نشطت في الأشهر الأخيرة حركة الدبلوماسية الإيرانية باتجاه الدول الخليجية خاصة والعربية عامة. حيث وكما هو معروف فأن العلاقات الإيرانية العربية قد شهدت عقب احتلال العراق فتورا كبيرا وصلت حد التوتر أحيان مع بعض الأقطار، وذلك على اثر التدخل الإيراني العلني في الشؤون الداخلية للعراق وقيام أجهزة المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني بدعم منظمات موالية لها بممارسة العنف والدعوة إلى تقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية.
و قد اشترك في حملة العلاقات هذه إلى جانب وزارة الخارجية ، كل من مكتب مرشد الثورة آية الله علي خامنئي و مكتب رئاسة الجمهورية. وقد لعب الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد دوراً محورياً في حملة العلاقات هذه ، ولا سيما مع الدول الخليجية منها تحديداً ، حيث قام الرئيس الإيراني بزيارة عدد من الدول الخليجية ،منها على وجه التحديد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. هذا إضافة إلى زيارته للجزائر وسوريا الحليف العربي التقليدي لطهران.


و كان الأبرز في زيارات الرئيس أحمدي نجاد العربية ،حضوره اجتماع قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي جرت في العاصمة القطرية في الثاني من ديسمبر من العام المنصرم.
و إلى جانب زيارات الرئيس الإيراني فقد قام وزير الخارجية ووزراء و مسؤولين إيرانيين آخرين بزيارات مماثلة لعدد من الدول العربية ، كان من أبرزها زيارة نائب الرئيس الإيرانيquot; برويز داووديquot; إلى ليبيا و لقائه الزعيم معمر القذافي أواخر الشهر الماضي.
و لم تقتصر حملة الدبلوماسية الإيرانية تجاه الدول العربية على مكتب الرئاسة و وزارة الخارجية بل كانت هناك مشاركة من قبل مكتب مرشد الثورة الذي أوفد ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الدكتور علي لاريجاني إلى القاهرة حيث التقى فيها مع رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان ووزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط وأمين عام الجامعة العربية الدكتور عمرو موسى. و أوضح لاريجاني للصحفيين، أن محادثاته مع الجانب المصري تناولت القضايا الامنيه بين البلدين والقضايا ألاستراتيجيه عامة. وقد بدأ النشاط الدبلوماسي الإيراني تجاه مصر بزيارة وزير الصناعة الإيراني quot;علي أكبر محرابيانquot; للقاهرة.
و كان التحرك الإيراني نحو الدول العربية قد جاء بعد ما أشاعت إنباء عن عزم مجلس الأمن الدولي إصدار قرارات جديدة من شأنها فرض عزلة إقليمية ودولية كبيرة على النظام الإيراني.


غير أن هناك رأي آخر يعتقد أن الحكومة الإيرانية والتيار المحافظ تحديدا ،يسعيان إلى استباق الحدث من وراء حملة العلاقات العربية هذه لالتفاف على منافسيهم في التحالف البراغماتي الليبرالي القائم بين كل من رئيس مجلس الخبركان ومجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ quot; هاشمي رفسنجانيquot; ورئيس الجمهورية السابق وقائد ما يسمى بالتيار الإصلاحي السيد quot; محمد خاتمي quot; واللذين يتعزمان خوض الانتخابات البرلمانية التي مقرر أجراها في مارس آذار القادم سوية في مواجهة تيار المحافظين الذي يسعى حسب رأي المراقبين إلى الاستفادة من تجربة الإصلاحيين و السيد محمد خاتمي السابقة حيث كان لحملة العلاقات العربية التي قام بها خاتمي قُبيل وبُعيد انتخابه لرئاسة الجمهورية مساهمة كبيرة في تزايد شعبيته داخليا و خارجيا وحدوث انفتاح عربي ودولي واسع على إيران.


ولهذا فقد أدراك المحافظون أهمية هذه العلاقات وتأثيرها في المرحلة القادمة سواءا على مجرى الانتخابات ونتائجها، أو ما يمكن أن تجنيه طهران من مصلحة إذا ما تم فرض عقوبات اقتصادية وتجارية وقوانين عقابية جديدة عليها من قبل مجلس الأمن الدولي بسبب رفضها التعاون مع وكالة الطاقة الذرية لحل ملابسات ملفها النووي و عدم إجابتها على الكثير من الأسئلة المتعلقة بهذا البرامج الذي بدأ يأخذ طابعا عسكريا بعد أن كان مقررا له أن يكون برنامجا سلميا.


وإذا ما نظرنا إلى التأثير الايجابي بالنسبة للنظام الإيراني الذي يمكن أن تتركه العلاقة الطيبة مع الدول العربية على الوضع الداخلي الإيراني ،فأنها تكمن في ثلاثة نقاط ،اقتصاديةrsquo; سياسية ودينية.
بالنسبة إلى النقطة الأولى ،فان الشعوب الإيرانية التي أرهقتها حرب الثمانية سنوات مع العراق وملت من ترديد شعارات quot;الموت quot;لهذا البلد أو ذاك ،بات في اشد الطموح إلى مرحلة جدية من الحياة غير مكترثة بإيديولوجية النظام وأهدافه التوسعية. لذا فان المسألة الاقتصادية تبقى الهاجس الأول للشارع الإيراني. أضف إلى ذلك أن هناك أكثر من تسعة ملايين مواطن ( حسب شهادة وزير الرفاه والتأمينات الاجتماعية أمام مجلس الشورى الإيراني ) يعيشون تحت خط الفقر. يضاف إليها أن هناك أكثر من، 7200 شركة إيرانية تعمل في دول الخليج العربي واغلبها ينشط في دولة الإمارات العربية المتحدة،وتوجد أكثر من 330 شركة منها في أمارة رأس الخيمة وحدها.
وبحسب تقرير غرفة التجارة الإيرانية الذي نشرته وكالة quot; ايسنا quot; للأنباء فان حجم الأموال الإيرانية التي استثمرت في أمارة دبي عام 2006م بلغت 200 مليار دولار.


فإذا ما تحسنت العلاقات الإيرانية- العربية، ولاسيما الخليجية منها تحديا، فأنها سوف تنعكس إيجابا على الحركة الاقتصادية الإيرانية وتعيد الثقة للمستثمر الإيراني الذي بدأ بتهريب أمواله إلى الخارج،وتوقف عمليات التهريب وتدفق البضائع المهربة إلى الأسواق الإيرانية والتي باتت تنهك كاهل التاجر الإيراني.


كما إنها سوف تشجع رأس المال العربي والخليجي خاصة على الاستثمار في المناطق التجارية الإيرانية الحرة التي أنشأت مؤخرا لكسب المستثمر العربي. و سوف تساعد أيضا على تصدير المنتجات الإيرانية الصناعية والزراعية إلى الدول العربية.
أما النقطة الثانية، فهي الجانب السياسي والأمني الإيراني ، حيث لا يمكن عزل تأثير الاستقرار السياسي عن الوضع الاقتصادي والعكس كذلك ، كما انه لا يمكن أيضا نكران تأثير الدول العربية على استقرار الوضع السياسي والأمني في إيران إذا ما أرادت تحريك هذا الجانب. حيث يوجد هناك أكثر من عشرين مليون مسلم سني وأكثر من خمسة إلى سبعة ملايين عربي يتواجدون على طول الحدود الإيرانية، ولهؤلاء جميعا روابط روحية وقومية مع البلدان العربية. هذا إلى جانب أن لبعض المعارضة الإيرانية quot; منظمة مجاهدي خلق مثلا quot; علاقات مع دول عربية معينة ، فإذا ما أرادت هذه الدول دعمها وتحريكها فأن ذلك سوف يؤدي إلى انعدام الاستقرار السياسي والأمني في إيران. كما يجب ان لا ننسى إن الدول العربية ، إذا ما أرادت ، فأنها قادرة على استثمار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الحاصل في العراق واستخدام هذا الوضع ضد إيران. فهناك الكثير من الجهات والأطراف العشائرية و الحزبية المتضررة من النفوذ الإيراني في العراق متعطشة للانتقام من طهران إذا ما توفر لها الدعم اللازم.
النقطة الثالثة وهي الجانب الديني ،وهي نقطة لا تقل أهمية عن النقاط السابقات. فالإيرانيون تواقون للسياحة الدينية وهناك أماكن دينية بالغة الأهمية بالنسبة لهم ، منها في المدينة المنورة وفي مصر وفي المملكة الأردنية الهاشمية، إضافة إلى العراق وسوريا. فان تحسين العلاقات مع الدول العربية سوف يفتح الباب أمام تشجيع السياحة الدينية ، فهناك حاليا أكثر من مليون إيراني يزورون العراق سنويا رغم الأوضاع الأمنية المتدهورة ، ففي حال تم إعادة العلاقات مع مصر وتطوير العلاقات مع الأردن والمملكة العربية السعودية فان تنشيط السياحة الدينية مع هذه البلدان ستكون على سلم أولويات الحكومة الإيرانية.
وهذه النقطة فيها تحقيق عدة مآرب لإيران ،منها اقتصادية حيث تنشيط عمل الشركات السياحية والتجارية ، ومنها اجتماعية ، حيث تتمكن من خلالها التنفيس عن حالة الاحتقان الروحي لمواطنيها، والنقطة الأخيرة فهي سياسية وأمنية في آن معاً ؛ حيث يمكن لطهران اختراع أمن الدول العربية بكل سهولة من خلال أفواج الزوار والسواح.مثل حصل في الثمانينيات حين استخدمت شنط الحجاج لحمل المخدرات والمتفجرات.
أضف إلى ذلك أن إيران هي الأخرى تعد بلدا سياحيا وفيه أضرحة وأمكنة للكثير من الشيعة والمسيحيين العرب ، و من المؤكد أن تحسن العلاقات مع الدول العربية سوف يسهل وصول هؤلاء إلى إيران لزيارة مقدساتهم و بالتالي سوف تستفيد طهران من زيارتهم لها.


ولكن بالمقابل ماذا سوف تقدم إيران للدول العربية كي تكسب ثقتها وتجعل هذه الدول تعاود العلاقات معها أو تطورها ؟.
ثبت لحد الآن أن إيران كانت دائما هي التي تثير مخاوف العرب وليس العكس ، وقد ثبت ذلك من خلال التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية للعديد من البلدان العربية لا سيما الخليجية منها تحديدا ، وقد جرى ذلك ويجري تحت عناوين ويافطات مختلفة ، منها مشروع ما سمي بتصدير والثورة وآخر سمي بالعرجون الشيعي ( الهلال) وآخر الدفاع عن مظلومية الشيعة ! وغيرها من العناوين و اليافطات الأخرى التي كان بعضها و مازال حجة للتدخل في شؤون دول البحرين واليمن والعراق ولبنان وفلسطين وغيرها.


إيران التي بنت إستراتيجيتها على مد نفوذها و بسط هيمنتها على المنطقة عبر معاداة تلك الدول و خلق القلاقل والفتن فيها ، لم تتخلى عن إستراتيجيتها هذه بعد ، ولكنها عملت على استبدال تكتيكها ،فهي اليوم معرضة إلى ضغوط دولية و ربما سوف تشتد هذه العقوبات لتصل إلى مرحلة الحصار السياسي وهنا لا تجد طهران أفضل من الجوار العربي ( الخائف من تهديداتها ) مفتاحا لكسر هذا الحصار أو اختراقه إذا ما حصل. وإذا ما اضطرت إن تضحي بشيء لكسب ثقة الدول العربية فأنها سوف تقوم بالإيعاز إلى المنظمات الموالية لها في تلك البلدان بوقف أو تجميد نشاطها (كما حدث مع جيش المهدي في العراق الذي أعلن عن تجميد نشاطه مع بدأ جلسات الحوار الأمريكي الإيراني في العراق) كي يتسنى لها إقناع العرب بالانفتاح عليها وتقوية رابطهم معها وبذلك تكون قد حققت هدفها.


ولكن يبقى التساؤل قائما إذا ما كان العرب سوف يصدقون هذه الخدعة ويحققوا ما تريده إيران ومن دون ثمن حقيقي تقدمه لهم ، أوله يكون إنهاء تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية ووقف التصريحات المستمرة التي يطلقها قادتها العسكريون و السياسيون و يهددون فيها بحرق مناطق النفط في دول الخليج أو احتلالها ، وإنهاء الحرب الطائفية التي تشنها وسائل إعلامها والتي أصبح الشعب العراق اليوم اكبر ضحاياها.

صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي