لا يجب التقليل من أهمية تلك المحاولات الطيبة التي تهدف إلى تهدئة الأوضاع بين الجزائريين والمصريين. ولكن النية الحسنة لا تكفي وحدها في مجال الإعلام وقد تكون الحقيقة ضحية لحسن النيات أحيانا. وهو ما قد حصل في كثير من المقالات و البرامج التلفزيونية العربية. وقد رأيت من واجبي أن أتدخل لتوضيح بعض المسائل كيلا أقول المغالطات وذلك بعيدا عن أية نعرة أو وطنجية ضيقة.

أولا: إن الإدعاء بأن ما حدث للمنتخب الجزائري في القاهرة هو أمر عادي يحدث في كثير من البلدان لهو كذب وضحك على عقول الناس.

أتحدى أي كان أن يذكر لي واقعة مماثلة تعرض لها فريق وطني في العالم أجمع اللهم تلك التي حدثت بين الهندوراس والإكواتور منذ أكثر من أربعين عاما وتسببت في حرب بين البلدين. إنه لمن السخف و من العار أن نقارن بين مشادات أنصار فريقين عاديين كلفربول ومانشيستر وبين اعتداء على لاعبين دوليين يمثلون شعب بأكمله. و حتى لو سلمنا بذلك و تجاوزنا هذه المقارنة السخيفة، هل سمع أحد في حياته أن لاعبي مانشيستر أو لفربول رشقوا بالحجارة؟ لم يتعد الأمر احتكاكات بين الأنصار 'يا عالم'!. هل يمكن أن يتصور عاقل أن يتسلل مناصرون ليعتدوا هكذا بكل بساطة في دولة بوليسية مثل مصر لا يتنفس أحد إلا بإذنها؟


ثانيا : إن الإدعاء بأن الصحافة الجزائرية صامتة ولا تقول شيئا في قضية حقوق الإنسان والحريات في الجزائر بينما تدافع عن الكرة لهو افتراء وجهل وتقزيم ظالم للصحافة الجزائرية ورجالها في الجزائر. يا عرب الصحافة الجزائرية المستقلة وقفت بكل حزم وصراحة ضد تعديل الدستور في الجزائر. عودوا إلى الأرشيف وستجدون كل شيء موثق. كما نددت الصحافة الجزائرية في أكثر من مرة بتزوير الانتخابات وهي تفضح وتنشر قضايا الفساد كل يوم، عودوا إلى جريدة الخبر على سبيل المثال وهي أكبر جريدة في الجزائر بل يسميها البعض على حق quot;الحزب المعارض الأول في الجزائرquot;.

يا عرب لا تسحبوا ما هو موجود في الوطن العربي على الجزائر. في الجزائر صحافة مستقلة صامدة وصحافيون يمضون من الوقت في المحاكم أكثر مما يمضون في قاعات التحرير وهناك من زار السجن ومن ضحى بحياته دفاعا عن الدولة المدنية. ثالثا : وجد بعضهم فرصة لإثارة مسألة اللغة العربية في الجزائر، نقول للمتشدقين، نحن نناضل ونكتب وندافع عن اللغة العربية في الجزائر ووضعها بالجزائر ليس أكثر سوء منه في بقية الدول العربية الأخرى. والمسألة متعلقة بالصراع السياسي بين الجزائريين، ولا يخص سوى الجزائريين أنفسهم ولا نقبل دروسا من أحد وخاصة من الذين يعتبرون لهجتهم هي اللغة العربية كما يفعل المصريون. القضية قضية بين الجزائريين والجزائريين فقط. شخصيا كتبت مقالا منذ أسابيع في يومية ' الجزائر نيوز' ناديت فيه بعصيان لغوي يرفض فيه الجزائريون الوثائق الرسمية التي تكون بغير العربية. هناك تلميحات من هنا و من هناك عن ضعف اللغة العربية في الجزائر! من قال أن الجزائريين لا يحسنون العربية؟ عودوا إلى الكتابات الفلسفية الأدبية والجوائز الأدبية. يا ناس إذا كنتم لا تتابعون ما يصدر، فنحن غير مسؤولين عن عدم إطلاعكم.


رابعا: لا أحد يستطيع أن يعقدنا بمقولة quot;مصر أم الدنياquot; أو 'مصر ذكرت في القرآنquot; أو quot;الشقيق الأكبرquot;. هذه الخزعبلات لم تعد تعني شيئا. أنا شخصيا لا يهمني إن ذكرت مصر في القرآن أو الإنجيل أو التوراة. يهمني عندما أقرا أنها تذكر اليوم في ذيل الترتيب العالمي في كل ما هو إيجابي و تذكر في أول القائمة في كل ما هو سلبي، ويحزنني ذلك.
من يسمع و يقرأ ما يكتب و يقول بعض الجهلة يخال له أن المصريين هم الذين حرروا الجزائر، هم الذين حاربوا بدل آبائنا وأمهاتنا؟؟ يا أعزائي العرب، الجزائر لم يحررها لا عبد الناصر ولا غيره. الجزائر حررها الجزائريون بدمائهم وقد هموا بالدفاع عن أرضهم قبل أن يولد عبد الناصر وأم كلثوم. لا تنسوا أن الجزائريين هم الذين بنوا القاهرة التي بدل أن تقهر الجهل والاستبداد و الفقر استعملت كل الطرق المشينة لقهر مجموعة من شباب الجزائر، جاؤوا ليلعبوا مباراة في كرة قدم.


وبالمناسبة، إليكم هذا السؤال: كيف تفسرون أن المنتخب المصري لم يتمكن أبدا من الفوز على المنتخب الجزائري في ميدان محايد؟ لم ينهزم الجزائريون ضد مصر إلا في القاهرة؟ وإن كنتم لا تعلمون اسألوا الأفارقة لتتأكدوا من الجو الموبوء الذي يخلقه المصريون في ملعب القاهرة.


خامسا: تستعمل المعلقون دائما 'نحن مسلمون وعرب' وعلى ذلك يجب ألا نتقاتل ووو..ما هذا الكلام الخطير؟ يا ناس وإن لم أكن لا مسلما ولا عربيا هل تذبحونني ؟ هل لي الحق في الوجود أم لا ؟ ألا ينبغي بدل هذه العنصرية أن نتحدث عن المواطنة و حرية الفرد والقانون فوق الجميع. سادسا: لا داعي للخطب والبلاغة، يجب أن يتحمل كل مسؤوليته، في القاهرة تم اعتداء سافر على الفريق الجزائري بمباركة النظام المصري، واتهم النظام المصري أعضاء الفريق بالكذب نافيا ما حدث، وتعرض المناصرون الجزائريون في القاهرة إلى اعتداءات وحشية. فهل أنتم مع المعتدي أم مع المعتدى عليه؟

كاتب من الجزائر