في ملفات منطقة الشرق الأوسط الحافلة بالصراعات التاريخية و المتورمة بالمشاكل المتأصلة ثمة ملفات منسية أو مؤجلة و لكنها على درجة و أهمية كبرى من الحساسية و الأهمية كونها قد خضعت للدفن و التغييب ، و كانت ضحية بائسة من ضحايا الصراعات الدولية و حملات التقسيم بين الدول المتصارعة من أجل الهيمنة و الإستعمار بشكله القديم ، و إذا كانت المرحلة التي سبقت و ترافقت مع فترة الحرب الكونية الأولى ( 1914 / 1918 ) قد رسمت وحددت بالقلم و المسطرة حدود الدول و الشعوب و تحديد الهويات كما حصل مع معاهدات سيفر و سان ريمو و إتفاق ( سايكس / بيكو ) الشهير عام 1916 الذي قسم الشرق الأوسط وفقا لحسابات المصالح البريطانية و الفرنسية و خطوطها الحمراء و الزرقاء هذا غير الإتفاقيات و المعاهدات التي رسمت خريطة للدول المستقلة الجديدة في الخليج العربي ، فإن الضيم و الظلم و الإجحاف قد أحاق و لحق بشعوب عديدة أخرى خضعت رغما عن مشيئتها أو حقائق التاريخ لقوى متجبرة سامتها سوء العذاب و بئس المصير ، لعل من أهم تلك الشعوب هو الشعب العربي في أقليم ( الأحواز ) أو عربستان شرق العراق و العالم العربي وهو الإقليم المعروف تاريخيا و ديموغرافيا وواقعيا بعروبته الأصيلة و بعشائره العربية الممتدة أصولها للعراق و الجزيرة العربية فضلا عن جغرافيته التي تشكل الإمتداد الطبيعي للسهل الرسوبي العراقي ، فالشعب العربي بملايينه الثمانية حاليا في الأحواز كان قد ألأحق ظلما و قسرا منذ عام 1925 بالدولة الإيرانية الفارسية البهلوية التي كانت تحاول أن تكون قوة عظمى في منطقة الخليج العربي و كان رضا خان يحاول أن يكون الند أو الشبيه لباني تركيا الحديثة مصطفى كمال ( أتاتورك )! رغم الفارق الهائل في الشخصية و الإمكانيات ، فرضا خان مجرد ضابط أمي رفعته الأقدار ليخدم في جيش الأسرة القاجارية قبل أن يتم إنقلابه و يستولي على السلطة القاجارية المتهالكة في طهران عام 1921 و يقيم نظامه العنصري القمعي المتطرف و الذي لم يستمر بل طرده الإنكليز من السلطة لجنوب أفريقيا عام 1941 و مات هناك بعد أن ظهرت إرتباطاته بالنازية ، ليترك عرشا كان ألعوبة بيد القوى الدولية التي أجهزت عليه في النهاية عام 1979 ليخرج من بوابات التاريخ الخلفية و لتصبح ذكرياته مجرد دمعة في التاريخ ، و الشعب العربي في ألأحواز الذي تعرض للإحتلال الإيراني و الهيمنة المباشرة منذ أن تم إسقاط إمارة المحمرة بقيادة الشيخ خزعل الكعبي عام 1925 مورست ضده أساليب إيرانية حكومية بشعة من التجهيل و العنصرية و الفاشية و محاولات التطهير العرقية المستمرة و المتجددة فصولا و أساليب ، لقد تم إسقاط حكم الشيخ خزعل في الوقت الذي كانت فيه إمارة عربستان تلعب دورا كبيرا في التشكيل السياسي و الدبلوماسي لدول الخليج العربي ، و كان الشيخ خزعل من اللاعبين الكبار في الخليج العربي و رفيقا و زميلا لقادة كبار ساهموا في صناعة تاريخ المنطقة و العالم العربي كالسيد طالب النقيب في البصرة و الشيخ مبارك بن صباح في الكويت و الذين كان لهم شرف محاولة بناء أول تجربة وحدوية في العصر الحديث بين الكيانات الثلاث عربستان و البصرة و الكويت عام 1909 و التي لو نجحت و تحققت لتغير تاريخ المنطقة بالكامل ، فتلك الإمارة الموحدة كانت تضم ثروات نفطية هائلة إضافة لمزايا ستراتيجية كبيرة لا يمكن تجاهلها ، و لكن كانت للإرادة الدولية توجهات أخرى أفشلت تلك المحاولة الرائدة و الرائعة ، فألحقت البصرة بالعراق الهاشمي الجديد وقتذاك ، و أتجهت الكويت نحو الإستقلال و تقرير المصير فيما وقعت الواقعة المؤلمة على رأس و أهل إمارة عربستان العربية التي تم إلحاقها في النهاية بنظام الدولة الفارسية البهلوية ، لتتخذ الأوضاع هناك أشكالا درامية و ليقع ملايين العرب تحت هيمنة نظام عنصري متسلط لا يرحم بذل جهودا فظيعة لتغيير الواقع الديموغرافي و لفرض التجهيل و لجعل و تصوير عرب المنطقة بكونهم مجرد ناطقين بالعربية و ليسوا عربا و أقحاحا و من قبائل عربية كبرى هي نفسها القاطنة في العراق و الخليج العربي حتى تدخلت الأنظمة الإيرانية بما فيها النظام ( الإسلامي ) الحالي حتى بتسمية المواليد و الذين لا بد أن تلحق بأسمائهم العربية كنية فارسية تبعد عنهم ( شبهة الإنتماء العربي ) مثل أسماء ( زادة.. بور.. نجاد )!! فضلا عن منع بعض الأسماء العربية لأسباب طائفية سخيفة و متهاوية ، فمثلا ممنوع على الأحوازي أن يسمي إبنته ( هند )!! أو باقة أخرى من الأسماء العربية المعروفة!!، كما أن الحرف العربي في الأحواز يتعرض للإبادة وعلى العكس تماما من مدن فارسية أخرى كمدينة ( قم ) مثلا التي تنتشر فيها اللغة العربية أما الإقليم العربي الأصيل وهو ( الأحواز ) ففمنوع على أهله التزود بالثقافة العربية أو نشرها من خلال مدارس الدولة!! ، و طبعا هذا الكلام والأسلوب العدواني قد تزايد بعد هيمنة رجال الدين على السلطة في إيران و محاولتهم اللئيمة لمنع الصحوة القومية العربية التي جابهوها بالحديد و النار و أتبعوا أساليب طائفية مريضة في مقاومة حركة التحرر الوطني الأحوازي و نجحوا للأسف في شق الصف الوطني و لكن المصيبة الكبرى تكمن في جهل قطاعات عديدة من العالم العربي بمحنة أشقائهم في الأحواز ، فقضيتهم مغيبة بالكامل عن مناهج التدريس و الثقافة في العالم العربي ، و معاناتهم التاريخية المتواصلة لم يسمع بها أحد رغم أن الأحواز أكبر من فلسطين و أهم من غزة و اكثر ستراتيجية و أهمية سياسية و إقتصادية من العديد من الملفات الأخرى ، و إذا كان النظام الإيراني الذي يتدخل بقوة في العالم العربي و يمارس أساليب التضليل و الفتنة و إثارة حملات التحريض في العالم العربي لا يجد من يتصدى له و يذكره بمعاناة الشعب العربي في الأحواز فإن أهل الأحواز و حركاتهم الوطنية و الجهادية قد نشطوا جدا في الآونة الأخيرة و بدأوا التبشير و العمل الوطني بمشروعهم التحرري و بحق تقرير المصير وهي مهمة صعبة و معقدة ولكنها ليست مستحيلة ، فمن كان يعتقد مثلا بإمكانية إنفصال إرتيريا عن الدولة الإثيوبية ؟ و من كان يعتقد بإنهيار العالم الإشتراكي ؟ و من كان يعتقد بمتغيرات دولية كبرى كانت تعتبر في عالم الأحلام قبل أن تحولها تضحيات الشعوب لوقائع ميدانية معاشة ! ، المشكلة الرئيسية و العقبة الكأداء التي تواجه حركة التحرر الوطني الأحوازية هي مسألة إستكمال عناصر الوحدة الوطني الشاملة و ضرورة الخروج للعالم و في طليعته العالم العربي بصورة موحدة وواضحة الأهداف و البرامج وتشكيل منظمة التحرير الأحوازية التي يمكنها أن تكون الإطار الوطني الجامع لكل القوى التحررية الأحوازية ، فالتكتلات الكبرى هي وحدها التي تدخل التاريخ و تصنعه و الخروج من أسر و شرنقة الخلافات الفكرية و الشخصية و الطائفية بات اليوم ضرورة وطنية مقدسة ، و توحيد الخطاب القومي التحرري الأحوازي سيكون الخطوة الأولى لتعبيد طريق الحرية المعفر بالدماء و التضحيات و حيث يقدم الشباب الأحوازي يوميا عشرات الضحايا من المجاهدين و الذين لا ينبغي أن تضيع دمائهم هدرا على مذبح الخلافات ، يجب على الحركة الوطنية الأحوازية أن تسوق نفسها في العالم العربي و أن تعرف الشعوب العربية بجدية و حقيقة النضال التحرري الأحوازي و بملفات الحرب الفاشية الدموية المرعبة التي يشنها النظام الكهنوتي المتعصب القائم في إيران و السارق للثروة الوطنية الأحوازية و المنتحل و الرافع للشعارات التحررية المزيفة ، الهوية العربية للأحواز العربية ستظل كأس السم التي يشربها على الدوام كل العنصريين الفاشست ، و ستتحقق حرية الأحواز بدماء و تضحيات الشعب العربي الأحوازي فخرافات التاريخ و دجل المشعوذين لن تتمكنا أبدا من طمس و تغييب راية الحرية الأحوازية المقدسة.

داود البصري

[email protected]