التقرير المشترك المقدم من قبل السفير الأمريكي في بغداد وقائد القوات الأمريكية في العراق، يشكل علامة بارزة في تقييم الوضع الأمني وتحديد الرؤية السياسية لمعالجة القضايا الراهنة، ويمثل رؤية جيدة للطريقة التي يجب ان تسكلها الولايات المتحدة لتحقيق أهداف أمنية وسياسية واقتصادية لمساعدة العراقيين على الخروج من الأزمات والمحن التي يتعرضون لها بقساوة وضراوة خاصة في مجال العنف والإرهاب.


وما قدمه السفير الأمريكي من تفاؤل ايجابي بشأن تحقيق أهداف حقيقية يعتبر مدخلا جيدا لتحديد المسار العام للتعامل مع الوضع العراقي وقد عبر قائلا من quot;الممكن للولايات المتحدة رؤية أهدافها تتحققquot;، ومحذرا من تقليص الجهود الأمريكية، قائلا إن ذلك quot;سيجلب الفشل، وتبعات مثل هذا الفشل يجب أن تكون مفهومة بوضوحquot; للأمريكين وللمنطقة وللعراق، أما قائد القوات الأمريكية فقد أكد أن قوات التحالف والقوات العراقية قد حققتا تقدما في الفترة القليلة الماضية، وبتواصل هذا التقدم يمكن quot; سحب أعداد من القوات الأمريكيةquot;، بحيث يعود عدد القوات إلى سابق عددها.

وقد جاء في التقرير أيضا أن quot;إيجاد عراق ديمقراطي مستقر، في سلام مع جيرانه rlm;أمر قابل للتحقيق. وفي تقديري أن المسار التراكمي للتطورات السياسية، الاقتصادية، والدبلوماسية في العراق هو في تصاعد، رغم أن انحدار ذلك الخط ليس شديدا. ولن تكون العملية سريعة، وسوف تتطلب قدرا كبيرا من التصميم والالتزام الأمريكيينquot;، تأكيدا على ظهور بوادر نجاح للعهد الجديد في العراق، ومؤكدا أن quot;قادة العراق لديهم الإرادة لمعالجة مشاكل البلاد الملحة، رغم أن ذلك سيقتضي وقتا أطول مما توقعنا في الأصل بسبب البيئة وخطورة القضايا التي تواجههم، إن القادة العراقيين يواجهون عقبات هائلة في جهودهم للحكم بفعاليةquot;، والدليل على ذلك كما ذهب اليه السفير كروكر التقدم الحاصل في المحافظة الغربية حيث quot;في الأنبار، كان التقدم في الجانب الأمني رائعا، فقبل ستة أشهر، كان العنف واسع الانتشار، والقوات كانت معرضة لهجمات يومية، وبدأ أهلها يرفضون هذا العنف، وقد أدركت العشائر أن في استطاعة قوات التحالف أن تساعد على طرد القاعدة، وبدأت تقاتل معنا، وليس ضدنا، وكان من نتيجة ذلك أن تغير المشهد في الأنبار تغيرا دراماتيكياquot;.


وبسبب التحسن الأمني فان العراقييون بدأوا يتلمسون تحسنا على الصعيد الاقتصادي، وهذا ما أكد عليه السفير الأمريكي quot;لقد بدأ العراق يحقق بعض المكاسب في الاقتصاد، فتحسن الأمن ساعد على انتعاش الأسواق، بمشاركة فعالة من المجتمعات المحلية، ودمار الحرب تجري إزالته والأبنية يجري إصلاحها، والطرق ومجاري المياه تبنى من جديد والتجارة تنشطquot;، مع الإشارة الى تحقق نمو جيد من خلال تقديرات دولية حيث quot;يقدر صندوق النقد الدولي بأن النمو الاقتصادي سيتجاوز 6 بالمائة عام 2007، وقد حققت الوزارات ومجالس المحافظات تقدما جوهريا في استخدام دخل العراق النفطي من أجل الاستثمار، وقد خصصت ميزانية الحكومة 10 بلايين دولار لاستثمارات رئيسية، وخصص أكثر من 3 بلايين دولار للإنفاق في المحافظات والمناطق الكردية، وتبذل سلطات المحافظات أقصى ما في وسعها، وفي سياق ذلك هي تكتسب خبرة في وضع الخطط واتخاذ القرارات، وإدارة العطائات بنزاهة، مع تنشط وتطوير الأعمال المحلية وتوفر الوظائفquot;، مع بيان أسباب عدم استخدام الطاقة القصوى للاقتصاد مؤكدا quot;إن الاقتصاد العراقي بوجه عام يعمل دون طاقته القصوى إلى حد كبير، فانعدام الأمن في الأرياف يزيد من تكاليف النقل ويؤثر بصورة خاصة على الصناعة والزراعة، مع تحسن إمدادات الكهرباء في أجزاء كثيرة من البلاد، لكنها غير مناسبة إطلاقا في بغدادquot;.


وبخصوص الوضع الدولي بالنسبة للعراق، فقد بين التقرير quot;إن هناك مشاركة دولية وإقليمية متسعة مع العراق، فقد منح مجلس الأمن، بطلب من العراق، بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق انتدابا موسعا عبر القرار 1770، وعمل العهد الدولي مع العراق يسير إلى الأمام، ويرأسه بصورة مشتركة العراق والأمم المتحدة، وقد تعهدت أربع وسبعون دولة بدعم إصلاحات العراق الاقتصادية في مؤتمر وزاري، وأعلنت الأمم المتحدة حدوث تقدم في 75 بالمئة من المجالات أل 400 التي حددها العراق ليجري الإصلاح فيهاquot;.
أما بخصوص الجهود والمصالحة العراقية فقد أكد السفير على quot;تواصل الجهود لمساعدة العراقيين في سعيهم وراء مصالحة وطنية، من خلال إيجاد طرق إضافية لشل التدخل الإقليمي وتعزيز الدعم الدولي، ومساعدة العراقيين على تعزيز التطورات الإيجابية التي حدثت على المستويات المحلية ووصلها مع الحكومة الوطنية، مع بذل جهدا كبيرا في تطوير الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، لأنها استثمار لمستقبل البلدينquot;.


بصورة أجمالية وبإيجاز من خلال التقرير المشترك الذي أستقبل بارتياح من قبل الحكومة والساسة العراقيين والكردستانيين يتبين أن القوات المتعددة الجنسيات حققت تقدما واكتسبت زخما، وأن قوات الأمن العراقية واصلت نموها وأخذت تضطلع ببطء بمزيد من الأعباء الأمنية، وتركيز اهتمام المهمات على أمن الشعب أو على التغيير لن يكون كافيا وحده لتحقيق الأهداف، والنجاح ضد القاعدة في العراق والميليشيات المتطرفة التي تدعمها إيران يتطلب قوات تقليدية بالإضافة إلى قوات العمليات الخاصة، والأوضاع الأمنية والسياسية المحلية ستمكن من التخفيض في عدد القوات، وأن التقدم السياسي لا يتم إلا بوجود أمن كاف، وإمكانية نجاح القوات على المدى الطويل سيفيد من تخفيض عددها، وأن المبادرات الإقليمية والعالمية والفضائية الإلكترونية بالغة الأهمية بالنسبة للنجاح، وأن القادة العراقيين يريدون ممارسة سيادة أكبر في البلد مع إعلان الرغبة في استمرار وجود القوات المتعددة الجنسيات بموجب قرار جديد من مجلس الأمن الدولي، مع الرغبة في التفاوض مع الولايات المتحدة ودول أخرى للتوصل الى اتفاقيات أمنية على المدى البعيد.
واستنادا الى هذه الرؤية للتقييم الصادرة من قيادات أمريكية ميدانية لها تماس مباشر بالوضع العراقي فان الأمل بتحسنه بدأ يرسم ملامحه على صعيد الواقع في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهذا الأمل بدأ يسجل حضوره في الحياة اليومية للعراقيين، وهذا ما سيقلب المعادلة العامة في العراق لتحقيق السلام والأمن في البلد للبدء بالإعمار والتنمية لخلق حاضر مشرق للعراقيين ولبلاد الرافدين عموما وصنع مستقبل زاهر للأجيال اللاحقة.

جرجيس كوليزادة

[email protected]