ـ 2 ـ

حقيقة بدء التحرك السياسي العقائدي الشيعي(العربي)بعد إستتباب النظام السياسي الجديد في إيران و الذي أعقب سقوط الشاه محمد رضا بهلوي لم يأت صدفة و لا إعتباطا أو مجرد حاصل تحصيل عرضي للأحداث، وإنما جاء اساسا بسبب من ذلك الاحساس

الجزء الأول

بالإغتراب و الاستلاب و الظلم من جانب النظم السياسية في بلدانهم والذي تحدثنا عنه سابقا. وهناك من يسعى للخروج بما هو أشبه بمعادلة عقائدية يربط خلالها الشيعة العرب بشکل عام بالشيعة الايرانيين مبررين ذلك بتقليد الکثير من الشيعة العرب لمرجعيات دينية إيرانية(ولانقول فارسية فقط لأن هنالك أعراق مختلفة في إيران و قد برزت في العديد منها مراجع تقليد کبار)، و يعتبرون تبعية بعض الاحزاب و المنظمات الشيعية العربية لنظام ولاية الفقيه على إنه نتيجة و تداع حتمي لمسألة تقليد مراجع إيرانية، رغم انه لا يمکن الربط بين المسألتين بهکذا إستدلال ضعيف لأن هنالك غالبية عربية تقلد مراجع إيرانية لکنها لاتؤيد الخط السياسي ـ العقائدي لنظام ولاية الفقيه بل وأن هنالك مراجع کبار في إيران نفسها لا تؤيد النظام السياسي الحاکم بسبب من خلافات فقهية تتعلق بنظرية ولاية الفقيه ذاتها والتي مازال الغموض و الابهام يحيط الکثير من مبانيها. وفي الواقع، هنالك نوع من التداخل في هذه المسألة حالها حال الکثير من حالات التداخل الاخرى التي تنشأ بين الشعوب و الاعراق و الطوائف لأسباب مختلفة تتعلق بالمصالح المشترکة و الموقع الجغرافي و التلاقحات الثقافية و الفکرية و ما اليها وهو امر نجده ينطبق على مختلف بقاع العالم و لايستفرد به الشيعة لوحدهم.


ان النقطة المهمة و الجوهرية التي نود الوقوف عندها بتأن، هي ان التشيع لم تکن حالة إبتداع تفتقت عن العقلية الايرانية کما يروج البعض بخلاف الحقائق التأريخية الدامغة، فالتشيع قد نشأ عربيا في اساسه و ترعرع في آجم و مهد مجتمعات عربية ليس بالامکان التشکيك في الاساس العربي للمذهب من خلال حصول الزواج بنساء فارسيات إذ ان هکذا تفسير لا يمکن القبول به أبدا في ظل العديد من المعطيات المتباينة التي تتقدمها المعطيات الاسلامية. صحيح انه ليس بإمکاننا أبدا التقليل من أهمية الاضافات الکثيرة التي قدمتها العقلية الايرانية للفقه الشيعي، لکنه في نفس الوقت لم يکن بتلك الصورة التي يمکن إعتبارها بانها باتت عماد وأساس الفقه الشيعي ومن دونها لايمکن للفقه الشيعي الاستمرار، وهنا نجد من المهم جدا الاشارة لمسألة مهمة أخرى وهي الاضافات الايرانية للفقه السني بل وأن الامام الاعظم أبو حنيفة النعمان قد کان فارسيا ناهيك عن ان هنالك نسبة کبيرة من العلماء و الفقهاء ذوي الاصول الفارسية من الذين کان لهم دورا کبيرا و بارزا في مختلف المجالات الفکرية و الادبية و التأريخية و الفلسفية...الخ فهل يمنحنا ذلك حق التشکيك في الاصل العربي الاساسي للفقه السني؟ قطعا ان الاجابة لا، فمختلف الاقوام التي تشرفت بالاسلام قد قدمت خدماتها الجليلة المختلفة للاسلام مثلما استفادت کثيرا من الخدمات الکبيرة التي قدمها الاسلام لها. بحسب المصادر التأريخية ذات الصلة، فإن الحديث عن الحقبة الصفوية و تأثيراتها على الشيعة العرب، قد يوضح العديد من الالتباسات و حالات التمويه التي إنطلت و تنطلي على العديد من الکتاب و المثقفين بسبب التسرع في ربط الحالتين(أي الشيعية الصفوية و الشيعة العرب) من دون الاستناد على أي مصدر تأريخي يثبت ذلك، إذ ليس هنالك في مختلف المصادر التأريخية مايشير الى تعاطف الشيعة العرب مع الصفويين على الرغم من المظالم التي لحقت بهم حينها بل وقد کانوا إحدى المکونات الاساسية التي کانت ترفد واقعهم الفکري ـ الاجتماعي بمختلف العطاءات. ومن هنا، فإن تطور الحالة الشيعية في إيران و ظهور إجتهادات مختلفة فيها سيما من النواحي السياسية ـ العقائدية، وعلى الرغم من حالة التداخل و الارتباط بينهم و بين الشيعة العرب، فإن ذلك الامر قد بقي شأنا داخليا خاصا بهم لوحدهم ولم ينساق الشيعة العرب بتلك الصورة اللافتة و الاستثنائية التي إنساق فيها الشيعة الايرانيون في حالة العداء مع العديد من الرموز الاسلامية في فترة النبوة الشريفة و عهد الخلفاء الراشدين ويمکننا تأويل حالة العداء الايرانية لتلك الرموز على محامل عدة، غير اننا يمکننا في الوقت نفسه إرجاع عملية عدم الانسياق للشيعة العرب في تلك السياقات الى إعتبارات قومية بحتة. ومن هنا، فإن السعي للربط التأريخي بين الحالتين الايرانية و العربية امر فيه الکثير من الخطل و التعقيد و الابتعاد عن روح الحقيقة و جوهرها الاساسي، وليس بالامکان الزعم بأن الشيعة العرب منساقون کليا من دون إستثناء خلف الحالة الايرانية أو انهم مستعدون لأن يصبحوا مجرد أرقام خلف تلك الحالة و يتخلون عن دورهم الريادي الذي منحه التأريخ لهم وأن هنالك اليوم العديد من الرموز العربية الشيعية في العراق و لبنان و البحرين و غيرها ممن تصر على الاصالة العربية للتشيع و ترفض بشدة الاضافات الاخرى مثلما انها لاتتقبل و تستسيغ الطروحات العقائدية المستحدثة على البناء الشيعي إستنادا لبعض المعطيات التي قد تتحمل أکثر من سياق في التأويل. لکن المشکلة ان هذا التيار الشيعي الاصيل مازال لا يحظى بالدعم و المساندة المطلوبتين على الصعيد العربي بل وهناك من يصر على التشکيك في مصداقيته و حقيقة موقفه الرافض. اننا في المجلس الاسلامي العربي في لبنان، قد إختطينا لأنفسنا خطا سياسيا ـ عقائديا محددا يتجسد في ترجيح الاصالة العربية للمذهب الشيعي على الخطوط المستحدثة لاحقا و نستمد کذلك نفس روح الاحساس بالمسؤولية حيال أمتنا العربية و زعمائنا کما کان الحال مع أجدادنا من الشيعة العرب الذين إمتزجت دمائهم مع دماء أشقائهم من المذاهب الاخرى دفاعا عن العقيدة و الارض و الانسان. واننا ندعو و بقوة للمزيد من الحوار و المزيد من التقارب المسؤول بين المذاهب الاسلامية و التأکيد على نقاط الالتقاء و السعي لتعميقها بحيث تغلب على طابع الاختلافات الشکلية الذي للأسف يطغي على الجوانب الايجابية بين المذاهب منطلقين من حقيقة رابطة الدم و التأريخ و المصير و المصالح المشترکة التي تربط بيننا.

محمد علي الحسيني
* الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.