كانت نيران الحرب العالمية الثانية مستعرة فى أوروبا عندما قرر البريطانيون اعلان الحرب على اليابان التى قصفت ميناء (بيرل هاربور) ودمرت عددا كبيرا من السفن الحربية الأمريكية. قام رئيس وزراء بريطانيا آنئذ (ونستون تشرتشل) باستدعاء السفير الياباني وقال له ما معناه : (يؤسفنى ياسعادة السفير ان اعلم سعادتكم بعزم حكومة صاحب الجلالة البريطانية باعلانها الحرب على دولتكم بسبب اعتدائكم على حليفتنا الولايات المتحدة الأمريكية، راجيا منكم نقل ذلك الى حكومتكم الموقرة، وأرجو من سعادتكم الاستعداد لمغادرة بريطانيا خلال مدة 48 ساعة من الآن. أكرر أسفى على اضطرارنا على اتخاذ هذا القرار وأرجو لكم عودة سالمة الى بلدكم الجميل). وكان ذلك بحضور عدد كبير من الصحفيين من مختلف الجنسيات. وفى صباح اليوم التالي نشرت الصحف ما جرى بين تشرتشل والسفير الياباني.

وفى اليوم ذاته احتج بعض أعضاء البرلمان البريطاني على (الأدب الزائد) التى أبداه تشرتشل اتجاه السفير، وعلت أصوات استنكارهم فى المجلس. نهض تشرتشل مبتسما وقال لهم :(لا يوجد مانع من أن يكون المرء مؤدبا حتى مع عدوه الذى يريد قتله). وتوقفت احتجاجات المحتجين.

تذكرت ذلك وأنا اشاهد (الفيديو) الذى صور الصحافي العراقي الذى رمى بحذائيه على جورج بوش فى المؤتمر الصحفي، مما أعطى صورة مشوهة عن الشعب العراقي الذى يكرم ضيوفه حتى وان كانوا من الأعداء حفاظا على اصول الضيافة. ثم أن رئيس الوزراء العراقي كان الى جانب بوش فشكل ذلك اهانة له أيضا، بل شكل اهانة لكل الموجودين فى القاعة، وحتى لمشاهدى البث التلفزيوني وخاصة العراقيين منهم. الغربيون لا يعتبرون ذلك اهانة، فالسياسيون منهم تعودا على ما يقذف عليهم من الطماطم أو البيض الفاسد وحتى الحجارة. والأحذية عندهم لا تختلف عن أي شيء آخر يرتديه الانسان.

لم أكن فى يوم من الأيام أحب أو أحترم بوش، بل كنت اعتقد انه ناقص العقل، وعندما هاجم العراق قلت لأصدقائي ومعارفي: الآن قد تأكد لدي انه مجنون حقا، ولكن ما كان أحد يستطيع انهاء حكم الطاغية صدام الا مجنون مثل بوش.

وما حصل بعد ذلك يشبه رب العائلة الذى دخل بيته لص قاتل، فاتصل بالشرطة طالبا تخليصهم من القاتل فيهرع اليه عدد كبير من الشرطة المسلحين بالأسلحة الثقيلة ويطلقون النيران بكثافة شديدة على البيت، ويلقون القبض على المجرم ولكنهم أثناء الهجوم دمروا البيت وقتلوا البعض من أفراد العائلة. وهذا بالضبط ما حصل للعراق والعراقيين من قتل وتدميرفضاع الشيء الكثير من حلاوة انقاذهم من حكم البعث الأسود.

ولكن العراقيون أنفسهم واالجيران قتلوا من العراقيين ودمروا أكثربكثير مما فعل الأمريكان، ولو لم يظهر بينهم من سموا أنفسهم (المقاومة) يقودهم رجال دين دجالون وسياسيون انتهازيون لكان العراق الآن فى خير حال ولكان الأمريكيون قد انسحبوا قبل سنتين أو أكثر. جلب الأمريكيون الشركات لاعادة اعمار العراق ليجعلوا منه بلدا ديموقرطيا قويا عزيزا، فهاجمهم (المقاومون) ودمروا ما عمرت تلك الشركات، فهربت الشركات والمقاولون وتوقف الاعمار، وشح ماء الشرب والكهرباء ونفد الدواء، وقال (المقاومون) ومن مولوهم وسلحوهم بأن السبب فى ذلك هو وجود الأمريكان فى البلد. وبقيت بلايين الدولارات التى خصصتها الولايات المتحدة لاعمار العراق معلقة وقد لا نحصل عليها أبدا بسبب تلك الأعمال الاجرامية للمقاومين (الشرفاء).

وجن جنون البعثيين الهاربين ومن لف لفهم بعد توقيع الاتفاقية التى نصت على انسحاب القوات الأمريكية خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات، وهو ما كانت تطالب به (المقاومة) من (جدولة) الانسحاب. ولا أظن انهم سيكفون عن خلق المشاكل والمصاعب أمام الحكومة الحالية. ورمي الأحذية هو آخر سلاح لجأ اليه (المقاومون)، ولكن الحذاء لم ولن يصيب الهدف، ولكن راميه سيبقى حافيا حتى انفاسه الأخيرة.

عاطف العزي