كرة القدم هذه المستديرة التي سحرت النّاس، واستحوذت على أفكارهم وأوقاتهم، بدلّت المفاهيم والمقولات، وحوّلتنا من منحوتة (الأرض بتتكلّم عربي) إلى (الأرض بتعلب كرة قدم)!


لكن - وما بعد لكن غريبٌ أحيانًا ndash; ومع تنامي هذا الاهتمام بها يستيقظ السّؤال المركزي: مارأي المؤسّسة الدّينية، ليس بكرة القدم فحسب، بل بمسابقاتها ومشاهدتها وحضورها داخل أسوار الملعب؟!
أسئلة كثيرة، لم تغفل الفتاوى الإجابات عليها، فقد جاءت الفتوى من اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء عن جواب لسؤال يقول: (ما الحكم في رؤية مباريات كرة القدم التي تُلعب على كأس أو على منصب من المناصب كاللّعب على دوري أو كأس مثلاً؟)..


وكان الجواب على النّحو التّالي: (مباريات كرة القدم حرام، وكونها على ما ذُكر من كأس أو منصب أو غير ذلك منكر آخر، لذا كانت الجوائز من اللاعبين أو بعضهم لكون ذلك قمارًا، وإذا كان الجوائز من غيرهم، فهي حرام لكونها مكافأة على فعل مُحرّم، وعلى هذا فحضور هذه المباريات حرام)!


وفي سؤال آخر للّجنة نفسها يستفسر: (ما الحكم في الدّخول إلى ملعب كرة القدم لمشاهدة إحدى المباريات؟)؛ وكانت الإجابة: (الدّخول في الملعب لمشاهدة مباريات لكرة القدم إن كان لا يترتّب عليه ترك واجب كالصّلاة، وليس فيه quot;رؤية عورةquot;، وquot;لا يترتّب عليه شحناء ولا عداوةquot; فلا شيء فيه، والأفضل ترك ذلك لأنه quot;لهوquot;، والغالب أنّ حضوره يجرّ إلى تفويت واجب وفعل محرّم)!


ولا يخفى على القارئ أنّ الفتوى مقيّدة بشروط من المستحيل توفّرها في عالم (الملاعب)، وكان الله في عون (جمهور الاتّحاد) لأنّه أكثر الجماهير حضورًا!


أمّا الإمام ابن تيمية فقد أعطى أمرًا مجملاً حمله المحبّون له على تحريم اللّعب بالكرة؛ فقد قال ابن تيمية: (ما يتلهّى به البطالون من أنواع اللّهو وسائر ضروب اللّعب ممّا لا يستعان به في حقّ شرعي كلّه حرام)!


ثمّ يعلّق الشّيخ حمود التّويجري على هذا النّص بقوله: (ومن هذا الباب - الذي ذكره ابن تيمية - اللّعب بالكرة، لأنّه مجرّد لهو ولعب ومرح وعبث، وأعظم من ذلك أنّه يصدّ عن ذكر الله وعن الصّلاة، ويُوقع العداوة والبغضاء بين اللاعبين، وليس هو ممّا يُستعان به في حقّ شرعي...)، ثمّ يستدرك الشّيخ التّويجري ويقول: (ومن العجيب أنّ هذا اللّعب الباطل قد جُعل في زماننا من الفنون التي تُدرّس في المدارس، ويُعتني بتعلّمه وتعليمه أعظم ممّا يُعتني بتعلّم القرآن والعلم النّافع وتعليمها)! [ راجع الإيضاح والتّبيين ص196].


وقد توسّع الشّيخ التّويجري في ذمّ الكرة والاهتمام بها وبجوائزها وحوافزها ومسابقاتها وكلّ ما يتعلّق بها؛ حيث مبحثه فيها يتجاوز العشر صفحات، فليرجع لذلك من ينشد المزيد.


وبعد - سيّدي القارئ - وأنا أغوص في (لجّة البحث عن الرّأي الشّرعي حول كرة القدم) حزنت بحرقه حمراء، ومرارة صفراء - لا تشبه شعار الاتّحاد طبعًا - حزنت على طفل صغير يتربّى على حبّ الكرة واللّعب بها ومتابعتها، حتّى إذا ما كبر صفعته الفتاوى وأربكته الأحكام والآراء؛ ليصبح رأسه بعدها مشطورًا نصفين، نصف ينادي الكرة ويرحّب بها، ونصف يصفعها ويزدريها و(يركل فكرتها)؛ الأمر الذي سيصيبه حتمًا بحالة من (الانفصام)؛ لا أظن كثيرًا من الرّؤوس سلمت منها!!

أحمد عبدالرحمن العرفج
[email protected]