إعدام صدام... تسونامي حطّم ثقافات الإرهاب والفكر الأستبدادي الديكتاتوري!
كانت هذه نهاية حتمية لطاغية ظلم شعبه وأهانه وحطم كل مفاصل الدولة، وسخّرها في ذاته عّله يناطح السحاب ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وليضاهي في أساليب الظلم والطغيان والشر كل صّناع الظلم عبر التاريخ البشري، فأحرق بسجله الحافل بكل أشكال الاستبداد، كل رجالات طغوا وحطموا وقتلوا وأحرقوا منذ قرون وقرون، ليتوج بلقب ديكتاتور القرن، فهل تبكيه الإنسانية وهو فاقدها، وهل يشفع له الإسلام وهو بعيد كل البعد عن قيمها السمحة والعادلة، هل تذرف دموعا لأجله وهو من أغرق شعوبا ودولا بدموع أطفالها ونسائها وشيوخها.
أسئلة تبحث عن أجوبة لا نجد لها حلا إلا داخل أدميتنا وإنسانيتنا النبيلة بعيدا عن كل أفكار السياسة والشعوبية والقومية، حينها سنكون قد صدقنا مع ذاتنا وأن ذلك العقاب كان لأجل رد الاعتبار لكرامة الإنسان والعقل البشري، وتطهير لقداسة الإنسان من كل ذنوب وشرور وآثام وظلم أرتكب في عهود الطغيان، ولكل من صفق وهلل في حضرة صدام وفكره الشره للموت والألم في سبيل إشباع نرجسيته وغروره الذي أودى به إلى حبل المشنقة!!!
انتهى صدام وليس من الغريب أن نجد أزلامه ورجالاته وكل دعاة ومرتزقة بلاطات الديكتاتوريات، من البعثيين وغيرهم في عموم أجزاء البلاد العربية، يتباكون وينددون بإعدامه وخاصة في يوم العيد.
وهنا نجد مسرحيات هؤلاء تتبلور ولتتجه نحو الإسلام وقدسيته والحلال والحرام، وأن صدام هو شهيد ومقاوم وغيرها من الأكاذيب التي تباع في أسواق السياسة بأبخس الأثمان، والحقيقة أن هؤلاء يعيشون على أوهام الماضي، وأن آمالهم بعودة السلطة والجاه وثقافة الظلم وكبت الحريات ومصادرة حقوق الإنسان ذهبت مع الريح دون عودة.
إن إعدام صدام كان إعدام لمرحلة استبدادية، وزلزال سياسي وفكري بات ينخر عروش الاستبداد، لتمتد آثاره مستقبلا إلى بيوت العديد من الأنظمة الغاشمة والظالمة لشعوبها، وليدق ناقوس الخطر مدويا هذه المرة بكل شفافية ووضوح، وأن الشعوب ستقرر مصيرها بنفسها، سواء بديمقراطية أمريكية أو ديمقراطية غربية، ما دامت المنطقة لا تملك أجندة للتغيير يشبع طموحات وآمال دعاة الديمقراطية والتغيير في المنطقة برمتها.
لم يكن قرار الإعدام مفاجئة، لأن المحكمة العراقية ومنذ بداياتها كانت علنية وشفافة، وهيئة الدفاع عن الطاغية كانت قائمة على أسس رملية ودون حجج قانونية، ومحاولاتها المخجلة تحويل القضية إلى أسير حرب أو إلى المحاكم الدولية، لإنقاذ رجلهم الروحي صدام من حبل المشنقة، واستخفافهم بالقضاء العراقي وبالمحكمة، أضحت إلى أنهم ساهموا في التعجيل بإعدام رجلهم، وظهروا كالأقزام أمام رجالات القضاء العراقي، وجهل بالأصول القانونية، واللجوء للحيلة والخداع أثناء دفاعاتهم الضعيفة.
أما صدام فقد كان يظن أن الحكومة العراقية والأمريكان لا يملكون الشجاعة لأن يعدموه، واستغل منبر المحكمة وبثها على الهواء، لأن يخطب ويحّرض أيتامه على القتل والتخريب، عّل وعسى ترجعه الإدارة الأمريكية إلى سدة الحكم.
وهذه الحالة خلقت ثقافة صدامية لدى العديد من الحكومات والأفراد ممن كانوا يدعون لعودة الطاغية، وتأكيدهم الدائم أن عهد الطاغية كان مثالا في الأمن والاستقرار، وأن أمريكا ستعيد حساباتها في سبيل أن تخرج من العراق بماء وجهها.
لكن الغباء والفكر الظلامي الذي تربوا عليه في ظل ثقافة الاستبداد والشمولية وعبادة القائد، و تجسيد الدولة وشعبها في شخص الرئيس أو الزعيم الأبدي، وإطلاق يده في التصرف بالحياة وحريات وحقوق المواطنين أفشلت كل توقعاتهم.
وما كان يزيدهم إصرارا وطموحا بعودة قائدهم، هو إعادة الحكومة العراقية والأمريكان لآلاف البعثيين إلى وظائفهم والى الجيش، وهؤلاء ظنوا انه يمكن للقائد أن يعود رئيسا للعراق؟؟؟
وما زاد من تدهور للوضع الأمني في العراق هي التدخلات للدول المجاورة للعراق في شؤونها، وتحريض البعض منهم لسنة العراق على التمرد، وكل ذلك لتوجيه العراق إلى هاوية الحرب الأهلية، ووقف الزحف الأمريكي نحو عروشهم الاستبدادية تحت شعارات الإسلام والمقاومة وتحرير العراق.
في حين نجدهم يتراكضون في سبيل فتح قنوات حوار وصداقة مع أمريكا، وخوفهم أن تنتقم الشعوب منهم ومن طغيانهم وسلبهم للحريات وحقوق الإنسان وللسلطة.
لقد جاء إعدام صدام كعقاب له على كل جرائمه بحق الإنسانية، وكل من يتباكى عليه، هو مجرم ومساهم في الإرهاب والقتل بحق الشعوب كلها، هم يجرمون بحق الشعب العراقي بكرده وعربه، يسيئون إلى شعب وحكومة الكويت حينما اعتدى صدام عليها بكل إجرام وحقد وقتل أبنائها، جرّم بحق الشعب الكردي المضطهد وأباد شعب حلبجة بالكيماوي في وضح النهار دون أية رأفة أو إنسانية.
وإجرام بحق الإسلام حينما اعتدى صدام على قدسية القرآن الكريم، واستوحى عمليات الأنفال منه، لأجل ابادة الكورد والشيعة، وأن من يدعوا إلى أنه مقاوم ضد أمريكا، وأن صدام أعدم لأنه وقف في وجه أمريكا، لهو في غباء، لان صدام كان حتى قبل سقوطه رجل أمريكا الأول في الشرق الأوسط، وخير دليل حربه مع إيران وبأوامر أمريكية. ثم أنه لو كان قائدا شجاعا لما أختبىء كالجرذان تحت الأرض!!!
وسواء جاء استعجال إعدام صدام سريعا، فأن الحكومة العراقية وأمريكا، تدرك المغزى من ذلك، وأعتقد أن إعدامه جاء كمقدمة لبداية الخطة الأمنية الجديدة، فعملية الإعدام حطمت نفسية كل شبكات الإرهاب والقتل في العراق من القاعدة والبعثيين، وأيضا من العرب السنة المتمردين على الحكومة، والذين يلقون دعما وتدريبا من أنظمة دول مجاورة، ويحاولون عبر الأعلام تحويل المشهد العراقي إلى حرب طائفية شيعية ndash; سنية من جهة، والى معركة مقاومة ضد أمريكا من جهة أخرى.
إن القضاء العراقي أثبت شجاعته، والحكومة العراقية استطاعت أن تنهي حقبة سوداء لطخت أرض العراق بإعدام ديكتاتورها، وأرسلت بذلك رسائل سياسية عديدة إلى جيرانها ولكل من يحترف الظلم والقتل نهجا، والإدارة الأمريكية تخلصت من رجلها وصديقها في حقبة تاريخية مضت، والآن هي أضحت بحاجة إلى مصالحة مع شعوب المنطقة، وما إعدام صدام إلا بطاقة معايدة ونهاية نزاع بين أمريكا راعية الأنظمة الديكتاتورية المتسلطة على شعوبها، وبين شعوب المنطقة و قوى الديمقراطية والمجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان، وكل من كان يرغب في بناء أوطان خالية من الاضطهاد والفكر الشمولي، وعمليات توريث السلطة.
إن إعدام صدام لا يمكن لنا أن نفكر بإدانته، سواء من منطق إنساني، أو من ناحية قانونية، أو من وجهة إسلامية، حيث أن الضرورات تبيح المحظورات، وآن لنا كشعوب مضطهدة، و كدعاة حقوق الإنسان، ونشطاء في سبيل الحريات الإنسانية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أن نتجرد من أهوائنا السياسية الضيقة، وأن نبحث هنا في المنطقة عن عمل جماعي وفكر مؤسساتي، لأجل محو كل ثقافات الأنظمة الديكتاتورية والشوفينية عن عقول أبناء منطقتنا الشرق أوسطية.
ونسعى لتطهير مقدساتنا وأوطاننا من نتائج هذه الاستبدادية التي ما خدمت إلا حفنة من الحكام وحاشيتهم الضحلة، ونساهم معا في إحياء فكر وثقافة إنسانية نبيلة لخدمة الجميع، دون تمييز بين عرق أو دين أو طائفة أو قومية، ونشكل بروح الجماعة أوطانا عادلة وديمقراطية تناسب المرحلة وكل خصوصية شعب من شعوب المنطقة، ونبتعد عن كل الأفكار المريضة والقديمة التي قد تدنس طهارة وقدسية الإنسان، وما الأوطان والحرية إلا لأجل الشعوب المتعطشة لنيل حقوقها الإنسانية، وممارسة الحريات المشروعة، والعيش بسلام دون عنف وإرهاب، لا أن نتباكى على صدام وغيره ممن أساءوا للمنطقة، وننسى أننا أحوج إلى الحرية والعدالة التي نصنعها بأنفسنا، لا أن ننتظر من الغير الغريب عنّا أن يلقمنا دروس ومباديء في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا هو التحدي الذي ينتظرنا. ولا بد لثقافة الحريات وحقوق الإنسان أن تنتصر في النهاية كما انتصرت على الفكر الصدامي، الذي انتهى على مشنقة الحرية والعدالة العراقية، تلك المشنقة كانت من صنع شياطين الاستبداد يوما ما، وشنق عليها الكثير من قوى المعارضة العراقية في عهد الطاغية صدام، واثبت ذلك إن الحقائق تنقلب في لحظات، والظلم لا يستمر ولا يدوم، فكما ذهب نيرون، وهولاكو، وهتلر، ذهب صدام أيضا، وبقيت الشعوب وحدها تصنع حريتها وحياتها في العدل والسلم والديمقراطية. وقرار الإعدام هو شأن عراقي ولمصلحة العراق وحده، ولا يسعنا إلا دعمهم ومساندتهم في سبيل عراق ديمقراطي تعددي واحد وآمن.
جهاد صالح
صحفي وناشط في مجال حقوق الإنسان-سوريا
[email protected]
التعليقات