من الشواهد الغريبة في واقع الحضور السياسي الكردستاني الراهن، هي ما خرج به رئيس الإقليم مسعود بارزاني خلال لقاءه برئاسة مجلس النواب العراقي وعدد من أعضائه المشاركين في مؤتمر الفيدرالية الذي انعقد في اربيل قبل فترة، حيث أكد على أن quot;القيادة الكردستانية مع توزيع ثروات العراق على جميع العراقيين بشكل متساوquot;، مع تأكيده على quot;ان تحرير العراق كان فرصة جيدة من أجل ان يستفيد شعب العراق من ثروات هذا البلد لكن مع الأسف كان الإرهاب مانعا لذلك، نحن دوما في مقدمة الجبهة المحاربة للإرهاب ونحن لا نتنازل عن مبادئ الديمقراطيةquot;.
ضمن هذا السياق، يبدو ان الرئيس بارزاني برر أمام أعضاء مجلس النواب عدم استفادة شعب العراق من ثروات هذا البلد بحجة وجود الإرهاب، الا ان هذا التبرير لا يمكن تبريره في إقليم كردستان بسبب وجود عوامل الأمن والاستقرار والسلام فيه، والمعلوم للجميع أن الشعب الكردستاني لم يحظى لحد الآن بأية استفادة من ثروة البلاد كما ذهب اليه البارزاني بسبب وقوعها بيد الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وبيد أقلية طاغية من أرباب السلطة متحكمة برقاب الشعب.
ولا ندري ما مفردات الاستفادة الذي أشار اليه الرئيس مسعود بارزاني بشأن توزيع الثروات بعدالة وتساو على الشعب، والكل يعلم ان الأغلبية الساحقة من الكردستانيين يعانون من الويلات في الإقليم بسبب فساد الحكم فيه، ورمي الشعب في دهاليز أزمات وضائقات حياتية ومعيشية واقتصادية متسمة بالصعوبة البالغة والمشقة الفائقة، بعيدة كل البعد عن ضمان حياة متسمة بالكرامة وعزة النفس، بسبب الغلاء الفاحش في تأمين الحاجات الأساسية والمستلزمات الحياتية والسكن والرعاية الطبية والالتزامات المعيشية وغياب فرص العمل، وغيرها من الأزمات والمشاكل والمصاعب التي يأن منها المجتمع الكردستاني بأغلبيته الفقيرة، حالة من الفقر الشديد، لأغلبية مسحوقة، مختلقة بتعمد من قبل الحزبين الحاكمين ومن قبل أرباب السلطة الحاكمة.
كل هذه الأزمات، والسيد رئيس الإقليم يؤكد على توزيع الثروة على الجميع بشكل متساو، نعم بشكل متساو كما هو معمول به في الإقليم، أجل مثل ما هو متبع به في كردستان من عدالة سامية في توزيع الثروة بفضل القيادة الرشيدة للرئيسين الطالباني والبارزاني، عدالة من أرقى أنماط العدل التي وضعت كل موارد الشعب من إيرادات داخلية ومن تخصيصات الميزانية الفيدرالية في بغداد ومن تخصيصات المنح والمساعدات المالية الدولية، بيد فئة ظالمة قسمت الشعب الى أقلية حاكمة تملك كل مفاتيح السلطة والموارد والتجارة والممتلكات والعقارات في الإقليم، وأغلبية ساحقة من فقراء ومساكين وأبرياء حرمتها الأقلية الحاكمة المتسلطة من كل مستلزمات الحاجات الأساسية الضرورية للحياة ومن كل مقومات السكن والرعاية الصحية الطبية اللائقة والضمان الاجتماعي المناسب لكل عائلة ولكل فرد كردستاني.
وللاستدلال على كلامنا هذا، تكفي الإشارة الى المبالغ التي تخصصها الحكومة بعشرات ومئات الألوف من الدولارات شهريا لوزير معين أو قيادي معين أو حزب صغير، بينما تخصص 25 دولار شهريا لكل عائلة فقيرة كضمان اجتماعي لها، ونفس هذا المبلغ أو أكثر بقليل لعوائل المؤنفلين وشهداء الحركة التحررية الكردية، في وقت تصل التخصيصات الشهرية للرئاسة الى أربعة ملايين دولار كما أشارت إليها أحدى الصحف الحلية، وشهرية مكتبي الحزبين الحاكمين تفوق عشرات ومئات الملايين من الدولارات، وهي كلها تذهب هدرا دون وجه حق في جيوب المسؤولين.
هذا الواقع المرير المؤلم في حياة الكردستانيين، من حقنا أن نسأل، أي توزيع للثروة هذا الذي يتكلم عنه رئيس الإقليم، سيادة الرئيس مسعود بارزاني، هل يقصد به سيادته هذا التوزيع العادل للثروة في إقليم كوردستان الذي قضى به على الطبقة الوسطى من المجتمع، أم هذا التوزيع العادل الذي جعل وجمع كل موارد الشعب في أيدي الحزبين الحاكمين من بداية الانتفاضة واحد وتسعين الى عامنا هذا، أم هذا التوزيع الذي يقصد به الرئيس العادل الذي سمح بالمسؤولين ان يجمعوا ما هب ودب من أموال بيت المال العام والممتلكات والعقارات العامة بطريقة الاستباحة العامة التي لم تبقي شيئا مذكورا لأبناء العامة الفقيرة من شعب المضطهدين والمستعمرين من قبل أهل الفساد وأرباب السلطة في الحكم الكردستاني، توزيع للثروة إن كان قريب من كل شيء فهو بعيد كل البعد عن العدل والإنصاف والتساوي.
أجل يا سيادة الرئيس بارزاني، هذا التوزيع للثروات في كردستان البعيد عن التساوي والعدالة، ان تحدثتم عنه بشي من اليسير نرجو ان لا تأخذ بكم الكلام الى الحديث عنه مرة أخرى لأننا في غنى عنها، لأن لا وجود لتوزيع للثروات على الكردستانيين بالعدالة والتساوي في الإقليم منذ عقد ونصف من الزمان، والأمور المتعلقة بتوزيع ثروة الشعب غائبة تفاصيلها عن عيوننا في حياتنا، لهذا لا حاجة لان تحتل مساحة ولو صغيرة في حديثكم عن توزيع الثروات، لأنكم لا تملكون نموذجا وتجربة عيانية مميزة مكشوفة متسمة بالشفافية بخصوص توزيع الثروات ليقتدي به الآخرون، لهذا لكم كل الحق في التحدث عن أي شيء، الا عن توزيع الثروات لأنها منهوبة من زمن بعيد، مسلوبة من أمد بعيد، مسحوبة من الشعب من أجل بعيد، لا يعرف عنها قرارا ولا بيانا.
لهذا يا سيادة الرئيس، صحيح إن كلامكم عن السياسة فيه أمل واطمئنان للكردستانيين والعراقيين على السواء، ولكن كلامكم عن توزيع الثروات بالتساوي على الشعب فليس لكم الحق فيه، لان نموذج الحكم في إقليم كوردستان بعيد كل البعد عن العدالة الاجتماعية وعن تحقيق عدالة توزيع الثروات بالتساوي على الكردستانيين، ونموذج توزيع الثروة في الإقليم فريد ونادر لأنه استغلال واحتكار لمال وقوت الشعب، شبيه بما يجري في الدول التي تحكمها أنظمة دكتاتورية شمولية وضعت قبضتها الحديدية على كل موارد الشعب دون حق ودن إرضاء منه، أما عن توزيع الثروات في العراق الاتحادي على الشعب بالتساوي فهذا وهم خيال، وختام مسعانا إنا ذكرناكم بما ينفع الجميع من تذكير وبما يذكر الشعب من هول ما فيه.


د.جرجيس كوليزادة
[email protected]