عدم استقرار العراق يخيفهم

الشعور بالفرحة والتفاؤل لدى شيعة الخليج بسقوط ليالي الدكتاتورية والإقصاء في العراق، وانطلاق فجر الانفتاح والحوار وتنمية الروح الوطنية في المنطقة... لم يستمر طويلا إذ أخذت غيوم القلق والخوف تتراكم من جديد لتحجب المستقبل الجديد، وذلك منذ تحذير بعض قادة الأنظمة العربية من خطورة بروز الهلال الشيعي وسيطرة الشيعة على الحكم في بغداد، والتهديد الدائم بوقوع حرب أهلية وطائفية في المنطقة بسبب مجيء الشيعة. وتصريح زعيم أهم دولة عربية مصر بان ولاء اغلب الشيعة العرب لغير أوطانهم. بالإضافة لتدخل بعض الأنظمة في شؤون العراق الداخلية بصور عديدة لعرقلة عملية بناء العراق الجديد على أسس ديمقراطية حضارية.. خوفا من أن يصبح نموذجا للشعوب المجاورة له، كما لا يمكن غض الطرف عن دور بعض الإعلام العربي في تضخيم كل ما يحدث في العراق على أساس طائفي.

تلك الأعمال أدت إلى ارتفاع أسنة الطائفية، والأعمال الإرهابية وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في العراق، وتواصل مسلسل الدماء والتفجيرات، واستهداف الشيعة والاعتداء على الرموز والمواقع المقدسة مباشرة. بالإضافة لتركيز الإعلام العربي على الشيعة بطريقة لا تخلو من رائحة الطائفية والتشكيك بالولاء الوطني، يدعمه وقوع بعض التجاوزات والأعمال الطائفية في بعض دول الخليج كمنع الكتب الشيعية وأحياء المناسبات، ومنع إصدار التراخيص لبناء المساجد، وإغلاق بعض المراكز والجمعيات، وتدريس بعض الدروس التي تطعن في معتقدات الطائفة، وطباعة وتوزيع الكتب التي تغذي روح الطائفية، واعتقاد بعض الفئات بان حصول شيعة المنطقة على بعض حقوقها وبروزها مدعاة للطائفية!.

وهذا ما أدى لإصابة الشيعة في الخليج بالإحباط والقلق من أن يصبح المستقبل اشد ألما وأكثر خطرا من السابق لانتشار رائحة الطائفية البغيضة وارتفاع حدتها مع تهديدات التكفيريين بإعلان حرب ضروس على الشيعة ثم الاعتداء الإجرامي على مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، وما أعقبها من اعتداءات على المواقع الدينية... وردود فعل كبيرة كادت تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه لولا تدخل القيادات الدينية والسياسية والعقلاء.

القلق والخوف وصل إلى حد التفكير الجدي بإعادة الحسابات، واستبعاد التوقعات الجميلة وإجهاض الأحلام الوردية للمستقبل الزاهر من الحرية والعدالة والمساواة. إذ إن هناك الكثير من القضايا التي تعكر نشوة الفرح والتفاؤل لدى شعوب المنطقة من جميع التيارات.



جهل وغرور
من الأمور التي تزيد حالة القلق والإحباط والخوف لدى الشارع الخليجي وبالذات الشيعي وجود فئات لا ترغب بان يكون لجميع أبناء منطقة الخليج من جميع التيارات والأقليات والمذاهب ومنها الشيعية اعترافا رسميا وطنيا لها كامل الحقوق التي يكفلها الدستور بدون تفريق، متوجسة بان حصول تلك على جميع حقوقها خسارة لها...، وان بروزها على الساحة خطر يهدد وجودها، ويدعو للانفتاح والفساد والمذهبية!
بالإضافة للجهل البسيط والمركب لدى بعض أفراد الشرائح الذين ينظرون بمنظار ضيق غير وطني لا يخلوا من المصلحة الخاصة القبلية والمناطقية والتيارية والطائفية المتطرف القائمة على القيل والقال والشائعات.. إذ يرددون كالببغاء بدون وعي وإدراك ما تردده بعض وسائل الإعلام والشخصيات السياسية والدينية حول الشيعة بان ولائهم لغير أوطانهم، وان معتقدات مذهبهم بعيدة عن الإسلام، وان أصولهم من خارج الوطن وغير ذلك من تشويهات. وهناك من يصنف بروز الشيعة والإعلام الشيعي الذي ظهر مؤخرا بأنه طائفي وغريب على المنطقة. بل هناك من أصيب بالذهول من وجود أبناء للطائفة الشيعية في بلاده!.
هذا الكلام فيه شيء من الصحة لأنه يعبر عن حقيقة مستوى الجهل بعدم معرفة ثقافة ومعتقد الآخر، وحجم الانغلاق والغرور الديني والمذهبي والقبلي والفكري والصنمية لشرائح من أهل المنطقة. كما انه يعبر عن الواقع المؤلم والدور السلبي الذي مارسته وتمارسه المؤوسسات التعليمية والإعلامية في دول المنطقة، كما يمثل مدى حجم التهميش والتغييب الذي تعرضت له عدة مجموعات في المنطقة ومنها الشيعة.

قنبلة موقوتة
من يطلع على بعض المواقع في الانترنت ويقرأ ما يكتب وينشر فيها يرى حجم المأساة والتشدد المخيف الذي يعبر عن قنبلة موقوتة تهدد المواطنين والمنطقة.
ويرى الشيخ علي صفر ( متخصص في مجال الحوارات الدينية من دولة البحرين) أن الأوضاع في الخليج تتجه وللأسف الشديد إلى الأسوء من ناحية التعاطي والتعايش بين أبناء الطائفة الشيعية والمدرسة السلفية بسبب ما تشهده المنطقة من توترات. مشيرا بان محاولات التواصل والحوارات والمناظرات والمناقشات بين المدرستين التي جرت خلال الفترة الماضية ساهمت في تركيز حالة الطائفية بصورة سلبية وزيادة التشدد والتشنج ولم تؤدي إلى ما هو مطلوب من فرض الاحترام المتبادل والتعايش السلمي. معتقدا أن الأمور تطورت من مجرد اختلاف في الرأي والمذهب بسبب تنوع المدارس الفقهية وتطور الاجتهادات إلى خلاف عقائدي... وهذا ما يشكل خطرا كبيرا.

والحقيقة التي ينبغي على الجميع معرفتها بأنه إذا اشتعلت نار الطائفية.. فأنها لا تستطيع التمييز بين أبناء الطوائف والتيارات.


علي آل غراش