في الاستفتاءات الاخيرة والتي نشرت في وسائل اعلامية عديدة يظهر ازدياد ملحوظ في الشك والريبة بالجاليات المسلمة وبمواقفها تجاه الارهاب او حتى نياتها المستقبلية تجاه الاوطان التي كانت ملاذهم ابان تعرض اغلبهم للاظطهادات في اوطانهم الاصلية.
وكالعادة الدارجة والتي صارت سمجة وغير مقبولة البتة يحاول محللونا الفطاحل ارجاع ظاهرة الزيادة في المواقف المشككة بالاسلام والمسلمين الى جهل الغربيين بالاسلام، وبالتأكيد ليس الى جهل المحللين بالغرب والغربيين والذي يجب ان يكون في واجهة الامور التي على الجميع تداركها وحلها ونصح الناس بمعرفة الغرب على حقيقته وليس الى ما نود معرفته فقط.
كان سركون العراقي الاشوري يعمل في احد مصانع كاليفورنيا عندما سأله زميلة الامريكي قائلا سركون ماهو البيت الابيض الذي يتكلمون عنه هذه الايام في الراديو، قال سركون لسأله الامريكي الا تعرف ما هو البيت الابيض، اجاب الامريكي كلا وبدون ان يقسم بكل الكتب المقدسة او بيمين الطلاق، فالمسألة حقيقية ان الامريكي لا يعرف ما هو البيت الابيض، وليس هذا عجبا في الغرب، فقد تمر ثمانية سنوات على رئيس اميركا وستجد هناك من لا يعرفه، اذا الغرب ليس فقط جاهلا بالاسلام بل لا يعرف سياسي بلده ورؤساءه، لانه بكل بساطة لا يعرف ما لا يثير اهتمامه او ما لا يدخل في عمله، فالغربي قد يتقن كل ما هو متعلق بعمله ولذا فيجيد العمل الذي يقوم به بشكل متكامل، الا ان نفس الشخص قد لا يعرف شيئا عن السيد يسوع المسيح لانه لا يثير اهتمامه، وقد لا يثير الدين اي دين اهتمامه، ولكن نفس الشخص الذي اجاد عمله بصورة كاملة يمكن ان يحدثك ساعات عن الخنفساء، او عن بتهوفن والموسيقى الكلاسيكية، او حتى عن الاسلام ان كان من هوايته الاطلاع على الاديان، اذا الغرب ليس بغرب واحد فهو بعدد سكانه، ومعرفته يستقيها لامور مهمة واولها لكي تساعده في الحياة اي ان تجلب له عملا جيدا او ان تجعله يمضي وقتا سعيدا باكتشافات جديدة سواء في المجال الفكري او الفني او الفلسفي، فالغربي المشغول على الدوام بالقراءة او النسبة الكبيرة منهم، ليس من المفترض ان يكونوا قد تعلموا شيئا عن الاسلام الا ما تعلموه في كتبهم المدرسية والتي تعلم الشئ الايجابي عن كل الاديان في العالم.
اذا ما هو مبرر هذه اللازمة الغرب لا يعرف الاسلام على حقيقته، فكيف لغربي ان يعرف الاسلام على حقيقته، وهو يسمع يوميا من الاذاعات ومن التلفزيونات عن الاعمال الارهابية المرتبطة بجهات تتبنى الاسلام او ترفعه شعارا لها، هل سأل احدهم هذا السؤال، لماذا لا يكون موقف الغربي هذا تجاه اديان اخرى مثل الهندوسية والزارادشتية والبوذية والمسيحية واليهودية، انه تسأل مشروع من حقنا ان نطرحه على الجميع، وخصوصا مرددي هذه اللازمة مرة تلو الاخرى، وكأن على كل الغربيين ان يطلعوا باسهاب على القران الكريم وتفسيراته العديدة، وعلى السنة النبوية واقوال الرسول الصحيحة والمشكوك فيها، وعلى المذاهب السنية الاربعة ومذهب الامامية الاثنى عشرية وعلى بقية المذاهب مثل الزيدية والعلوية والاسماعلية والاحمدية القادرية لكي يمكنه ان يحكم على الاسلام، يا محللونا الكرام هذا استطلاع للراي للانسان العادي، الذي يأخذ كتاب الجيب صباحا وهو في طريقه الى العمل وفي العودة ايضا، وهو مرهق من العمل لمدة ثماني ساعات بالتمام والكمال لا تتخللها الا ساعة استراحة للاكل، اي انه لا يتمكن من التهرب من العمل عدة مرات بحجة الصلاة، وعدة مرات بحجة السيكارة، وعدة مرات بحجة التواليت، وعدة مرات بحجة السلام على المدير وعلى فراش المدير، فكيف للانساني الغربي ان يكون مطلعا على كل شئ لكي يعرف الاسلام.
نحن نسمع يوميا بالتقريب تكفير المسيحين واليهود ونسمع الدعاء عليهم ونسمع عن الاعتداءت التي يتعرضون لها من قبل بعض المنظمات الاسلامية فهل قال احد لهم انهم لا يفقهون شيئا عن المسيحية، وهل تطالبون حكوماتكم ومؤسساتكم الثقافية والدينية بابراز وجها مغايرا للمسيحية ولنقولها وجه المسيحية الحقيقي والذي يدعو بالاساس الى المحبة والرأفة والسلام، اذا لماذا لا يتم تعريف المسلمين بالمسيحية كما تدعو كتبها المقدسة لا كما يعلمها الفقهاء والمفسرون ومن يوصمها الشرك، الا يعتبر ذلك جهلا بحقيقة المسيحية وجهلا بحقيقة اليهودية والبوذية والهندوسية والازيدية والمندائية، الا يعيش اغلب المسلمين في غيتو فكري لا يمكنهم الخروج منه لا بل يتم منعهم من الاطلاع على الاديان الاخرى خوفا عليهم من الانجذاب نحوها؟
في نفس الغرب الذي لا يعرف الاسلام يسألونك ان كنت في المستشفى او السجن او الملجاء ان كنت تأكل او لا تأكل اكلات معينة، في نفس الغرب الذي لا يعرف الاسلام كان اول اسم تعلمه ابني في مدرسة اسم علي لانه مكتوب في كتبهم المدرسية للصف الاول، الغرب الذي لا يعرف الاسلام لا يحتقر دينا بشكل رسمي او على الاقل لا يعلمه لطلبته كاحتقار واقولها حاليا وليس قبل خمسون سنة التي لا اعرف كيف كان التعليم فيها، اذا الغرب ولو انه لم يضم جاليات مسلمة الا في السنوات الخمسين الماضية الا انه في تعليمه للاديان ومنها الاسلام عمل على ابراز الجيد فيها.
بات مطلبا ملحا الاعتراف بالاخطاء، واخذ الخطوة الصحيحة والقول ان ما تعكسه استطلاعات الرأي العام الغربي هو انعكاس لما يقول المسملون انه الاسلام، ويجب ان يدرك الجميع ان اردنا ان نبرز الوجه الجميل لاي شئ علينا العمل من اجل ذلك، وليس الاكتفاء بالقول ان الناس لا ترك مقدار جماله، فاصوات القنابل ولون الدم اصدق انباء من الكتب والاقلام التي لا يقراءها الغربي لانه اصلا لا يدرك بوجودها هذا ان كانت موجودة. والواضح بشكل جلي هو جهل المسلمين بالاخرين وباديانهم فهم يستقون معلوماتهم عن هذه الاديان وخصوصا المسيحية ( التي يسمونها النصرانية) واليهودية من القران والسنة ومما كتبه علمائهم عن هذه الاديان، ومن الصعوبة ان يجد المرء اناس لهم اطلاع على هذه الاديان من احد مصادرها، باعتبارها ايضا منقسمة على مذاهب وشيع عديدة. اذا عقدة عدم معرفة الغرب للاسلام ولها هنا ايضا دلالة كبيرة، وتعني اه لو كان الغرب عرف الاسلام على حقيقته لاشهر الجميع اسلامهم، ان هذه العقدة وهذه الدلالة تدل على نرجسية مفرطة، انها نرجسية موجه لكل ما نملك او نؤمن فنعتقد انه الافضل، ولكن في نفس هذه النفاق الذاتي والذي لا يستقيم مع الواقع ستجد ان المسلم لا يزال يلقي اسباب تخلفه على الغرب وعلى الاستعمار، ولن يقول لنا احد عن اي استعمار يتحدث، فالاستعمار الحديث وفد منذ اواسط القرن التاسع عشر، فما كان حالهم قبل ذلك؟ هل كانوا في افضل الاحوال؟


تيري بطرس
[email protected]