بالتأكيد قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم الترشح لولاية ثانية في الانتخابات التي دعا لاجرائها في 24 يناير المقبل له تفسيران لا ثالث لهما!

إما ان الرجل يناور للضغط على الولايات المتحدة واسرائيل من اجل الحصول على quot;شيء ماquot; يساعده على اسئناف المفاوضات ومواصلة حملته الرئاسية، أو انه يريد الانسحاب فعلا بعد ان وصلت جهوده داخليا وخارجيا الى طريق مسدود!

عباس وصف قرار انسحابه بأنه ليس مناورة ولا تكتيكا لكنه طرح شروطا لاستئناف المفاوضات جعلت المسألة بالفعل أشبه بالمساومة وبدا وكأن الرجل يحاول استعادة شعبيته التي فقدها بسبب موقفه من الحرب الاسرائيلية على غزة و تقرير جولدستون

وفي هجومه العنيف على حركة حماس كانت رسالته واضحة وهي ان البديل الوحيد له هو حماس، التي اعتبرت انسحابه اعترافا بفشل نهج التسوية وعملية السلام برمتها ووصفته ب quot;الفاشلquot; وquot;المفلسquot;!

لكن قرار الانسحاب أثار قلق كل المحيطين به بدليل البيان الذي اصدرته اللجنة المركزية لحركة فتح والذي يدعو للتمسك به بوصفه المرشح الوحيد للحركة في انتخابات الرئاسة

كما اثار قلق الشارع الفلسطيني بدليل المظاهرات التي خرجت في رام الله ومدن الضفة تطالبه بمواصلة تحمل المسئولية فيما يشبه المظاهرات التي خرجت في مصر تطالب عبد الناصر بالبقاء عقب هزيمة يونيو 67.

بل واثار ايضا بعض القلق في إسرائيل وحسب صحيفة هاآرتس فان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز اتصل بعباس في محاولة أخيرة لإثنائه عن قراره لكن نتنياهو وليبرمان اكتفيا بالصمت.

والسؤال المطروح هل يمكن ان يتراجع عباس في اخر لحظة عن الانسحاب خاصة وانها ليست المرة الاولى التي يلوح فيها بهذا الخيار عبر تاريخه السياسي؟

بالطبع هذا ممكن اذا قدمت الحكومة الاسرائيلية quot;شيئا ملموساquot; يمكن من خلاله اسئناف عملية السلام وهو مالا يبدو مطروحا في الوقت الراهن فتل ابيب مصممة على استئناف المفاوضات دون وقف الاستيطان.

كما انه مرهون بحدوث تحول في الموقف الامريكي المحابي لإسرائيل وهو ايضا امر غير وارد لأن واشنطن حاليا غير مكترثة بانسحاب عباس.

ووفقا لتصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية التي التقت الرئيس الفلسطيني مؤخرا في ابو ظبي فان الولايات المتحدة على استعداد التعاون مع الرجل في quot;أي موقع كان quot; في اشارة الى وضعه كرئيس لمنظمة التحرير!

ويبدو ان الادراة الامريكية تراهن على رئيس الوزراء الفلسطيني سليمان فياض بديلا محتملا لعباس لكن العقبة الوحيدة التي تواجهها هي رفض حركة فتح

ومن المحتمل ان يستخدم الامريكيون سلاح المال لاجبار حركة فتح على القبول بفياض رئيسا او دفع عباس للتراجع عن استقالته والعودة الى مائدة المفاوضات دون شروط !

لكن عباس المعروف بعناده وحرصه على كرامته قد يرفض كل ذلك مصمما على الاستقالة بعد ادراكه أنه كان يجرى وراء سراب حين راهن على الوعود الامريكية له باقامة دولة فلسطينية مستقلة

والحقيقة ان خذلان الرئيس اوباما لعباس هو السبب الرئيسي وراء قراره بالانسحاب من الانتخابات بعد ان تبنت الادارة الامريكية وجهة نظر اسرائيل تجاه الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية.

والأهم من ذلك هو ان صقور الحكومة الاسرائيلية تغير موقفهم من الرجل لعدم قدرته على التعامل بحزم مع حركة حماس وبسبب موقفه الاخير من تقرير جولدستون.

وحسب ما نشرته وسائل الاعلام الاسرائيلية فإن تل ابيب لا تمانع في استبدال عباس بفياض خاصة وان الثاني يتمتع بنفس المؤهلات المطلوبة لاستئناف المفاوضات

على اية حال الرئيس عباس مسئول الى حد كبير عن الوضع الذي وصل اليه، فقد اخطأ في تقديراته حين اعتقد ان الحرب الاسرائيلية على غزة سوف تجعله يستعيد زمام المبادرة على مستوى القرار السياسي، وهو مالم يتحقق بالطبع!

كما ان فشله في تحقيق المصالحة مع حماس جعل الدعوة لانتخابات رئاسية في الضفة دون غزة أمرا له تداعيات خطيرة على مستقبل الفلسطينيين.

والمؤكد ان حماس لعبت دورا غير مسئول في اضعاف عباس سواء بالانقلاب الذي قامت به في غزة أو برفضها كل جهود الوساطة مع فتح.

وهكذا سواء انسحب عباس أو لم ينسحب فمن المرجح ان هناك تطورات كبيرة قادمة على الساحة الفلسطينية في ظل توقعات باندلاع انتفاضة جديدة عام 2010 واحتمال قيام اسرائيل بشن حرب جديدة على لبنان أو قطاع غزة.