بحضور كل من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير الداخلية بشير آتالاي ناقش البرلمان التركي في جلسة عقدها مساء يوم الجمعة المنصرم ماتسمى بخطة الحكومة لحل القضية الكردية. ورغم ان البرلمان التركي كان قد ناقش القضية الكردية مرات عديدة الا ان هذه هي المرة الاولى التي يتم فيها مناقشة القضية على هذا المستوى وبهذا الشكل العلني. فرغم التسميات العديدة التي اطلقتها حكومة العدالة والتنمية على مشروعها الا ان النقاشات التي دارت حول القضية الكردية في البرلمان التركي في 13.11.2009 وفي مختلف جوانبها كانت مختلفة تماماً عن سابقاتها، فالمحور الوحيد للنقاش هذه المرة كان quot;القضية الكردية وكيفية حلهاquot; تحديداً.
تخصيص البرلمان التركي، ولاول مرة، جلسة خاصة لمناقشة القضية الكردية يدل على ماهية المشكلة الرئيسية التي تعاني منها تركيا، ويثبت للعالم كله بأن الحكومة التركية في مأزق حقيقي، وليس بأمكانها الاستمرار في سياساتها الحالية دون ايجاد حل جذري للقضية الكردية. كذلك لايمكن للحكومة أن تنكر حقيقة الوجود الكردي وعدالة القضية الكردية، فهي إن فعلت ذلك فكأنها تحاول ان quot;تغطي الشمس بالغربالquot;.
لكن رغم هذه الحقائق التي ذكرناها هناك امر آخر وهو quot;احاديثquot; الجانب التركي الغير دقيقة وطريقة ادارة الحكومة للمشكلة من خلال طرح حلول احادية الجانب، والاصرار على عدم الاعتراف بالآخر كطرف رئيسي للحل. ورغم وجود بعض الاختلافات بين ما يطرحه حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين مايطرحه حزبا الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، الا ان جوهر سياستهم واحد. حزب الشعب الجمهوري حزب قومي متطرف وحزب الحركة القومية حزب قومي فاشي، وهما يمارسان في ظل الدولة الحالية سياسة علنية تهدف الى تصفية الكرد والنيل من قضيتهم، ولكن كل باسلوبه وطريقته.
ورغم وجود نقاط التقاء بين هذه الاحزاب الثلاث التي ذكرناها آنفاً الا ان حزب العدالة والتنمية وعلى ما يبدو قد توصل الى قناعة بأنه لا يمكن الوصول الى حل نهائي للقضية الكردية عبر الاساليب القديمة التي انتهجتها الحكومات التركية المتعاقبة وبعض الاحزاب القومية المتطرفة الموجودة حالياً في الدولة، لذلك نراه بين حين وآخر يطرح افكاراً واراءً ومشاريعاً مختلفة، لكنها في حقيقة الامر تأتي لتضليل الرأي العام ليس الا، اي ان الحزب الحاكم غيرّ اساليبه في ادارة المشكلة وإستنبط طرقاً جديدة في كيفية تصفية حركة التحرر الكردية، وهو يراهن على تلك الطرق الآن.
حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية حزبان مفلسان سياسياً وجماهيراً في الاوساط الكردية، خاصة بعد مشاركتهما في اعمال القتل والارهاب والاغتيالات الاخيرة وسياساتهما العنصرية التمييزية تجاه الشعب الكردي وقضيته العادلة، لذلك لانعتقد بان يستمر هذان الحزبان بهذا الشكل طويلاً. انهما حزبان يتجهان إلى الإضمحلال والأفول.
حزب العدالة والتنمية يراقب كل ما يجري عن كثب، ويتفنن في حربه الضروس ضد الشعب الكردي وحركته التحررية، فهو الى الآن لا يعترف بالهوية الكردية بشكل دستوري ويقف بالضد من القوى السياسية الكردية التي تناضل بشكل سلمي وديمقراطي لنيل الشعب الكردي حقوقه المشروعة. وفي هذا المنحى تحديداً يريد الحزب الحاكم ان يدفع بالكرد الى حافة الهاوية من خلال حملات تصفية الحركة التحررية الكردية، وخلق شرخ بين الكرد وحركتهم التحررية، وكافة قادة الحزب يكررون هذا الكلام في خطاباتهم الكثيرة، وكان آخرها الأحاديث والكلمات التي سمعناها تحت قبة البرلمان التركي؟!.
حزب العدالة والتنمية والاطراف الاخرى يرفضون معالجة القضية الكردية بشكل قانوني واحداث تغيير في دستور البلاد يتعترف بالكرد وبهويتهم القومية. وهذه الأطراف تتخذ من مشروع مصطفى كمال اتاتورك المسمىquot; اصلاح الشرقquot; والذي ظهر عام 1924 اساساً لسياساتهم، وعلى نفس الخطى اطلق حزب العدالة والتنمية إسم quot; الاتحاد القوميquot; على مشروعه. وهذا المشروع يعني في ترجمة أخرى تصفية حزب العمال الكردستاني، وعلى اساس هذا المشروع التصفوي تتعامل هذه الأطراف مع الكرد. الدولة التركية غير مستعدة للقبول بحل القضية الكردية عبر مشروع ديمقراطي، هي تريد quot;التداويquot; من خلال الإصرار على سياسية التصفية.
اجتماع البرلمان لمناقشة القضية الكردية امر في غاية الاهمية، ويجب علينا الا ننظر الى هذا الامر باستخفاف، لان ما حصل في يوم 13.11.2009 كان نتيجة لنطال الشعب الكردي وحركته التحررية، ونتيجة لتلك الدماء الزكية التي روّت جبال كردستان، لذلك يجب على الجميع الايخلطوا الاوراق ببعضها البعض وأن ينظروا الى ما يجري بعين الحقيقة، والا تتمنن الحكومة التركية علينا وعلى العالم بعقدها لهذا الاجتماع، وتفسيرها الأمور حسب مصالحها الخبيثة. عليها ان تعترف بان نضال الشعب الكردي وحركته التحررية ارغماها على عقد هذه الجلسة. يجب ان نكون حذرين تجاه المؤامرات الخطيرة التي تنتهجها الحكومة التركية. الحذر وعدم الوقوع في فخ الآلاعيب المستمرة للحكومة التركية واجب وطني على كل كردي مخلص لقضيته وشعبه، ويعتبر الأساس في الحفاظ على استحقاقات الثورة الكردية ونضالات رجالاتها الاشاوس الذين ضحوا بكل غال ونفيس من اجلها.
اعتراف الحكومة التركية بالكرد كشريك في الحل والاعتراف الدستوري بالوجود الكردي وحل القضيهة الكردية على اسس ديمقراطية عادلة هي ضمانة حقيقية للسلام وللحل الدائم الديمقراطي. فاذا ناقش البرلمان التركي القضية الكردية على هذا الاساس في القادم من الايام حينها فقط بامكاننا الاطمئنان اليهم والوثوق بوعودهم، اما غير ذلك فكل quot; محاولةquot; جديدة لن تكون سوى كلاماً في الهواء.
جميل باييك
قيادي ومن مؤسسي حزب العمال الكردستاني
الترجمة من الكردية: سرحان عيسى
[email protected]
التعليقات