وظلت قاعة البرلمان خالية من عطر امرأه. بينما زحمة الوجوه الملتفعة بالكوفيات والهمهمة الخشنة توحي بان لا نساء في مجتمع الكويت، كانه بلد احادي الجنس، او هذا ما اسرتنا به نتائج الانتخابات الاخيرة.
بلا شك عدها الاسلاميون نصرا، سواء حملة اللحى الغزيرة والتقاطيع المصفرة من فرط حدتها، او اولئك الذين يرسمون على محياهم السماحة والنظرات الذابله، فكلاهما لا يطيق الى جانبه، على كراسي البرلمان، عطر امرأه.
ونصر الاسلاميين في الكويت لا يختلف كثيرا عن الفوز الذي حققته حماس في الانتخابات الفلسطينية، فالمسؤلية فيها كما يقول المثل الانكليزي كالبطاطس الساخنة، لا يمكن الامساك بها طويلا. اذ لم ينزل هذا النصر هزيمة تذكر بالقوى الليبرالية ودعاة حقوق الانسان لانه تكرار لمسرحيات سابقة، بل حقق الاسلاميون فيه النصر على انفسهم، اي انهم ايضا في معسكر الهزيمة. فلو نظرنا الى كل البرلمانات القريبة، الاكثر اسلامية لوجدنا حضورا دائميا لمجموعة من المحجبات يساهمن في صياغة القرارات الاكثر اجحافا ببنات جلدتهن، وبمصداقية يصعب التشكيك بها، بينما حرم انتصار الرجل الكويتي الساحق البرلمان الجديد من فرصة كانت قيمة لكسب المصداقية، وادعاء صيغة الحكم بالديموقراطية.
من الواضح ان قرار السماح للنساء الكويتيات بالاشتراك، سواء بالتصويت او بالترشيح، الذي صوبه مجلس الامة في (16 مايس 2005) لم يأتي اصلا كثمرة طبيعية لنضال المراة في هذا البلد، ولا تدشينا لمرحلة جديدة من مراحل تطور اجتماعي، كما انه ليس انعكاسا للواقع الثقافي بقدر ما كان قرارا فوقيا، دوليا، من اجل تاهيل هذا المجتمع لثقافة عولمية قادمة قسرا.
وقد اثبتت التجارب في البلدان المجاورة ان محاولات تأهيل المرأة قسرا افرزت نتائج عكسية، وادت الى تنامي التيارات المحافظة واتخاذ الحرية الشخصية للمرأة كطريقة اللبس او النشاطات الفنية والرياضية ذريعة من اجل التقوقع داخل الاطر الدينية والعشائرية المتخلفه.
ولو تخيلنا لحظة بان احدى الناشطات الكويتيات قد نجحت في كسر شوكة الموروث، والعرف السياسي الثقيل، فانها لن تكون سوى رقما زائدا بين الجالسين وصورة لتلميع القرارات الجائرة والايحاء وكأن البلد يعيش الحالة الديموقراطية، كما هي معروفة في بقية البلدان في العالم، توحي وكأن المراة لا تتعرض للضغوط الذكورية ولا للقيم القبلية وانتشار السلفية كمرض يشل حركتها.
كما ان كل اعضاء البرلمان، منذ اول تشكيل له، في يناير 1963 الى اليوم، هم من الرجال، فهل استطاع الرجل فيه فك القيود الفكرية الموروثة التي تأسره، وهل حرر نفسه من ثقافة القبيلة والدين وذهنية الملك والرعية. حتى تستطيع ناشطة تكافح ضد تسلط العائلة الحاكمة، ومزاعم الصحافة وعدوانية الاشاعات المغرضة، فيه من تحرير نفسها؟
وتظل قاعة البرلمان خالية من عطر امرأة، ولكن شبحها يبقى حاضرا، ما دام هنالك نساء في الكويت، هن نصف ذلك المجتمع، شبحها، يشكك في ديمقراطية الحياة السياسية، التي لا تعكس ابدا واقع البلاد السكاني.
حسين القطبي
التعليقات