إن تاريخ الأحزاب العلمانية فى مصر، هو تاريخ طويل حافل بالتمزُق و عدم الأستمرارية. لقد كان لمصر نظاماً حزبياً متكاملاً يغطى شريحة كبرى من الشعب المصرى بين تيارات مهنية و نقابية إلى ليبرالية و أشتراكية/شيوعية، و ذلك منذ عام 1932 إلى عام 1952. بعد أعتلاء الضباط الأحرار الهرم القيادى فى مصر بقيادة جمال عبد الناصر و إعلانه الجمهورية بعد الثورة، حُرّمت الأحزاب السياسية و أوقف جميع مظاهر النشاط السياسي و أستبدل النظام التعددى بنظام الحزب الأوحد و قام بانشاء هيكل نظامى يشبه الحزب ليعوّض غياب الأحزاب و الجماعات السياسية على الطريقة اللينينية هو الأتحاد الأشتراكى العربى وهو مزيج بين الأشتراكية (كأيدولوجية و أطروحة إقتصادية) و بين القومية العربية كهوية مُفتعلة و مُصطنعة لتحقيق بُعد أقليمى لثورة الضباط الأحرار فى مصر.
فى هذه الدراسة سنهتم بوضع الأحزاب العلمانية فى الوسط السياسيى المصرى و سنسرد بعض العوامل التى تسببت فى شللها التام منذ أن أعاد السادات درجة من التعددية السياسية سنة 1976. بشكل عام يصل عدد الأحزاب السياسية ذات التوجه العلمانى أكثر من عشرين حزباً. و رغم النمو الكمى بقى نظام التعددية الحزبية فى مصر يعانى من أفتين حقيقيتين: الأولى، هى تحّول الحزب الوطنى الذى أنشاءه السادات إلى الحزب المُهيمن على المسرح السياسي المصرى، الرئيس هو من يتولى رئاسة الحزب و هذا يجعل من الحزب منظومة موازية فى حد ذاتها مع منظومة الدولة و مؤسساتها. الأفة الثانية، هى مجموعة القوانين و التشريعات التى وضعتها الأغلبية البرلمانية من أعضاء الحزب الحاكم لتقييد و الحّد من دور الأحزاب الليبرالية و اليسارية المعارضة لها. و نجد أن النظام المصرى الذى تبنى الشريعة الأسلامية كمصدر رئيسى و أوّلى للدستور يقمع الجماعات العلمانية قمعاً شديداً عند محاولتها إنشاء حزب مُرخص و شرعى. ففى يناير العام الحالى 2007، نبذت المحكمة المختصة بتراخيص الأحزاب أثنى عشر طلباً من أثنتى عشر جماعة بينها إحدى عشر جماعة تملك برامج ذات توّجه علمانى ( من بينها الحزب المصرى الليبرالى). علاوة على ما سبق فإن الأحزاب المُرخصة فعلياً لا تنجو من بطش السلطة و قمعها، فكثيراً ما تعانى من الأعتقالات بين صفوف نشطائها ناهينا على القيود التى يمارسها جهاز الأمن المصرى على إجتماعاتهم و أنشطتهم الحزبية.
لكن عند البحث فى نمط النشاط الحزبى و السياسي للجماعات و الأحزاب العلمانية وجدنا الأتى: أن أصحاب التيار العلمانى المصرى هم السبب الأول فى تراجع فكرهم على الساحة السياسية المصرية. فبمقارنة بسيطة بين الحيز المتاح للجماعات و الأحزاب العلمانية و الحيز المتاح لجماعة الأخوان المظورة سنجد أن النجاح الذى حققته الأخيرة مقارنة بما حققته أحزاب المعاضة العلمانية سنجد أن الأخوان حققوا نجاحاً مزهلاً بالنسبة لحال جماعتهم المقموعة بشدة. هذا يرجع فى نظرنا إلى ضعف المؤسسات الأدارية و الهيكلية للجماعات العلمانية فى مصر بالأضافة إلى إستهلاك البعض لقوى و موارد الجماعة الواحدة فى الصراعات الداخلية لمجموعة أو لحزب. من جهة أخرى نجد التجمد الديمقراطى فى البناء الهيكلى للأحزاب العلمانية سبب فى عزوف البعض عنها، فنجد تناحر على رئاستها يصل لحد أستأجار أصحاب السوابق فى المشاجرات بين القوى المختلفة داخل الحزب ذاته.
أما عن موقف الأقباط الذين يمثلون قرابة الـ15% من الشعب المصرى، فهم يمثلون قاعدة أنتخابية هامة لم تبذل الأحزاب العلمانية جهداً من أجل تعبئتها و حشدها فى صفوفها. فالأقباط متخوفون من تفشى الحركة الأسلامية فى المجتمع المصرى و مؤسساته، و رغم أن مخاوف الأقباط جديرة بالتفهم و يتشاطرها البعض إلا أن الأحزاب العلمانية لم تستثمر هذه التخوفات لصالحها. فى ذات الوقت فإن الحزب الوطنى الديمقراطى بقيادة مبارك كان على الدوام قادراً على توظيف هذه المخاوف من أجل كسب أصوات الأقباط لمصلحته. كما أنه بالفعل قادراً على التحكم النسبى فى الخطاب الرسمى للكنيسة المصرية الأرثوذكسية بقيادة البابا شنودة الثالث. و مع ذلك يبقى الأقباط ناقصى التمثيل فى السياسة المصرية و يبقى قرابة الـ90% منهم غير مهتمين بالأنتخابات. هذا الموقف يمنح الأحزاب العلمانية فرصة لا بأس بها لبناء شبكات دعم من خلال قادة أقباط من داخل الأقباط أنفسهم.
على سبيل المثال الصراع المحتدم على رئاسة حزب العربى الديمقراطى الناصرى بين امح عاشور و ضياء الدين داود الذى يترأس الحزب منذ حصوله على الترخيص سنة 1992.
أحداث العنف داخل مقر حزب الوفد، http://arabic.cnn.com/2006/middle_east/4/2/alwafd.clashes/index.html
نائبة رئيس حزب الغد سابقاً هى منى مكرم عبيد.
نليل شكري
التعليقات