السياسة هى فن الممكن، ولا يوجد ndash; فى السياسة- أعداء أو أصدقاء دائمون. شىء مزعج وممل أن نظل نعيد ونزيد فى إجترار البديهيات. من أعماق المأساة يشرق الأمل ومن بين الركام تنبت زهرة. من دون رعاية حكيمة وإجتهاد واع سوف يتبدد الأمل ولسوف تذبل الزهرة. لقد أثبت غالبية اللبنانيون أنهم فعلا لبنانيين، أى أنهم فى أعماقهم لبنانيون أولا... أثبت الشعب اللبنانى باحتضانه للنازحين أن هناك فعلا قومية لنبانية، أثبتت دموع السنيورة إنه لبنانى أولا حتى وإن كانت مناسبتها التكلم عن العروبة! أثبت حسن نصر الله بقبوله وقف إطلاق النار أنه فى أعماقه لازال لبنانيا أولا. أغلب أمراء الطوائف اللبنانية ndash; عذرا للتعبير ولكنها الحقيقة- أثبتوا أيضا أنهم لبنانيون أولا. طالما كل هؤلاء لبنانيون فما هو الداعى إلى كتابة هذا المقال! المناسبة أنه احيانا تعمى النظرة الضيقة عن إدراك الصورة الكاملة. لذلك جميع من ذكروا هم لبنانيون حتى الآن!
كيف للبنان أن يحافظ على لبنانية أبنائه التى تشكلت على أفضل مايكون خلال هذه الحرب الأخيرة؟ آسف للقول أن أغلب زعماء الطوائف اللبنانية الحاليون ليسوا هم رجال بناء الدولة اللبنانية الموحدة. لست ملما بأسماء رجالات الصف الثانى لدى الطوائف اللنبنانية المختلفة، ولكنى أقول أن كل من تلوثت يده بدماء لبنانيين هو ليس من رجال بناء الدولة اللبنانية. أقول أيضا أن كل من له إرتباط تبعية تتجاوز الحد المعقول لجهات أو عقائد أو دول خارجية هم قطعا ليسوا من رجال بناء الدولة اللبنانية. يجب أن تقرر كافة فئات الشعب اللبنانى نفسه بقياداته إن كان يريد أن يبنى دولة لبنانية موحدة من عدمه. هذا أمر يجب الإجماع عليه لأن قرار فئة أن تنفصل طائفيا من شأنه أن يجبر الآخرين على إتخاذ ذات الطريق.
أرى ndash; وقد أكون منخطئا- أن كافة الفئات اللبنانية تتقبل إستحقاقات وحدة الدولة اللبنانية ماعدا طائفتين فقط هما الشيعة والدروز. سبب هذه الرؤية أن باقى الطوائف غير متحدة ولها رؤى مختلفة، ويمكن أن تجد من بينها من يتماهى أو quot;يتفاهمquot; مع الفئات الأخرى ماعدا تلكما الفئتين فقط، الشييعة والدروز اللتان تنكفىء كل منهما على اتباعها ولا تتقبل الإختلاط والتعاون. الشيعة اللبنانيون عليهم المسؤلية الكبرى من حيث أنهم يمثلون أكثرية عددية وقوة عسكرية متفوقة. ولكن على باقى الأطياف اللبناينة، ليس أن تمالىء وتتنازل للشيعة اللبنانيين عن أكثر مما لهؤلاء الأخر من حقوق، فمن شأن ذلك أن يزيد الفرقة وإستمراء الإستعلاء وإبتزاز باقى فرقاء الدولة اللبنانية حتى يتحول الإنتماء للدولة لدى باقى اللبنانيين إلى عبء لا يستحق العمل من أجله، بل على الفرقاء اللبنانيون ان يقوموا بإحتواء الشيعة بدون تفريط فى العطاء ولا إفراط فى الضغط أيضا.
يجب على حزب الله إن كان يريد دولة لبنانية فعلا، وإن كانت الحرب الأخيرة قد أثبتت له أن الرهان على غير الدولة اللبنانية هو رهان غير واقعى بالمرة، فعليه أن يعمل على إنشاء دولة لبنانية متحدة بما يتضمنه ذلك من تفعيل سياسة جدية لتشجيع ثقافة التسامح والإختلاط وقبول الآخر لمجرد أنه لبنانى بدون أية أبعاد طائفية. أيضا عليه أن يخلع رداء الإستعلاء وتقسيم البشر لسادة وغير سادة، وسماحات وغير سماحات! عليه أيضا أن يوكل أمر الطائفة الشيعية لقادة مدنيين وليسوا ملالى وإن بقى للأخر مكانتهم فى القلوب ليكونوا عامل بناء وحدة وليسوا عوامل تفرقة. مقابل ذلك على الحكومة اللبنانية أن تعمل على الإستجابة لمتطلبات الطائفة الشيعية الشعبية المعقولة على يكون العطاء من يد الدولة وليس عن طريق قادة الأحزاب سواء كانت إلهية أم غيرها، حتى يكون الولاء كله للدولة وليس لأشخاص وزعماء إلهيين.
أتمنى على اللبنانيين جميعا على إختلاف طوائفهم أن لا يتمسكوا بعملية المحاسبة المزمعة، فما حدث قد حدث ولن تزيد المعاتبة إلا أن تكون نكئا للجراح وباب للفرقة ومدخل لمزيد من التحزب والعناد، وبابا لتدخل الغير فى الشؤون اللبنانية الداخلية مرة أخرى. الذى يجب أن يطرح على مائدة الحوار المزمعة هو برنامج مختصر مجمله أنه إن فكرت طائفة مرة أخرى فى أن تتصرف بمفردها وحسب أجندة خارجية أو طائفية أو غير لبنانية تحترم الدولة بالأساس، فالنتيجة المترتبة على ذلك بصراحة وبدون تجميل هو الإنفصال وإقامة دولة الطوائف.

* أرجو أن يقرأ اللبنانيون كيف قامت الولايات المتحدة الأمريكية. هذه تجربة أمة حية فاعلة وفى تاريخها وكيفية نشأتها كثير من العبر والدروس والتجارب الصالحة للتطبيق على الشأن اللبنانى.
* لقد أثبت السيد فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان أنه رجل دولة من الطراز الأول. ولعل الأقدار قد جاءت به فى هذه المرحلة الحرجة ليكون أهم الأباء المؤسسين للدولة اللبنانية الحديثة. أما آل الحريرى بصفتهم زعماء الرابع عشر من آذار وهو ما يضع عليهم العبء الأثقل من بعد الشيعة على العمل من أجل وحدة لبنان، فلربما عليهم تخفيض نبرة الثأر لمقتل عميد أسرتهم فليس الوقت وقت ثأر، ويكفيهم عزاء أن الحريرى بإستشهاده قد وضع لبنة بناء لبنان المستقل الموحد

عادل حزين
نيويورك
[email protected]