السلام السوري- الإسرائيلي: حاجة قيادات مأزومة

بخلاف الإعتقاد السائد و الشائع في العالمين العربي و الإسلامي، المتمثل في أن أمريكا أداة طيعة في يد إسرائيل، ترفض إدارة الرئيس جورج بوش أية مساعي لعودة المفاوضات السلمية بين إسرائيل و سوريا. الأمر الذي يؤكد أن كلتا الدولتان أو القوتان تنطلقان في سياساتهما المعلنة و الغير معلنة من واقع المصلحة القومية العليا. فلا أمريكا اداة في يد إسرائيل، و لا إسرائيل أداة في يد أمريكا، وإنما هنالك حلف و علاقة إستراتيجية تربط بين الدولتين تقوم على أساس المصالح المشتركة و الرؤى الإستراتيجية المتقاربة حيال منطقة الشرق الأوسط و العالم.


الرئيس السوري بشار الأسد إعتاد في المرحلة السابقة، من خلال وسائل الإعلام أو من خلال وسطاء ( في أغلبهم شخصيات أمريكية من أصول يهودية ) على مد يد السلام نحو إسرائيل، وطالب في أكثر من مناسبة و في و سائل أعلام عالمية معروفة بعودة المفاوضات السلمية بين سوريا و إسرائيل. دعواته في إسرائيل ترجمت من قبل متفائلين في الجمهور الإسرائيلي على أنه كرم غير مسبوق، يجب قبوله بغية دفع الخطر عن شمالي إسرائيل من قبل حزب الله و تبديد فرص حرب مرتقبة بين الدولتين. رئيس الوزراء إيهود أولمرت يطرق بدوره على باب البيت الأبيض دقة السماح له بدخول هذه المفاوضات، لانها باختصار تخرجه من مأزقه الداخلي، و تزيد من فرص إستعادة شعبيته في إستطلاعات الرأي.
المعارضة الإسرائيلية التي يتزعمها حزب الليكود بنيامين نتنياهو تلعب بدورها لعبة خبيثة وراء الكواليس. تحركات بنيامين نتنياهو في أمريكا و تحريضه اليهود و أركان الإدارة الأمريكية على رفض السلام السوري حشرت أولمرت في زاوية ضيقة من دون أن ينتبه الى ذلك. لهذا لم نجد سوى تلهثه وراء تحسن في العلاقة مع الفلسطينيين، يؤدي الى وقف عمليات العنف و إطلاق الصواريخ على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة للإيحاء بأنه رئيس الوزراء الذي حقق الأمن و السلام للإسرائيليين.
في مقابل لعبة القط و الفار بين الساسة في إسرائيل، يشعر المرء أن المستفيد من كل هذه العملية هي حركة حماس، التي تزداد شعبيتها و قوتها مع مرور الوقت، فضلا عن بروز قياداتها السياسية أمثال خالد مشعل الذي جعلته إتفاق مكة قائد و زعيم في مستوى أبو مازن، إن لم يكن أعلى منه، يعد أن فتحت بعض العواصم العربية أبوابها الموصودة في وجهه و وجه حكومته طوال العام المنصرم.


مشكلة رئيس الوزراء الإسرائيلي تكمن تحديداً في أن الجمهور الإسرائيلي يميل الى الإعتقاد بأن المفاوضات مع سوريا هي فقط التي تملك حظاً اوفر من النجاح. تستطيع هكذا فرصة أن تزيح حزمة من المشاكل و القلاقل عن دولة إسرائيل و أن تؤمن حدوداً شمالية هادئة ينعم فيها أبناء حيفا و البلدات الإسرائيلية الشمالية الأخرى بالسلام. ذلك في مقابل الموقف الأمريكي الذي يرى في الكرم السلمي السوري مجرد محاولة للإفلات من الضغوط الأمريكية و الأوروبية على السواء. الأمريكيون يستندون في مزاعمهم على أن بشار الأسد هو من أوحى الى حسن نصر الله للعمل على خطف الجنود الإسرائيليين و هو من يعرقل تهدئة لبنانية مع الجانب الإسرائيلي ربما يفضي الى إتفاق إسرائيلي ndash; لبناني في ظل حكومة الأغلبية النيابية في لبنان، فضلا عن تحالفه مع عدوها الأخر إيران أحمدي نجاد، و دعمه لخطط زعزعة الأمن و الإستقرار في العراق. و بالتالي فإن مشكلة اولمرت الأكبر هي في كونه يقدر منافع المفاوضات مع بشار، ليس لإسرائيل و أمنها فحسب، و إنما له ً و لحكومته أيضاً، التي تواجه تحدياً جدياً في المرحلة القادمة في ظل الإستطلاعات المخيبة و المقلقة، و لكنه لا يستطيع فعل أي شئ في ظل الرفض الأمريكي القاطع.


في مقابل أزمة ايهود أولمرت السياسية و الشعبية يبرز أيضاً حرج الموقف السوري و إرتباكه. بشار الأسد خلافاً لما يظهر في العلن، سواءاً من خلال ما تروجها أركان الإدارة الأمريكية، أو ما تعلن عنها وسائل الإعلام، لا يراهن على إيران الى أخر المطاف، و يقرأ في بعض المنعطفات تصادم المصالح السورية الإيرانية. أي أنه يدرك مخاطر الإنجرار وراء التصعيد الإيراني. الأسد بحاجة الى نافذة، يفلت منها الى بر الأمان و تخفف عنه الضغوط الأمريكية. و يرى في النافذة الإسرائيلية السبيل الوحيد الى النجاة. في مقابل ذلك تقول الإدارة الأمريكية ما يلي: لا يجد الدخول من النوافذ. هنالك باب يعلو بعض السلالم. إذا كان الاسد جدياً في السلام فإن عليه أن يطأ درجات السلم بقدمه: الدرجة الأولى في السلم تعني التعاون في جهود تهدئة الوضع الأمني في العراق و منع تسلل الإرهابيين عبر حدوده، و الدرجة الثانية تظهر له لوحة واضحة بالخط العريض: دع لبنان و شأنه. أما الدرجة الثالثة فإنها تقول له: إطرد مشعل و شلح و كل الممانعين للصلح الإسرائيلي ndash; الفلسطيني من دمشق، كل قدم يطأ إحدى هذه الدرجات يعني الإقتراب من مرحلة الإفلات الكامل و الإنفكاك من الخطر.


الإدارة الأمريكية ليست بصدد فتح باب النجاة للأسد، إن لم يف بالشروط الأنفة الذكر. كما أنها غير مهتمة بإنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيلي من ورطته الداخلية، و يبقى الحال على ما هو عليه، طالما بقيت الأبواب موصودة في وجه الزعماء المأزومين.

زيور العمر