منذ بدأت إيران من خلال حزب الله اللبناني حربها الخاسرة مع الغرب عبر البوابة الاسرائيلية، والاقلام العروبية تتهافت على حزب الله تهافت الذباب على بقايا الطعام الآسن، وقد ذهب البعض بعيدا حتى نسى کل الدوافع و الاهداف الکامنة وراء إشعال حزب الله لهذه الفتنة و صار يمهد لحزب الله على أنه بداية مشروع نهضوي جديد للأمة!
المد العروبي الذي لم يحصد سوى الريح طوال فترات تألقه و عنفوانه و لم يترک للجماهير سوى الفقر و الجهل و التخلف و المرض مع نظام سياسي قمعي فريد في شکله و مضمونه، قد أثبت خواءه و فشله وبالتالي ذهب الى مکان قد نظلم المزبلة إذا قارنناها بها، ولعل آخر الانظمة العروبية المترنحة في دمشق باتت کالغريق الذي يتشبث بکل شئ في سبيل بقاءه حتى ولو بمجرد قشة، أما أنظمة أميبية نظير الحکم الليبي و السوداني فهما مشغولان حاليا بالحصاد المر لما زرعاه طوال الفترات السوداء لحکمهم الشمولي الاستبدادي.
والمثير في الامر، أن الکتاب العروبيين الذين کانت کتاباتهمquot;وستبقىquot; بعيدة عن الواقع تماما مثل أنظمتهم الفوقية الغارقة في الجهل بکل شئ حتى السياسة ذاتها، يحاولون تناسي أو بالاحرى التغابي عن اليد الايرانية التي تعبث من الخلف کالاراجوز بالسيد حسن نصرالله و حزبه وتدفعم لکل موقف يصب في نهاية المطاف لصالح مخططها العام في المنطقة، ويصرون على أن حزب الله يقود مشروعا نهضويا جديدا من الممکن جدا أن يفوق مشروع ميشيل عفلق بفراسخ وهؤلاء العروبيين المغرمين بالثرثرة السياسية التي لاطائل من ورائها سوى هدر الوقت الذي لايشکل شيئا في قاموسهم الاخرق، تناسوا من أن مشانق العروبيين هي نفسها التي أعدمت قادة إسلاميين مثل السيد قطب و محمد باقر الصدر و غيبت آخرين مثل موسى الصدر، وکانوا هم بأنفسهم من أشد معادين التيار الديني و المد الفارسي خصوصا أيام حکم الزعيم الديني الراحل آية الله الخميني، فماعدا مما بدا؟ و ماهذا التغيير الفجائي المشبوه لموقف يتسم من أساسه بالعفونة و البلادة السياسية. إذ هاهم يراهنون على المشروع الفرنسي لحل الازمة اللبنانية وکأنه مشروع عروبي صاغ بنوده العروبيون بأنفسهم، متجاهلين کعادتهم من أن هذا المشروع و المشروع الامريکي يتفقان في نقطة جوهرية مهمة و حساسة و هي إنهاء الوجود العسکري لإيران في الجنوب اللبناني الذي بات العروبيون من شدة ضياعهم و إحساسهم بالاحباط يتصورونه رمزا لسيف صدام و راية عفلق!
إن مشروع القرار الدولي الاخير الذي صدر عن مجلس الامن الدولي ضد إيران، کان الرد الامثل على المغامرة الايرانية في جنوب لبنان والتي لم تخلف سوى الموت و الدمار وهي إشارة مهمة جدا لابد من التمعن في قراءة أبجدياتها خصوصا وأن دولا مثل الصين و روسيا و بعضا من الدول الاوربية التي کانت متعاطفة بعض الشئ مع إيران لإعتبارات براغماتية محضة، لم تجد مناصا من الوقوف بوجه الطموحات الايرانية في المنطقة والتي تسعى بإتجاهات و مديات هي أکبر بکثير من ما هو مسموح لها، خصوصا وهي تريد ملء الفراغ الکبير الذي ترکته النظم العروبية من خلال محاولة إلتفاف ذکية أدرکت مغزاها الکثير من الدول العربية المحافظة التي تسلک خطا سياسيا عقلانيا معتدلا يسير بإتجاه حل الإشکالات و ليس تعقيدها کما تحاول طهران عبر حزب الله.
العروبيون الذين دوخوا الدنيا بصخبهم و هرجهم السياسي، لاينتبهوا مرة واحدة لحقيقة وضعهم البائس ومازال دخانهم يعمي عيون الناس من دون أن يصل نزر ولو يسير من طبيخهم!

نزار جاف
[email protected]