قبل الخوض في أي حديث عن الإصلاح، علينا في البداية الإعتراف بأننا شعوب مهزومة.. مأزومة بل ومتخلفة عن بقية أمم العالم، وأننا نعانى من تخلف حضارى كامل. وأن العلم الذى هو باب التقدم وقاطرة الحضارة لا ينمو إلا إذا بذرت بذوره فى أرض صالحة لإنباته نباتاً صالحاً، وبذوره هى منهجه الذى لا يعرف حلالاً ولا حراماً ولا إيماناً ولا كفراً ولا مسيحية ولا إسلام ولا بوذية، إنما ما يعرفه هو الصواب والخطأ وأن الصواب هو ما ينفع الإنسان ويرتقى به وأن الخطأ هو ما يضر الإنسان ويؤدى إلى مرضه وجهله وتخلفه. وكى تنبت بذور المنهج العلمى فلابد من إصلاح الأرض وتهيئتها بحريات كاملة وديمقراطية حقيقية سليمة، يعترف فيها الكل بالكل، مما يؤدى إلى تعددية تضيف إلى بعضها البعض فى تكامل وتناغم بعقد إجتماعى صادق وسليم. عقد تصبح فيه ممارسة الإعتقاد السياسى أو الدينى عملاً إرادياً طوعياً حراً بلا ضغط أو إكراه، وهو ما يستتبع بالضرورة حياد الحكومة وعدم وقوفها إلى جوار مبدأ دون آخر وعقيدة دون أخرى. والصواب أن تقف ضد كل ألوان الشمولية التى تزعم الطهارة والوطنية والحق دون غيرها. لذلك لا يمكن الحديث عن ديمقراطية تحت ظل منهج طائفى وحكومة عسكرية. والمعلوم أن جهاز الحكومة المصرى لم يعمل إطلاقاً حتى تاريخه على إفساح المجال لليبرالية بصدق وشفافية، بل ما حدث وما يحدث هو على العكس من ذلك بالمرة. ونتيجة لهذا المنهج الحاكم المتحكم لا يفرز مجتمعنا سوى المزيد من الفاشيين والجهلاء و المتعصبين والمتفجرين فينا وفى دول العالم. يجب أن تتراجع حكومتنا الآن وقبل مزيد من الكوارث عن تلميع مشايخ التطرف وأساتذة الخرافة الذين كشرت فتاواهم قلب الوطن بل ودمرت العالم.
لقد ظل شيوخ التطرف والكراهية لسنوات طويلة وعبر التلفزيون والصحف الحكومية، يكفرون أبناء الوطن من الأقباط على مرمى ومسمع داخل كل بيت، ويتهمونهم بكل ما هو وضيع وخسيس، مما ترتب عليه ما نراه في واقع مصر الراهن من تعصب واحتقان، لذلك لم يكن غريباً أبداً مشهد الجماهير الغاضبة كالثيران الهائجة وهى تهاجم كنيسة محرم بك، وهو مشهد محتمل الحدوث بشكل أكبر وأعنف فى أى لحظة، لأننا أيضاً لم نشاهد ولا مرة واحدة قساً مسيحياً فى تلفاز مصر يقدم ما فى الإنجيل أمام أشقائه المسلمين ليعلموا أنه كلام الله كما القرآن كلام الله أيضاً، ولم يدرس أبناؤنا المسلمون فى المدارس كلام الله فى الإنجيل كما يدرس أبناؤنا المسيحيون كلام الله فى القرآن في دروس اللغة العربية وغيرها. فيبقى المسلم غير عالم بأى شئ عن عقيدة أخيه المسيحى، مما يدفعه إلى تصوره شيطاناً أو بلا أخلاق ولا قيم، وهى مصيبة يجب التعامل معها الآن وبسرعة وحزم، قبل أن تصبح مصر كلها ذات يوم آت نيراناً مشتعلة كما حدث في محرم بك ذات يوم مضى نرجو ألا يأتي ثانية.

هدى حليم