(الجنوسة بنية ثقافية) مركريت ميد
إن الحديث عن المرأة يفتح امامك ابواباً من المواضيع المتشابكة والمعقدة احيانا، لقضية عمرها بعمر النظام الذكوري الذي استغرق ستة آلاف عام، مارس فيه الرجل الهيمنة على المجتمع بأكمله. وقد سجل (انجلز) في كتابه (اصول العائلة والملكية الخاصة)، على ان اول قمع مارسه الرجل، كان على المرأة، حتى قبل القمع الطبقي. ومروراً بحضارات وأمم أسست لإقصاء المرأة والنيل منها، فمن تراتيبيات (ارسطو) التي يرى من خلالها، أن النظام الذي يسود العالم، قائم على تراتيبيات هرمية تتصاعد في الدهاء والتعقيد، فالسماوات مقام الآلهة وفيها العقل يبلغ تمامه ودوامه، والأرض ليس فيها هذا التمام ولا الدوام، ومن اجل ذلك فعلى (الاعلى) ان ينفصل عما هو اسفل باسرع وقت، ولأن الذكر امتلك القدرات العقلية العليا والتي لا تمتلكها الانثى، فعليه تكون علاقة الذكر بالأنثى هي (علاقة الأعلى بالأدنى ). وهذه وصايا ( بولص ) الى اهل افسس: (ايتها النساء اخضعن لرجالكن كخضوعكن للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة كما ان المسيح هو رأس الكنيسة). وانك لتجد ما يكاد يقابل ذلك في الموروث الأسلامي، فالفخر الرازي مثلاً يذهب في ( التفسير الكبير) حينما يتناول تفسير قوله تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )، حيث يقول: ( قوله lt; خلق لكمgt; دليل على ان النساء خُلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، كما قال تعالى lt; خلق لكم ما في الارضgt;، وهذا يقتضي ان لا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف، فنقول خلق النساء من النعم علينا، وخلقهن لنا وتكليفهن لإتمام النعمة علينا، لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه الينا، وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى. اما النقل فهذا وغيره. واما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها. واما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة، فشابهت الصبي، لكن الصبي لم يكلف، فكان يناسب ان لا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت تتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد ). التفسير الكبير ج24، ص110. والطبري يروي عن (وهب بن منبه) احد الاحبار اليهود الذين اعتنقوا الاسلام. يروي قصة خروج آدم وحواء من الجنة وكيف عاقب الله حواء بالولادة، اضافة الى صعوبة الولادة، وقال سأدميها كل شهر، وان جعلها (سفيهة) بعد ان كانت (عاقلة). مما تقدم يبدو ان المشكلة ليست مع النص بقدر ما هي مع (الثقافة ) التي من خلالها يُقرأ النص، فالمفسر يلقي بثقافته على النص ليحمله مثل هذا التفسير الغريب، - هذا الموضوع يحتاج الى تفصيل في فرصة اخرى - إستمر التمييز على اساس الجنس (الجنسانية )، وظلت درجة المرأة دون الرجل، فهي مشروع ( النصف والنقص)، نصف عقل ونصف دين ونصف حظ ونصف ديّة....الخ، وجاء الذين يريدون انصافها فأنطلقوا من انها (نصف المجتمع)، ليؤسسوا (لمبدأ المساواة) لاحقاً، لكنهم وللأسف سقطوا في فخ (التنصيف)، بدلاً من الإنصاف، وتعاملوا مع القضية تعاملا احصائياً جافاً، لا يخدم قضية المرأة بقدر ما يحاصرها بلغة الارقام التي تنبذ البعد الانساني الذي لا يلامس القضايا على قدر نسبتها وحجمها (الرقمي)، فحينما نتعامل مع الماء لا تهمنا كم هي نسبة ذرات الاوكسجين الى ذرات الهدروجين، بقدر ما يهمنا اننا نتعامل مع نبع الحياة، فالمرأة نبع انساني، ولا يهمني كم هي النسبة، لتبقى النسب داخل اجهزة الاحصاء، وتأسيساً على مبدأ (التنصيف) نادى انصارها بمبدا (المساواة) ونسوا الأصل وهو (الحرية)، والتي على حد تعبير الفيلسوف (كارل بوبر): (الحرية اكثر أهمية من المساواة، فإذا ما ضاعت الحرية، فليست هناك سبيل لتحقيق مساواة بين العبيد)، فعلاً فالمرأة تفتقر لا الى الحرية فحسب، وانما الى الإحساس بالحاجة الى الحرية، لأنها اقتنعت بفكرة دونيتها التي غرسها في ذهنها الرجل، فصارت هي التي تتبناها، لتثبت انها في موقعها المراد لها ان تلازمه الى الابد. فعلى المرأة ان تنصف نفسها لتساهم بدفع التنصيف عنها.
حسين السكافي
التعليقات