من اهم التصنيفات المستحدثة نسبياً تقسيم قوى المعارضة الى معارضة خارجية ومعارضة داخلية، وهذا التصنيف يقتصر حصراً على البلدان المحكومة بانظمة شمولية استبدادية، وسوريا للاسف تشكل حالة نموذجية لهذه الظاهرة الشاذة، فبحكم الطبيعة الاستبدادية للنظام السوري برز جيش من المعارضين في خارج البلاد، اما هرباً من بطش الاجهزة القمعية لايجاد ملاذ امن او بحثا عن حياة افضل بسبب تفشي الفقر والتعتير التصاعدي المتزامن دائما مع استمرار النظام الحالي وبقاءه في سدة الحكم.

على الرغم من وحدة الهدف والمصير المشترك الجامع للمعارضة السورية على اختلاف مشاربها واتجاهاتها، وانتماء مختلف فصائلها الى جموع المضطهدين والمسحوقين، تنقسم المعارضة السورية على نفسها وتصنف الى داخلية وخارجية، وهذا التقسيم والتصنيف يهدف بالدرجة الاولى الى تشتيت المعارضة السورية واضعافها، ويخدم بالتالي النظام السوري فقط دون سواه، ومن خلاله يتم الفصل بين المعارضة الواحدة في البلد الواحد، والمتضرر الاكبر من جراء مثل هذا التقسيم هي القوى المعارضة في خارج البلاد، حيث تتعرض لعملية ابتزاز شديدة للحد من سقف مطالبها وتقييد تحركها واتصالاتها الخارجية وتشويه صورتها امام الرأي العام السوري.

يعتقد البعض ان وجود المعارض خارج البلاد يجعله خارجاً عن القانون حيث يعارض كما يشاء ودون قيود وشروط، على عكس معارض الداخل الذي يخضع لرقابة شديدة من اجهزة الامن التي لا تحصى وضغوط وعقوبات صارمة تجبره ليكون حذراً واكثر واقعية ووطنية، وكون محسوبكم كاتب هذه السطور يعيش في المهجر الاضطراري بعيدا عن سوريا بالاف الكيلومترات، والوسيلة المثلى للاتصال بالداخل من البشر يكون عبر جهاز الكومبيوتر الذي املكه، والتقي من خلاله بالداخل السوري مخترقاً كل السدود والحدود والفيروسات الالكترونية والبشرية، واتلقى العديد من الرسائل الالكترونية اليومية، واتهم في ثنايا تلك الرسائل ومن اصحابها مباشرة ومع وقف التنفيذ طبعاً بالتنظير والمزايدة واللاانتماء، ليس فقط من مرتزقة النظام وازلامه، بل حتى ممن يحسبون على القوى المعارضة، وقد وصل الامر باحدهم ان اتهمني مباشرة بان لي عداء شخصي مع سيادة الرئيس بشار الاسد، بالرغم انني لم التقي بالرجل ولا اعرفه الا من خلال الصور المعلقة على جدران الشوارع، وعلى شاشات التلفاز وورق الجرائد، لكنني اعترف بجرمي وبكل صراحة، ولكل من يهمه الامر انها بالفعل مسألة شخصية، ولما لا، فهو اصغر مني بسنتين فقط، وكلانا ننتمي الى حقبة الستينات من القرن الماضي، ونحن الاثنين اكاديميين هو طبيب وانا حقوقي، هو لايعمل كطبيب وانا لااعمل كمحام، فهو ليس بحاجة لعيادة طبية يرتزق منها هو وعائلته لانه يملك سوريا من اقصاها الى اقصاها، ويسكن القصور وله جواري وحاشية وخدم، وانا لا اعمل كمحام لان بلد الاغتراب الذي انا في ضيافته الى ماشاء الله، لايعترف بتحصيلي العلمي رغم حاجتي القصوى لتلك الشهادة في سعيي الدائم لحياة افضل، هو يحكم ويتحكم بمصير شعب بكامله وانا مهاجر لا املك شيئا سوى مصيري ومصير زوجتي، الرئيس يلبس افضل ماركات الالبسة الايطالية والفرنسية وانا احسب الف حساب قبل ان اشتري بنطال من النوع العادي جداً، نعم انه خلاف شخصي، فهو مواطن سوري مثلي مثله، رغم الاختلاف الجذري بيني وبين سيادته في الموقف من البلد السوري، فهو يريد سوريا منظبطة مستقرة في الفقر والجوع والشعارات القومية وانا اطمح لبلد فيه حراك دائم لايعرف الاستقرار الا عندما يصل الى مصاف البلدان الحرة والرفاه الاجتماعي والاقتصادي، وهو يحكم البلد بقبضة من حديد واجهزة مخابرات وسجون واقبية مظلمة، وانا احلم ببلد خال من المخابرات والسجون وفيها اطنان رخيصة من الحديد للاعمار والبناء، والرئيس لا يؤمن بالحرية والمساواة كمصدر للابداع والتطور وانا اعتبر الحرية والمساواة والديمقراطية هي من اولويات الحياة الكريمة لابناء سوريا.

لو افترضنا جدلاً انني والالاف المؤلفة من المعارضيين السوريين في خارج البلاد لنا مشكلة شخصية مع سيادة الرئيس، لابد ان يكون في المقابل لسيادته مشكلة شخصية معنا ومع اولئك المعارضيين التعساء، ربما واقول ربما والله اعلم، الرجل لا يعجبه كوننا احرار في بلاد الغربة ونتمتع بالحرية الكاملة في التعبير والتفكير والخروج عن التقاليد الصارمة، الى درجة تعلمنا من اهل الغرب المتحضر قلة الذوق وعدم حفظ المقامات التي تصل الى مصاف العبودية في بلادنا، وتعلمنا في منافي الغربة الموحشة ان الرؤساء مجرد موظفين لدى الدولة وليس العكس، يقبضون معاشات مقابل خدماتهم المضنية والجليلة لابناء شعبهم وليس العكس، وهم ضيوف على قصور الرئاسة لمرحلة انتخابية واحدة او اثنتين على الاكثر وليس العكس، وربما يشكك رئيسنا حفظه الله ورعاه في ابناء بلده من المهاجرين ولايحبذ تمردهم على سلطاته المطلقة وسياساتها الهادفة الى استقرار البلاد في غياهب الظلمات والفساد في ظل حكمه اللامحدود لا زماناً ولا مكاناً.

من المؤكد ان خلافي وخلاف المعارضة مع النظام السوري هو خلاف في قضايا وشؤون مصيرية عامة تخص بلداً بكامله وليس شخصاً بحد ذاته، لكن كون النظام السوري له رأس واحد يتحكم بمصيرنا ومصير بلدنا ويتحكم حتى في مصير النظام نفسه، لابد لهذا الامر ان يضفي على طبيعة الخلاف القائم صبغة شخصية، لكن الهدف يبقى سامياً والحلم يبقى قائماً، ببلد مزدهر وشعب حر وكريم والله ولي التوفيق.


درويش محمى

كاتب كردي سوري


[email protected]