هناك شبه كبير بين العراق وكندا من حيث تعدد الأديان والقوميات، وكذلك مسألة كردستان العراق ومقاطعة كوبيك الكندية بغالبيتها ذات الاصول الفرنسية.
كوبيك أكبر المقاطعات الكندية ويسكنها ربع سكان كندا البالغ عددهم حوالى 33 مليون. كانت فى البداية مستعمرة فرنسية لسنين طويلة ثم استولت عليها بريطانيا التى كانت تسيطر على باقى كندا. لقد عانى شعب كوبيك كثيرا من حكم البريطانيين مما دق اسفينا بين الناطقين بالفرنسية والناطقين بالانكليزية. ومنذ ذلك الحين وشعب كوبيك يحاول الحفاظ على هويته ولغته الفرنسية وما يقرب من نصف سكانه يطالبون بالانفصال عن كندا حتى بعد الاستقلال الكامل عن بريطانيا فى عام 1982 واصبحت كندا اتحادا فدراليا وله لغتين رسميتين: انكليزية وفرنسية، وثقافات متعددة والكل متساوين بالحقوق والواجبات.

لقد ترأس الوزارات الكندية العديد من الزعماء من اصول فرنسية ومن مقاطعة كوبيك بالذات وأشهرهم ( بيير ترودو) الذى أحبه الكنديون من أصول بريطانية أكثر مما أحبه شعب كوبيك. الناس فى كندا يعتبرون انفسهم كنديين بالدرجة الأولى ويندر أن يذكر احدهم بلده الأصلي. كل من يحوز على الجنسية الكندية يمكنه الاشتراك فى العملية السياسية ويستطيع الوصول الى مرتبة رئيس الوزراء أو الحاكم العام حتى اذا لم يكن مولودا فى كندا. أذ انهم ينظرون الى المؤهلات وليس الى الأصل اواللون اوالعقيدة اوالدين او المذهب حيث يعتبرونها من الأمورالثانوية الخاصة، على ان هناك نسبة ضئيلة خاصة من الكبار فى السن ومن اصول اوروبية يتعالون على غيرهم من المواطنين، ولكنهم أقلية لا يعبأ بها.

لا أمل فى ان تنقطع دعوات البعض الى فصل كوبيك عن كندا طالما هناك مطامع سياسية وجهلة وحمقى يندفعون بحماس سقيم خلف كل من يدعوا الى الانفصال، وتصيب هذه الدعوات كندا بأفدح الخسائر المادية والسياسية حتى وصل التأزم بين الشعبين فى بعض الأحيان ان طالب بعض الكنديين طرد كوبيك من الاتحاد.
الناس فى فرنسا والولايات المتحدة لا يمكنهم فهم السبب فى ان بعض الناس فى كوبيك يريدون الانفصال، فهم يرون ان كندا هى أحسن دولة فى العالم والذى يريد الانفصال لا بد ان يكون غبيا. وحتى اذا ما تم الانفصال فسيكون فى كوبيك اناس يرغبون فى العودة للاتحاد وهذا سيسبب احتكاكا بين الطرفين وسيخسر الجميع.

نأتى الى العراق وكردستان. الأكراد مجموع نفوسهم يزيد على 26 مليونا موزعون على تركيا (11 مليون) العراق ( 5ملايين) ايران (8 ملايين) سوريا (2 مليون)، وهذه الأرقام تقريبية حيث يدخل ضمنها الأكراد فى أرمينيا واذربايجان. لقد حاولوا منذ مئات من السنين انشاء دولة خاصة بهم وبالرغم من التضحيات الجسيمة التى بذلوها فان الفشل كان نصيبهم لأنهم موزعين بين عدة دول لم توافق على انفصالهم عنها بل وغمطتهم كل حقوقهم الانسانية وخاصة تركيا. المؤشرات كلها تدل على استحالة انشاء الدولة الكردية مهما قدموا من تضحيات، لانه اذا وافق العراق مثلا على الانفصال فلن توافق باقى الدول المجاورة وهكذا. وبدلا من استمرار هذا النزاع الأزلي الذى تسبب فى تخريب بيوتهم ومدنهم وقراهم وتشردهم فى انحاء العالم فانه من الاوفق أن يحاولوا الحصول على ما حصلوا عليه فى العراق من مكاسب سخية فى البلدان الأخرى ويكفوا عن الحديث عن الانفصال والاستقلال ويتعايشوا مع الشعوب الاخرى والاخلاص لها.

لو كنا نعيش فى عالم منصف عادل لاتفقت الدول الأربع المعنية على منح الأكراد الاستقلال التام وينهوا هذه المشكلة المعقدة التى تصيب الجميع بأفدح الأضرار. ان تركيا مثلا تخسرحوالى ستة مليارات من الدولارات ومئات القتلى فى كل عام على حربها مع الأكراد حسب تقديرات الجهات الرسمية. وفى العراق عانينا الكثير منذ تأسيس الدولة العراقية، فقد كانت الحرب مستعرة بين الحكومات الملكية والأكراد معظم الوقت، بالرغم من ان الأكراد احتلوا مناصب كبرى فى البلد ما بين رؤساء وزارات ووزراء وقادة للجيش، وبعد مضي فترة وجيزة من بدء النظام الجمهوري انقلب بعض الزعماء الأكراد على الزعيم عبد الكريم قاسم وعادوا يطالبون بالآستقلال وعاد الاقتتال. وحدث نفس الشيء اثناء الحكم العارفي والبعثيين. كلفت تلك الحروب الحمقاء الأكراد والعراقيين عشرات الألوف من الأرواح ونزح الكثيرون منهم الى خارج العراق بالاضافة الى مليارات الدولارات انفقت على تلك الحروب وجلبت أكبر الضرر على الاقتصاد الوطني.
حاول صدام القضاء عليهم كليا فى العراق بعد الاتفاق مع تركيا، ففى الفترة بين عام 83 و 87 اختفى منهم 300 ألف مدني ثم شن عليهم حرب الأنفال فمسح أكثر من أربعة آلاف قرية من الوجود وقتل مايزيد على مئة ألف انسان.

لو فرضنا جدلا انه تم الاتفاق على انفصال كردستان العراق فكيف سترسم الحدود؟ ماذا عن الأقلية التركمانية؟ ماذا عن كركوك؟ ماذا عن الموصل؟ وماذا عن مئات الآلاف من الأكراد الذين يعيشون فى بغداد؟ كل هذا يعنى عودة الخلافات والحروب المدمرة وويلاتها.

ان مكاسب الأكراد فى العهد الجديد لم ولن يمكنهم الحصول على مثلها فى أية دولة أخرى، ولا بد ان زعماءهم يدركون جيدا انه من الخير لهم شعبا وحكومة اقليمية لو اقتنعوا بالحكم الذاتى الحالى ومكاسبه وساعدوا العراقيين على اجتياز محنتهم الحالية باخلاص، وتناسوا ما أصابهم من ظلم وحيف فى العهود الماضية والذى أصاب كل العراقيين على اختلاف قومياتهم وأديانهم، ليعيشوا بمحبة وسلام مع الآخرين بدلا من المضي فى الاقتتال وما ينتج عنه من دمار.

كندا