ثمة من يرى في الشارع العربي اليوم أن الجيوش العربية الكبيرة وترسانتها العسكرية لم يعد لوجودها مبرر في ظل المواجهة البطلة التي تخوضها المقاومة اللبنانية منفردة ضد إسرائيل، والتي استطاعت من خلال هذه الحرب رغم اختلاف الموازين أن تحطم أسطورة الدولة الأقوى في الشرق الأوسط التي أرعبت 22 دولة عربية على مدى عقود مضت.

لقد اكتشفت الشعوب العربية مؤخراً بأن الجيوش المليونية التي تم تجهيزها منذ نصف قرن بصفقات تسلح كبيرة أضحت مترهلة نفسياً وخارج نطاق المعادلة الاستراتيجية وتم اختزال وظيفتها في العروض المناسباتية وحماية بعض الأنظمة من شعوبها.

لذلك فإن لسان حال الشارع العربي يقول أين ذهبت الموازنات الفلكية التي صرفت منذ عقود على الجيوش. ويكفي أن نعرف أن إحدى الدول العربية استنزفت 120 مليار دولار للتسلح خلال خمس سنوات، وبحسب تقرير التوازن العسكري الصادر عن المعهد الدولي الاستراتيجي في لندن عام 2002 الذي يشير إلى أن 14 دولة عربية أنفقت على التسلح خلال عام 60 مليار دولار.

إن فتح ملف الإنفاق العسكري أصبح ملحاً في هذه اللحظات التاريخية التي تمر بها منطقتنا العربية، لاسيما وأن هناك إنفاقاً ضخاً على التسلح في بلادنا العربية، ثم ماذا فعلت الجيوش العربية مقابل استقطاع مبالغ كبيرة من الدخل القومي لشعوبها، هذا الإنفاق الذي يمثل عبئاً على التنمية البشرية والإنسانية لشعوب هذه البلدان؟

تؤكد تقارير التنمية الإنسانية والبشرية الصادرة عن العالم العربي أن ميزانيات بعض الدول العربية المتجهة نحو الخدمات التعليمية والصحية وبرامج التنمية البشرية لا ترقى لمستوى ما تنفقه هذه الدول على التسلح دون استثناء.

ويشير بعض الخبراء الاستراتيجيين إلى أن الدول العربية تعد أكبر المجموعات الإقليمية من ناحية الإنفاق العسكري حيث ان ذلك قد أثر سلباً على النمو الاقتصادي حيث انخفض نصيب الفرد من الاستهلاك والاستثمار، كما انخفض المخزون الاستراتيجي من رأس المال وارتفعت أرقام المديونية الخارجية وازداد معدل التبعية الاقتصادية والاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات العسكرية وما يتصل بها من نفقات التشغيل والصيانة والتدريب.

وعليه فإن الشعوب العربية باتت على قناعة بعجز وضعف النظام العربي الرسمي الذي يقف اليوم مشلولاً أمام مشهد مهول لحرب عدوانية شرسة تقودها إسرائيل ضد لبنان في ظل غليان شعبي عارم على مستوى الوطن العربي والعالم الإسلامي،

لذلك من المؤكد أن هذه الحرب الإسرائيلية الظالمة ضد لبنان والصمود البطولي للمقاومة اللبنانية ستقود إلى متغيرات داخلية وإقليمية تعيد صياغة الواقع وترتيب أوراقه وأجندته، فضلاً عن اتساع الفجوة القائمة بين بعض الأنظمة وشعوبها، وبكل المقاييس فإن مرحلة ما بعد حرب لبنان ستكون مختلفة ومغايرة لواقع اليوم.

من المؤكد أن تفاصيل الحياة السياسية العربية لن تبقى في حدود ركودها وإيقاعها الحالي وستجد بعض الأنظمة العربية نفسها أمام استحقاقات تبدأ بحقوق المواطنة ولا تنتهي بالمشاركة الشعبية وتأصيل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ومحاربة الفساد والتسلط السياسي، لأن المواطن العربي بدأ يفيق بواقع مزيف مستعيداً في ذاكرته شعارات قومية وتعبئة تلقاها عبر خطاب سياسي وإعلامي ثبت مع الأيام عدم مصداقيته وواقعيته.

الحاصل أن الجيوش العربية الكبيرة ظهرت خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد لبنان وكأنها نمر من ورق لم ينفع معها طول التغذية والتسمين، وصارت الشعوب تعتبرها جيوشاً بلا أنياب، فهل هذه حقيقتها أم أنها مغلوبة على أمرها أيضاً ولا تملك القرار والإرادة!


صالح القاضي
* صحافي يمني - دبي