تحية للنائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود على قراره الشجاع بالطعن في الحكم الذي أصدرته محكمة مصرية ببراءة خمسة متهمين في قضية العبارة quot;السلام 98quot; التي غرقت عام 2006 أثناء رحلتها من ميناء ضبا السعودي إلى ميناء سفاجا المصري في حادث راح ضحيته أكثر من ألف شخص.


فالحكم أثار صدمة كبيرة للرأي العام في مصر بعد أن قضى ببراءة مالك العبارة الذي يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة شركة السلام للنقل البحري إلى جانب عضويته في مجلس الشورى وابنه نائب رئيس مجلس الإدارة واثنين من مديري أسطول الشركة ومدير فرع الشركة بمدينة سفاجا المصرية.
وكانت المفاجأة حين اكتفى الحكم بتحميل قبطان العبارة الغارقة المصنف في عداد المفقودين المسئولية الكاملة عن غرقها باعتبار انه كان يتعين عليه العودة إلى مينا ضبا وعدم مواصلة الرحلة مؤكدا أن المسئولية الجنائية قد سقطت عن القبطان لوفاته.


والأغرب من ذلك أن الحكم شدد على سلامة العبارة المنكوبة رغم تقارير اللجان الفنية ومن بينها تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب المصري والتي خلصت إلى أن العبارة لم تكن في حالة تسمح لها بالإبحار بسبب مشكلاتها الفنية.


وكانت الصدمة حين عاقب الحكم متهما واحدا في القضية وهو قبطان الباخرة سانت كاترين التي كانت تمر بالصدفة في موقع الحادث حيث قضت بحبسه ستة أشهر وتغريمه ما يوازي 1800 دولار لتقاعسه عن تقديم المساعدة لركاب العبارة الغارقة!


وقد استند طعن النائب العام إلى أن الحكم شابه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والتعسف في الاستنتاج والفساد في الاستدلال وتناقض أسباب الحكم وعدم صحة إجراءات إصداره. كما استند إلى أنه أهدر تقرير اللجنة الفنية التي شكلتها النيابة العامة من خبراء النقل البحري وأساتذة كلية الهندسة لكن الطعن لم يتناول صراحة تأخير إجراءات رفع الحصانة البرلمانية عن مالك العبارة في مجلس الشورى لتمكينه هو ونجله من مغادرة البلاد قبل محاكمته مما أثار انتقادات واسعة من أهالي الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان.


وهكذا باستئناف الحكم في قضية العبارة الغارقة التي شغلت الرأي العام المصري أكثر من عامين أصبح في حكم المقرر إحالة القضية في شقها الجنائي إلى دائرة قضائية أخرى في الوقت الذي يتحرك فيه أهالي الضحايا للاستئناف في الشق المدني المتعلق بالتعويضات.


والحقيقة أن هذا هو الطعن الثاني من نوعه الذي قدمه النائب العام المصري خلال شهرين بعد أن طعن في يونيو الماضي في الحكم الذي أصدرته محكمة مصرية ببراءة سبعة متهمين في قضية أكياس الدم الفاسدة من بينهم رئيس شركة هايدلينا الذي يشغل منصب وكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب المصري.
وطالب النائب العام بإعادة محاكمة المتهمين في تلك القضية التي أثارت جدلا واسعا بعد وفاة رئيس المحكمة المستشار أحمد عزت العشماوي الذي كان متوقعا أن يصدر أحكاما مشددة في حق المتهمين بعد إصابته بمرض غامض حسب وصف أسرته قبل أيام من جلسة النطق بالحكم.


وفي تلك القضية أيضا وصف النائب العام الحكم بأنه يمثل خطئا في تطبيق القانون وتعسفا في الاستنتاج والاستدلال وعدم صحة الإجراءات حيث قامت هيئة المحكمة بالحكم بالبراءة دون فتح باب المرافعة وتمكين النيابة العامة من التعليق على ما ورد فيها.


وبموجب الدستور المصري فإن النائب العام بصفته وكيلا عن المجتمع هو المخول بمباشرة تحريك الدعاوى العامة والجنائية ومتابعة سيرها في المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات وكذلك الطعن على الأحكام الصادرة فيها إذا رأي خطئا في تطبيق القانون.
ومرة أخرى تحية للنائب العام المصري على قراره الشجاع بالطعن على حكم البراءة في قضية العبارة الغارقة السلام 98 ومن قبلها قضية أكياس الدم الفاسدة رغم أن كبار المتهمين فيها أعضاء في البرلمان والحزب الحاكم!

عبد العزيز محمود