أكثر من خمسة عقود من الدكتاتورية والطغيان والاستبداد والظلم والفئوية وسرقة المال العام أصبحت اليوم في عداد التاريخ الأسود للدولة في سوريا، وقبرتها ثورة سوريا التاريخية التي امتدت ثلاثة عشر عاماً من الكفاح المتواصل والمحن التي عاش خلالها الشعب السوري أشد وأقسى عمليات الإبادة والتشريد. بعد مكابدات وضحايا ودماء أهرقت على مذبح الحرية، انتصرت الثورة السورية المباركة (وما النصر إلا من عند الله).

وهل انتهى الأمر هنا؟ بالطبع لا. فكل ثورة لا بد أن تكون لها ارتدادات وأعداء يتربصون بها. لذلك، من الضروري التسلح بالوعي الكامل، وأخذ الحيطة والحذر لاستكمال طريق البناء وصولاً إلى تحقيق أهداف الجماهير المنشودة.

القوى الداخلية لا تتفق كلها مع هيئة تحرير الشام عقيدة ومنهجاً، وإن ادعى بعضها عكس ذلك، ومنهم (اليساريون، البعثيون، القوميون السوريون الاجتماعيون، وبعض الأحزاب الدينية…). أما القوى الخارجية غير المتفقة مع هيئة تحرير الشام فهي كثيرة (أغلب الدول العربية وإن أظهرت عكس ما أضمرت)، إضافة إلى الدول الغربية وعلى رأسها أميركا وإسرائيل. هؤلاء لا يتفقون مع الإسلام السياسي مهما كان شكله أو تسميته، لأنه بنظرهم يمثل التطرف الديني غير القابل للتعايش مع الآخرين بروح العصر ومعطياته.

لذلك، هناك الكثير من التوجس والمخاوف على الثورة السورية بعد إسقاطها للأسد وزبانيته، وهناك ذيول ما تزال تشكل جيوباً سرية قابلة للتحرك في وقت من الأوقات، وأيضاً بعض الأذناب التابعة لملالي إيران. علماً أن الشعب السوري بأغلب شرائحه وفئاته يساند الثورة التي انتصرت، شاء من شاء وأبى من أبى، ويتطلع لملامسة إنجازاتها في إعمار سوريا وازدهار اقتصادها وأمنها الوطني.

سوريا، التي تحولت في مجملها إلى ركام من الأبنية والضحايا، تحتاج من وجهة نظرنا والمهتمين الصادقين بشأن سوريا وانتصار ثورتها وشعبها إلى مناصرة شرفاء وأحرار هذا العالم، بدءاً من الدور الهام الذي يجب أن يلعبه أهل الفكر وأصحاب الرؤية الرشيدة.

نحتاج جميعاً إلى المزيد من التنوير والإسهام بنقاء ووضوح ليطمئن قلبنا وقلوب المخلصين على مستقبل سوريا، بعيداً عن إثارة الفتن وزرع اليأس في الأرجاء. لنبني تصوراً منصفاً قد يكون قاعدة فكرية لأقلام مناصرة للثورة السورية لكي تبلغ أهدافها.

الثورة السورية ورثت دولة من ركام دام معول الهدم فيها أكثر من خمسة عقود على يد عائلة الأسد وشركائها وما نشأ على الأرض من قوى وعصابات معادية للشعب السوري وجواره وهويته وتاريخه، بالإضافة إلى ما سبق ذلك من حقب تدميرية.

بالتالي، فإنَّ مسؤولية بناء سوريا الجديدة مسؤولية إقليمية ودولية، إذ لا يمكن لأي حكومة وطنية سورية أن تنهض بمفردها بهذا الواقع الأليم والموروث الثقيل من دمار وخراب. مجرد إعادة المهجرين والمشردين قد يتطلب مجهود دولة بكامل مؤسساتها تتفرغ لهذا الأمر دون غيره.

النوايا الطيبة لأبناء سوريا تجاه وطنهم حاضرة على الدوام، ولا تنقصهم الكفاءات ولا الخبرات. وإني لأرى أن الحكومة المؤقتة الحالية هي أشبه بحكومة تكنوقراط لديها خبرات ستوظفها بالشكل الأمثل من خلال متابعتها الميدانية وخططها الانتقالية. ويبدو أنها تسعى للتحرك بانطلاقة قوية لترسيخ قيم عملية تعطي النتائج المرجوة الصالحة للنهوض بالوضع السوري المعطوب بداية.

يعي قادة ثورتنا المباركة وشعبنا الواعي ضرورات المرحلة ومعطياتها بعد زوال تلك الحقبة السوداء إلى دهاليز التاريخ المظلمة.

في سوريا الجديدة، لن يكون هناك مكان لمن تورطوا بدماء السوريين وأساءوا للسيادة الوطنية السورية، ولن يكون هناك من يمد يده لأعداء الثورة كملالي إيران وأتباعهم.

سنبقى في سوريا الثورة نترقب انتصار الشعب الإيراني وثورته وقيام جمهوريته الديمقراطية الحقيقية وفق برنامج المواد العشر الذي تتبناه زعيمة المقاومة الإيرانية مريم رجوي.

قد صرح ثوار سوريا بأن الشعب الإيراني شعب صديق يسعى لحريته جاهداً، وقد قدم الضحايا وسيقدم حتى يتخلص من طغاته الذين لاقوا الخزي والانكسار بعد تراجعهم وانسحابهم القسري أذلاء صاغرين من سوريا هم وأذنابهم.

سيلملمون أذيال خيبتهم، وسينالون جزاءهم العادل على يد وحدات المقاومة التي سيكون سقوط الملالي على أيديهم في إيران، وإن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب.