هل يمكن لنا نحن شعوب بلدان العالم المتخلف أن نقدم على الحوار؟

وكيف ينظر الكثيرون منا إلى التحاور والاستماع الى الرأي المخالف والعمل على الاقتناع بوجهة نظر الآخر بهدوء وروية،وعدم التسرع في إصدار الأحكام، وهل تصدر الدعوة إلى التحاور غالبا عن موقف قوة أو ضعف، وكيف ينظر الآخر إليك إن دعوته مرة الى نسيان الاختلافات أو تناسيها على الأقل، والبدء في صفحة جديدة؟ هل تتكون لديهم فكرة انك تنطلق من ثقتك بقدراتك، وتحب منهم ان يشاركوك هذه القوة وان ينظروا إلى الشيء الذي تختلفون حوله، من نفس الزاوية للوصول الى عين الرأي؟ ام انه سرعان ما يتهمك بأنك ضعيف مسكين تطلب منه الحوار كي تضع حدا لإحساسك اللامنتاهي بضعف لا قدرة لك على احتماله حتى يقف بجانبك مذللا لك الصعاب، وهل يحدث الحوار بين الأشخاص المؤمنين بوجهة نظر واحدة، تنطلق من أيدلوجية معينة، أم يمكن ان نتحادث مع أشخاص عديدين من مختلف الثقافات وان نصل إلى قناعة واحدة؟ وهل جربت يوما ان تتبادل وجهات النظر، مع شخص تجده متفقا معك في الكثير من الأفكار، فأحببت ان تقنعه بوجهة نظرك التي تجدها صائبة مائة بالمائة، فأبدى اقتناعه بما ذكرت له من دلائل تثبت صحة رأيك، ثم افترقتما، وحين التقيتما من جديد، فوجئت به يبدي نفس الفكرة التي اختلفتما حولها، وكأن الساعات الطويلة التي قضيتها في محاولة إقناعه قد ذهبت أدراج الرياح، كيف يكون شعورك حينئذ؟ ولماذا أبدى تأييده السابق؟ هل كان من اجل إرضائك؟ وكيف غيره بهذه السرعة؟

هل مجرد نسيان أم انه وجد دلائل أخرى تعزز موقفه؟ وهل ينبعث الاختلاف من تباين الفكرة أم تعاكس الشعور، وهل صحيح ما يشاع عنا إننا امة عاطفية؟ وان كان الاختلاف في فكرة واحدة بين شخصين يحملان نفس الآراء، ويؤمنان بوجهات النظر ذاتها، يبدو لنا كامل الصعوبة، ومن العسير جدا أن نجد قدرة على التحاور في شأنه، والوصول إلى رأي يحقق اتفاقا بين الشخصين المختلفين، فكيف يمكن ان يكون الحوار بين أشخاص يحملون رؤى مختلفة، ويؤمنون بوجهات نظر، لا يمكن لها ان تتفق هل يمكن ان يتفق من يدعو الى دين معين ويكفّر حملة الأديان الأخرى مع الداعين إلى دين مختلف بوسائل العنف أيضا، وكيف يتفق حملة الرأي المعين والمعتقدين انه أصح ما توصلت إليه عبقرية الإنسان، مع المعارضين لصواب معتقداتهم، وهل تتفق النساء الراغبات في البقاء في المنزل متمتعات بحقوقهن، كربات للبيوت يصرف عليهن الزوج، ويشقى من اجلهن هل تتفق هؤلاء مع المناديات بحقوق النساء الكاملة، التي حصلت عليها المرأة في العالم المتمدين، وهل ينظر رجل الدين نظرة تسامح ومحبة الى من ينكر فضل الدين أويدعو الى إلغائه؟ وهل يحترم كل من يدعي التطور وتقدير الاختلاف والتحاور بين البشر، هل يحترم هؤلاء من يؤمن بالله واليوم الآخر؟

حتى لو اتصف هذا الأخير بقدرة كبيرة على التسامح بين الناس، واحترام وجهات النظر مهما كانت متباينة، ألا يسارع الكثير منا إلى اتهام الآخرين بالانغلاق، والجهل أحيانا ان هم أبدوا بادرة ولو بسيطة لاختلافات فكرية؟ ولماذا يتوقع أغلب الناس أن الآخرين يجب أن يكونوا أشباه لهم يماثلونهم في التفكير ويرددون نفس كلماتهم ويصادقون على آرائهم مهما كانت، لماذا بقينا نحن العرب -الا القليلين- لا نحترم من يبدي رأيه بصراحة، ونفضل من يجامل ويكذب مدعيا جورا انه معنا وهو في الحقيقة يخشى نقمتنا وغضبنا، متى يمكننا ان نقبل على التحاور بيننا وان نحترم شخصية الإنسان الآخر مهما كان مختلفا إن كان اختلافه هذا لا يسيء إلينا او يهدد سلامتنا في الحياة، او ينغص علينا عيشتنا، ألم يئن الوقت كي نطور أنفسنا وننظر الى الآخر نظرة احترام وتقدير، ولا نغمطه حقه في التمتع بقول ما يجده صحيحا،ومن المسؤول عن حالتنا المزرية هذه؟ هل هل طريقة التربية التي تلقاها الكثيرون منا أم مناهجنا المدرسية التي غذت فينا حب العنف والابتعاد عن التساهل مع الناس باعتباره ضعفا لا يصح الاتصاف به،ام الكتب التي نقرؤها تغذي فينا الميل الى العدوانية؟ وهل يمكن ان تتحلى نظرية واحدة بالصحة الكاملة وتخطيء النظريات الأخرى؟ ولماذا لا يتمتع النظام الديمقراطي بالتأييد الفعلي؟ ولا يقتصر تأييده على الكلام، ألم يحن الأوان كي نبدل طرائق التفكير، كي نكون أهلا للعيش السعيد؟