في عالم اليوم، أصبح مفهوم "العمق الاستراتيجي" واحدًا من أبرز المفاهيم في السياسات العسكرية والأمنية. استخدم نظام الملالي الإيراني، خاصة في ظل قيادة خامنئي، هذا المفهوم كأداة للحفاظ على الحكم وقمع الاستياء الداخلي. تتناول هذه المقالة جوانب مختلفة من العمق الاستراتيجي وكيفية استخدامه كأداة لتصدير الأزمات والحروب.

مفهوم للحفاظ على الحكم
منذ بداية حكمه، أسس نظام الملالي سياساته على محورين رئيسيين: تصدير الأزمات والقمع الداخلي. يُعرف العمق الاستراتيجي كأحد الأدوات الرئيسية لهذه السياسات، بمعنى نقل الحرب والأزمات من داخل البلاد إلى خارج الحدود. تتيح هذه الاستراتيجية للنظام خلق توتر وأزمات في الدول المجاورة، مما يمنع انتقال الاستياء الداخلي إلى مركز قوته.

تأسس الحرس الثوري، كالقوة الرئيسية للقمع وتوسيع نفوذ النظام، منذ البداية لدعم هذه السياسات. سعت قوة القدس، كفرع خارجي للحرس، إلى إنشاء "إمبراطورية مزعومة إسلامية" في المنطقة. تدعم هذه القوة العسكرية الجماعات الوكيلة والمليشيات مثل حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن، في سعيها لتوسيع نفوذ النظام في دول المنطقة.

تأثيرات العمق الاستراتيجي على السياسات الداخلية
يعرّف نظام الملالي العمق الاستراتيجي ليس كأداة للدفاع عن الشعب الإيراني، بل للحفاظ على حكمه. اعترف قادة النظام مرارًا أنه إذا لم يكن لهم وجود عسكري في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فسيتعين عليهم القتال مع شعبهم داخل البلاد. تُظهر هذه الحقيقة أن العدو الحقيقي للنظام هو الشعب الإيراني ومطالبه من أجل الحرية والعدالة.

مثال تاريخي: حرب إيران والعراق
تعتبر حرب إيران والعراق مثالًا بارزًا على سياسة تصدير الأزمات والتوسع لنظام الملالي. رفض خميني قبول الهدنة بشعار "فتح القدس من خلال كربلاء"، ورأى الحرب كـ"نعمة" لبقاء النظام. استخدمت هذه الحرب كأداة لقمع المعارضين الداخليين وتنظيم القوات القامعة مثل الحرس الثوري. أكد قادة الحرس أنه لولا الحرب، لكان النظام قد انهار.

تصدير الأزمات وإنشاء الجماعات الوكيلة
بعد انتهاء حرب إيران والعراق، استمر نظام الملالي في سياسة تصدير الأزمات من خلال إنشاء الجماعات الوكيلة والمليشيات في المنطقة. حزب الله في لبنان، أنصار الله في اليمن، لواء فاطميون في أفغانستان، وقوات الحشد الشعبي في العراق، هي جميعها نتاج هذه السياسات. سعى النظام، من خلال التدخل في الدول المجاورة، خاصة في سوريا والعراق، لاستخدام هذه الدول كدرع أمني وخط دفاعي له.

تحليل الوضع الحالي
اليوم، وبالنظر إلى الوضع المتزعزع للنظام في سوريا والعراق، تأثر العمق الاستراتيجي للنظام بشكل ملحوظ. إن سقوط بشار الأسد وعدم القدرة على الحفاظ على نفوذه في الدول المجاورة يعني فقدان واحد من أهم أذرع نفوذ النظام في المنطقة. يمكن أن تؤدي هذه الوضعية إلى زيادة الأزمات الداخلية والاستياء الشعبي الذي يسعى النظام لتجنبه.

الخاتمة
أشارت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في مؤتمرها عبر الإنترنت في مجلس الشيوخ الأمريكي في 11 كانون الأول (ديسمبر)، بوضوح إلى التحديات التي تواجه نظام الملالي، قائلة: "إن تحولات الأيام الأخيرة، بما في ذلك سقوط الديكتاتورية السورية، تمثل ضربة استراتيجية للنظام الإيراني". وأضافت أن القوة الوكيلة للنظام، أي حزب الله في لبنان، قد تعرضت أيضًا لأضرار جسيمة. وأكدت أن "ليس هناك شك في أن الحرس الثوري وجميع أجهزة قمع النظام لن تكون قادرة على مواجهة غضب الشعب الإيراني والانتفاضة العامة".

ومع ذلك، يسعى خامنئي إلى إشعال الحروب لتشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية، لكن هذه الحروب، كما أشارت رجوي، هي "الملاذ الأخير للدكتاتوريات التي وصلت إلى حافة الهاوية"، وقد أثرت بالفعل بشكل عكسي.

تظهر سياسة العمق الاستراتيجي وتصدير الأزمات كأدوات لبقاء نظام الملالي، في الواقع، ضعفًا أساسيًا في هذا النظام. من خلال استخدام هذه السياسات، يسعى النظام إلى تجنب الانتفاضة الشعبية والحرب الحقيقية بين الشعب الإيراني ونفسه. لكن الحقيقة هي أن هذه السياسات تؤدي فقط إلى زيادة الاستياء والفقر داخل البلاد، وفي النهاية، سيضع الشعب الإيراني حدًا لهذه السياسات الإجرامية في المستقبل القريب. مع الأخذ في الاعتبار الظروف الحالية، يبدو أن وقت التغيير قد حان، ويمكن للشعب الإيراني، من خلال التضامن والإرادة القوية، أن يحقق مستقبلًا أفضل.