هناك بلوى حقيقية وهي أننا عرب نعيش بعيدا عن كل حركة طبيعية لهويتنا. ومهما انعزل واحد منا، سيجد نفسه أيضا محاطا بأردياء من أبناء جنسه.. وكأن البلدان العربية لم تصدر إلى أوروبا إلا أسوأ الأنواع الأدبية والصحافية والفنية والسياسية، وكل واحد من هؤلاء تراه يقدم نفسه كعبقري زمانه وهو عين الأمية والجهل. هذا الوضع يدفع المرء إلى الغضب الحاد وبالتالي إلى تعميم غضبه على البلدان التي ينتمون إليها هؤلاء الأردياء.

سوري قال: لم التق بعراقي سافل، ولم يشكو من سفالة العراقيين
وعراقي قال: لم التق بسوري حرباوي ولم يشكو من حرباوية السوريين
ولبناني قال: لم التق بمصري دجال ولم يشكو من دجل المصريين..
وإلى آخر الاسطوانة التي تصح على أي شخص ومن أي بلد. فالعالم مليء بهذه النماذج وتحمل كل الجنسيات.

لكن هذه أمور معروفة لكل شعب وفي كل مكان من العالم، وتمارسها كل الأجناس والأعراق. الفرق هو أن الناس الآخرين لهم هموم أخرى أكثر صميمية وأهمية من قيل وقال العربان. إذا، ليس هناك سوى حل وسط وهو أن تقلل لقاءاتك وأن تبتعد قليلا عن هؤلاء البضعة أشخاص، وأن لا تقرأ لهم، انساهم وستتأكد أن لاوجود لهم إلا في ذهن من يراهم بعبعا. تصور انك فجأة وجدت كتلة غائط تتوسط الرصيف الذي تمشي عليه، بالتأكيد سوف لن ترفسه وإلا ستتسخ، وإنما ستهرب إلى الرصيف الآخر وتتابع طريقك كأي مهزوم...لكنك احتفظتَ، على الأقل، باتزانك، صفة الإنسان السوي الوحيدة. نعم هناك quot;عربquot; سلوكهم يجعلهم متساوين وكتلة الغائط هذه! والمواجهة الممكنة الوحيدة معهم هيالعبور إلى الرصيف الآخر من الحياة.

يجب ألا تنساق...، بسبب شخص سيء يلصق بك كل التهم فقط ليبدد الشبهات التي حوله.

من الأفضل أن تحتفظ بهدوئك، تذكر الأسماء والأعمال التي أنتجها البلد الذي ينتمي إليه المسيء إليك. لك كل الحق أن تنفجر غضبا وحدّة لكن ضد الذين ينتمون إلى بلدك أنت. فهذا أمر منطقي، بل مطلوب أحيانا. لأنه يعبر عن شعور نقدي تجاه الذات. نيتشه لم يشتم الفرنسيين ولا الانجليز وإنما شعبه الألماني، مع الاعتذار لنيتشهعلى المقارنة. أن كنت تشعر بضرورة تصفية حساب معالآخر، وبأسلوبك الانفعالي... إذا، من الأفضل، أولا،أن تدخل غرفتك وتسد الباب وتفرّغ نفسك صراخا، شتما، ولكْما إلى أن تشعر أنك سحقت شبح هذا الآخر المنعكس على صفحة المرآة... عندها افتح الباب، دع الهواء يدخل، فكر مليا، احبس عواطفك ثماكتب بثقة متزنة وإلا سيؤخذ نقدك حتى لو كان صحيحا، كمجرد شتيمة عرقية تنطوي على جرح نرجسي، كبت ما.
أعرفُ أن هناك من ينجر إلى شتم شعب فقط لأن، مثلا،مسؤول القسم الثقافي لجريدة ما رفض أن ينشر له نصا... يالمأساة أمجد ناصر، عباس بيضون، حسن طلب ... كم من مرة كيلت الشتائم على أناس بلدانهم، لأن (أمجد، عباس، طلب) رفض أن ينشر خبرا أو نصا لبائس ما...

هنا نموذج مما يحصل لي، عندما أشرح وبكل معقولية لشخصأنه غير ممكن نشر ماددته أما لأنها منشورة سابقا، أو لأنهاتنطوي على شتائم قد تسبب لنا مشكلة قانونية.. أو كما طلب مني هذا النموذجبأن ننشر لهخبر دعوةإلى قراءة شعرية بائسة له.
قلت له:
- نحن جريدة وليس تكية أصدقاء أو لائحةساعاتقراءاتفي مدرسة ابتدائية، وثانيا إذاننشر هذه الدعوة، ستصلنا آلاف الدعوات من شعراء من أمثالك يطالب اصحابها أن ننشرها اسوة...نفضل أن يحضر مراسل لنا القراءة ويكتب فيما بعد تغطية لها مع صور.. ألا تعتقد... كما اني لا أفهملماذا تريد أن يُنشر خبرٌ عن الساعة التي ستتم فيهاقراءتك؟

أجاب وبلغة يشوبها مرض العظمة الخطير:
- حتى يحس الشعب العراقي أن التعتيم رُفِعَ عنه!!!

أردت أن أنصحه بأن يرى طبيبا نفسيا... اغلقت السماعة. بعد يومين يتصل بي تلفونيا ويطلب بكل صفاقة:
- quot;أريد أن اعمل حوارا مع زوجتي لأنها تدير جمعية في أحدى المدن الصغيرةquot;
قلت له:
- عندما يكون لها نشاط ذو شأن نحن سنحاورها.
أخذ يشتم إيلاف السعودية، وكيف أعمل فيها وأنا السوريالي والملحد... والى آخر ما أنا ملتزم به إلى اليوم، بينما هو تشقلب ألف مرة ومن أجل درهم طائفي القفا!!! على أن ما هو مدهش في كل هذا هو أن تداعياته اللاواعية لم تسمح له أن ينتبه إلى تناقض كبير بين قريحته السيالة بالأخطاء النحوية ورغبته الدفينة في أن يظهر أسمه في إيلاف السعودية.

كان الوقت مساء... فكرت أن أتصل به وأساله إذا كانت زوجته تدير جمعية الرفق بالعربان، فهذا شيء جديد ويستحق التغطية الكبيرة له.
لكن... فيلم كابوي أمريكي، كان قد بدأعرضه في التلفزيون، جلب انتباهي فتابعته بمتعة لا نظير لها إلىنهايته حيث مواجهة رائعة بين هنري فوندا وانتوني كوين.. بعدها أطفأت التلفزيون وخلدت إلى النوم مطمئنا إلى أن كل نقاش مع أردياء يجعلك رديئا.