية والتندر، وهذه همسة في اذن بعض اليمنيات اللواتي اعلن ترشيح انفسهن لمنصب الرئيس، فمقدرتهن على تحرير واحترام انفسهن تعني مقدرتهن على قيادة البلاد. فالمرأة انسان تتمتع بشخصية مستقلة ولها كامل الحقوق والواجبات اسوة بالرجل ومساواة به. وليترك للحرية ان تأخذ مجراها في صقل المجتمعات، فبالحرية المسؤلة ترتقي الامم.

حافظ سيف فاضل

اخصائي نفسي اكلينيكي، كاتب وباحث اكاديمي

[email protected]