إن مناقشة ما صدر عن هذا المؤتمرمن وثائق، نراها ضرورية ليس من أجل هذا المؤتمر ونتائجه وحسب، بل من أجل استمرار الحوار السوري- السوري، بالدرجة الأولى هذا الحوار الذي يجب أن يكون هو القاسم

المؤتمر العام لجبهة الخلاص1
المشترك بين جميع أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج- ومابينهما- كنت في الحقيقة أنوي البدء بمناقشة المردود الكوردي في هذا المؤتمر، ولكن مع وصول الوثيقة الصادرة عن المؤتمر والمعنونة- رؤية الجبهة لسورية المستقبل- هذه الوثيقة التي تم مناقشة مسودتها في المؤتمر، وكنت من الذين سجلوا ملاحظات على مسودتها، وتبين لي الآن بعد قراءة هذه الوثيقة، أنه لم يجري تعديل أي نقطة بناء على المداولات التي تمت حو هذه الوثيقة من عديد من المتحدثين! ماهو السبب؟ ربما يعتقد التياران القومي والإسلامي داخل المؤتمر أنهم الأكثرية وحتى داخل الأمانة العامة السابقة، لهذا أبقوا على نصهم كما هو بدون أي تعديل. وعلى هذا الأساس نجد من الضروري إعادة نقاش هذه الورقة وإيراد الملاحظات التي وضعت عليها أثناء المداولات داخل المؤتمر.


تقول الوثيقة- التأكيد على الهوية العربية الإسلامية للشعب السوري. وهذا حرفيا كما جاء في الوثيقة التي تم نشرها للرأي العام بدلا من التأكيد على الهوية الوطنية السورية التي لم توجد بعد، ولازالت مبعثرة مشتتة وأين هي رموز هذه الوطنية السورية في هذا الخطاب! ثم جاء في نفس الفقرة- إن دولة العلم والمعرفة والحداثة والأصالة تتطلب إعادة النظر بصورة شاملة بجميع مناهج التربية والتعليم في مراحلها المختلفة، في إطار التمسك بهوية الأمة وثوابتها..الخ وبالضبط هذه الفقرة هي ما اعترضت عليها كغيري من الحاضرين من جملة اعتراضاتي داخل المؤتمر. والآن اتوجه لنفس الأمانة العامة الجديدة لتجيبنا على سؤال: ماهي ثوابت الأمة التي يريدون زرعها في الأجيال السورية؟ وأنا في الحقيقة مصر كعضو مشارك في هذا المؤتمر على سماع الجواب! وسأترك هذه النقطة بعد سماعي لجواب أتمنى أن يكون مادة لحوار جدي حول هذه النقطة الخطيرة. ولكن إلى متى سنبقى في فضاء الإنشاء اللفظي السياسي المجاني؟ كأن تقول الوثيقة- أن تكون سورية دولة الحداثة والأصالة.

ماذا يعني هذا القول أيضا؟ والآن نأتي على العبارة الأخطر والتأكيد على موضوعة الهوية الحضارية العربية والإسلامية لسورية. بداية ماذا تعني هذه العبارة سياسيا؟ ومن هي القوى التي تعبر عن هذه العبارة على أرض الواقع؟ أليس هذه العبارة هي التأكيد اليومي للسلطة في سورية: وإنها تحمي الهوية والخصوصية الحضارية والثقافية العربية الإسلامية، وبغض النظر كيف تمارس السلطة في دمشق عمليا؟ لماذا هذه الافتتاحية التي تقوم بالمصادرة على المطلوب مسبقا، لأن فهم الدولة المقبلة- وفق منطق وفلسفة الهوية- إنما يحيلنا إلى دولة استثناء منذ البداية، كما أنه يحيلنا إلى أن نحاول البحث عن مصادر حضورما في هذا العالم من خلال العودة للتاريخ وإحياءه من جديد. لم يعد خافيا على أي مبتدأ أن بناء الدولة المعاصرة لا يتم استيلاده من مفهوم الهوية الدينية أو القومية لأكثرية سكان هذه الدولة. لأن الدولة المعاصرة لا تحتفي أبدا بمثل هذه العبارات التي من شأنها أن تحدث تمييزا هوويا في المجتمع السوري. يبدأ بالذي لا يعتبر أن هويته إسلامية عربية مرورا بالأقليات والطوائف غير الإسلامية وغير العربية. مع ذلك من حق أي حزب سياسي أن يطرح رؤيته، ولكن لماذا هذا التأكيد الذي ينم عن فعل إسقاطي يعزز عدم الثقة بمفاهيم العروبة والإسلام...الخ

ببساطة أن هذه العبارة هي إدخال قسري للدين في السياسة دون لبس أو مواربة! هذا من جهة ومن جهة أخرى إن هذه العبارة لا تقيم حتى وزنا للتيارات الأخرى داخل الجبهة والتي نعتقد أنها من خلال انطباعاتي تشكل الأكثرية. مطلوب من الأمانة العامة للجبهة التفصيل في الحديث عن هذه النقطة وعن مداها وكيف يمكن أن تتوضع دستوريا وسياسيا في سورية المستقبل؟ وقد حاولت أن أدخل للموضوع انطلاقا من جعله هما سياسيا مباشرا وليس هما نظريا في هذا الظرف الحرج الذي تمر به بلدنا وشعبنا. وأعتقد أن هذا الموضوع قد تم نقاشه مطولا نظريا من قبل الكثير من النشطاء والمثقفين السوريين منذ صدور وثيقة إعلان دمشق قبل أقل من سنتين! لأنها تتضمن في مقدمتها نفس العبارة. إن ما تحقق يجب ألا يتوه في نصوص، خصوصا أن كل القضايا التي تخص المجتمع السوري قد تم مناقشتها والتطرق إليها بصراحة ودون لبس! فلماذا إذن لم يأخذ من صاغوا هذه الوثيقة جملة الملاحظات التي نوقشت في المؤتمر؟ ومن الطبيعي أن يخلق هكذا مؤتمر جوا من الحراك سواءا عند أعضاءه أو عند خصومه، وهذا طبيعي جدا في ظل الالتباس السوري، الذي زرعته السلطة! والذي نختم به هذه العجالة بقول للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش- ينادي بأندلس إن حوصرت حلب...يتبع

غسان المفلح