ترتبط "عقدة العيون الملونة" في بعض المجتمعات بجاذبية غير عادية نحو الأفراد ذوي العيون الزرقاء أو الخضراء، لكنها تتجاوز ذلك لتصل إلى رمزية أعمق تعكس مفاهيم التفوق الحضاري والتقدم. هذه العقدة لا تتعلق بمجرد اختلاف لوني بسيط، بل تشكل جزءاً من تصور ثقافي أوسع يرى أن السمات المرتبطة بالشعوب ذات العيون الملونة، خاصة الأوروبية، تتجاوز الجمال لتلمس مفهوم الرقي الحضاري والحداثة والعلم والثقافة.
تاريخياً، تشكلت هذه العقدة نتيجة لتفاعل معقد بين تأثيرات استعمارية وأفكار ثقافية واجتماعية تركت بصمتها على كيفية رؤية الناس لهذه السمات الجينية النادرة. الإرث الاستعماري كان له دور محوري في تكوين هذه العقدة؛ فقد جسدت الحقبة الاستعمارية الأوروبية نوعاً من الهيمنة الثقافية والفكرية التي عززت تصورات معينة حول الشكل والسمات المثالية. من هذا المنطلق، ارتبطت ملامح مثل العيون الملونة والبشرة الفاتحة بفكرة التفوق والنخبوية، مما جعل هذه السمات تبدو كرمز للتقدم والرقي.
هذه الفكرة لم تقتصر على الأجيال الماضية فقط، بل توغلت في أعماق الثقافة الجمعية وترسخت في عقول الكثيرين، ليصبح الأشخاص ذوو العيون الملونة يُنظر إليهم كأفراد ينتمون إلى ثقافات متقدمة، وكأنهم يحملون بذور الحضارة داخل جيناتهم.
الإعلام المعاصر، بدوره، أسهم في تأكيد هذه النظرة، حيث تعرض صناعة الترفيه العالمية، التي يهيمن عليها الغرب، الكثير من النماذج التي تعزز فكرة أن العيون الملونة ميزة تجذب الانتباه وتجسد الجمال والنجاح. الأفلام والإعلانات والمشاهير الذين يظهرون بهذه السمات، خاصة في الثقافات غير الأوروبية، أسهموا في تأصيل هذه العقدة، حيث أصبح المجتمع يرى في العيون الملونة نوعاً من التفوق الجمالي والثقافي.
إقرأ أيضاً: شعب الباجو: غجر البحر الذين يعيشون بين الأمواج ويتحدون الزمن
هذا التأثير الإعلامي لا يتوقف عند حد الإعجاب، بل يمتد ليصل إلى مفهوم الندرة والنخبوية، حيث تبدو العيون الملونة كرمز للتميز، وكأنها صفة تترافق مع مستوى معين من الجودة البشرية.
لا يمكن إغفال تأثير مواقع انتشار العيون الملونة أيضاً. فغالبية هؤلاء الأفراد يعيشون في مناطق تُعتبر مراكز للتقدم التكنولوجي والعلمي، كأوروبا وأميركا الشمالية، مما أدى إلى خلق ارتباط ذهني بين لون العين والحضارة الحديثة، في ظاهرة تعكس افتراضاً لا شعورياً بأن هذه الصفات البصرية دليلٌ على انتماء إلى ثقافة متطورة.
هذه الصورة النمطية أدت إلى ظهور العقدة، التي تجعل بعض المجتمعات تضع قيمة إضافية على العيون الملونة، باعتبارها رمزاً للتفوق الحضاري.
إقرأ أيضاً: هل نحن وحدنا في الكون؟
لكن لفهم هذه العقدة وتجاوزها، ينبغي إدراك أن التميز لا يأتي من السمات السطحية. فالعيون الملونة ليست سوى نتيجة لطفرة جينية، ولا تعكس بأي شكل قدرات أو قيماً استثنائية. التقدم والتطور الحقيقيان يأتيان من العمل الجماعي والفردي، ومن السعي المستمر نحو المعرفة والإبداع، لا من لون العين.
هذه العقدة توضح كيف أن السمات الجينية يمكن أن تُحمل بمعانٍ لا تمت بصلة لحقيقتها البيولوجية، ما يخلق أوهاماً حول التفوق والتطور.
باختصار، عقدة العيون الملونة تعكس تصورات عميقة مترسخة في ذهنية بعض الثقافات، لكنها تُظهر في الوقت ذاته كيف يمكن للإنسانية أن تتجاوز هذه الأفكار السطحية نحو فهم أعمق لماهية التقدم. فمن الضروري النظر إلى التميز من منظور يُعلي من شأن العلم والعمل، وليس من خلال لون عابر في قزحية العين.
التعليقات