ان مسيرة الحركة التحررية الكردية بشكلها العام تعاني الآن من مرض الانتهازية والمحسوبية والمصالح الاقليمية والحزبية الضيقة. هذه الأمراض مثلها مثل الخلايا السرطانية التي تنتشر في جسم المريض وتنخره الى حد الهاوية. هذه الأمراض تتسبب في تشتت القوى الكردية السياسية، وذلك بسبب الاستراتيجية الغامضة والتكتيك الفاشل لأكثرية الأحزاب الكردية وقياداتها. وللخلاص من هذا الوضع الخطير لا بد من دراسة علمية جادة تتلائم مع أولويات الحركة الكردستانية وطموح الشعب الكردي في نيل حقوقه القومية المشروعة، ولي نتمكن من وضع نهاية لهذا الخلل السياسي الذي يتمثل بالخلافات بين قيادات الاحزاب، ثم ايجاد مخرج لهذا المأزق، وصياغة اسس جديدة لحوار منهجي بين الاطراف السياسية المسؤولة بعيدا عن المصالح الحزبية، الشخصية والعشائرية.
ان الكرد ما زالوا في بداية الطريق، وأمامهم تحديات كبيرة، ليست بأقل خطورة من التمسك بالمصالح الحزبية والاقليمية الخانقة كما هو الحال في اقليم كردستان العراق. على القيادة الكردية في الاقليم ان تقيّم الوضع الكردي بدقة وتدرك جيدا بأن القضية واحدة حيث تتأثر فيما بينها، مع اختلاف نسبي في الحلول في كل جزء من كردستان. وعلى القيادة ان تعلم أيضا بأن الجغرافية الكردية في الدول الثلاث المجاورة تشكل العمق الاستراتيجي لحماية حكومة الاقليم ومكتسباتها. يجب أن يكون هناك شعور بأعلى درجات المسؤولية للاحزاب الكردية في اداء الأمانة على أكمل وجه وأتمه، وعدم التهاون في محاسبة الانتهازية والمفسدين والمدسوسين في صفوفهم، فلا شيء يٌسيء الى النضال الوطني كذاك المرض الخبيث. فالانتهازية والفساد يعودان بالخراب والتقهقر على الحركة الكردية، ويفتحان ثغرات للعدو لاختراق النضال الوطني الشريف، وبكلمة اخرى الانقسام الكردي ينهي القضية الكردية..
ان الدول الاقليمية بالتعاون مع بعض الاطراف السياسية الكردية الانتهازية تعمل من اجل إضعاف الحركة الكردستانية، وخلق قوى متعددة ومتناحرة فيما بينها، لمنع خلق بيئة ديمقراطية موحدة بين القيادات الوطنية النزيهة والمخلصة التي تعمل لانهاء العنف والظلم ووضع حد لحرب الابادة ضد الشعب الكردي، وتناضل من أجل الاعتراف بالهوية الكردية وحقوقه القومية المشروعة.
ان هذه الدول الاقليمية غارقة في الايديولوجيات العنصرية; والمذهبية، والطائفية، ولا تستطيع الخروج من هذا المستنقع لسببين:
أولاً: تخوفها من هيمنة الديمقراطية التي قد تطيح بنظامها الاستبدادي، وهذا يعني أنها لا تستطيع تجاوز ذهنياتها المتحجرة لادراك هموم شعوبها التي تعيش في الفقر والذل والظلم.
ثانياً: ان هذه الدول تدرك أيضا خطورة القضية الكردية لأنها تمثل المفتاح الرئيسي على صعيد تطور الديمقراطية في الشرق الاوسط، لذلك تتعامل معها على اساس انها مشكلة أمنية وليست سياسية يمكن حلها باسلوب الحوار والديمقراطية.
ان الوضع الراهن في الشرق الاوسط معقد وحساس، وهو فرصة ملائمة للاستفادة منه. على الاحزاب الكردستانية وقياداتها أن تتمسك بالمسؤولية الوطنية، وأن تثبت أهمية وجودها وقدرتها على ادارة الصراع، ثم تبحث لنفسها عن موقف ومكانة في الموازنات الاقليمية والدولية، لتتمكن من تدويل القضية الكردية اعلاميا وسياسياعلى المستوى العالمي لجلب أنظار الدول الكبرى حول معاناة الكرد في جميع أجزاء كردستان، ولأجل الوصول للحل الديمقراطي للمسألة الكردية.
ان المرحلة الحالية قد غيّرت كثيرا عن سابقاتها، وبالاخص بعد الانتصارات الرائعة في انتخابات البلدية في تركيا، واجتماع أحمد تورك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي بالرئيس الأمريكي باراك اوباما. ان هذا الانتصار السياسي والاجتماعي كان بمثابة صفعة قوية لوجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وبرامجه الديماغوغية، وانتكاسا لسياسة حزب العدالة والتنمية والمجلس الأمني العسكري، وقد زاد حقد الجنرالات والحكومة التركية أضعافا على نجاح ووحدة حزب المجتمع الديمقراطي المتمسك بالرؤية الديمقراطية والسلمية من أجا الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للكرد. ان الرد التركي على هذا النصر كان ظالما وتعسفيا، حيث بدأت حملة الاعتقالات في صفوف الحزب وعمدت السلطات الى سجن العشرات من الكوادر القيادية والاداريين الكرد، وتم الإعتداء على التظاهرات السلمية واسفر الرصاص الحي الذي اطلقته الشرطة التركية عن جرح العديد من المدنيين، وقٌتلّ طفل خلال التظاهرات السلمية. والقصد من وراء ذلك هو رفض ودفن مبادرة عملية السلام التي يقترحها حزب العمال الكردستاني وحزب المجتمع الديمقراطي. وخوف الحكومة التركية هو من احتمال أن يعمّ السلام في الجغرافية الكردية. الحرية للكرد تعني الحرية للجميع في الشرق الاوسط. الديمقراطية للكرد تعني الديمقراطية لشعوب المنطقة وتحريرها من ديكتاتوريات الدول الاقليمية.
هناك 40 مليون كردي موزعون بين أربعة دول تٌمارس بحقهم الاضطهاد والارهاب وتعمد إلى نكران هويتهم القومية، فلا يوجد هناك سلام واستقرار في المنطقة بدون حل القضية الكردية، لذلك على جميع الاحزاب الكردية وقياداتها، ومنظمات المجتمع المدني، والمثقفين الكرد، والشخصيات الوطنية، ومنظمات المرأة الكردية، والشبيبة الكردية أن يتحركوا في اتجاه واحد، وان يجعلوا من وحدتهم قوة كردستانية، وتحولاً نوعيا في استراتيجية شفافة تعبر عن أهداف شعبنا ومقبولة لدى جميع الاطراف المشاركة. ثم توحيد الخطاب الكردي من خلال بناء حكومة كردستان الفيدرالية في المهجر.
مراحل بناء الحكومة:
أولاً: تشكيل لجنة كردستانية موقتة للاشراف على عملية التحضير، ووضع برنامج لإجراء انتخاب مؤتمر وطني يضم كافة الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة، والمثقفين، في كل جزء من كردستان. تحدد هذه اللجنة عدد المندوبين حسب نسبة السكان التقريبي، وتقرر عدد الأعضاء في الداخل والشتات.
ثانياً: تشكيل لجنة مالية على المستوى الكردستاني تأخذ على عاتقها مسؤولية تأمين الاموال اللازمة لسد نفقات هذا المشروع.
ثالثاً: تقرر اللجنة الموقتة مكان وزمان انعقاد المؤتمر الوطني الكردستاني العام في احدى الدول الاوروبية، والمؤلف من مندوبي المؤتمر الوطني للاقاليم. ثم توجه الدعوة الرسمية للاحزاب السياسية الاجنبية، ومنظمات المجتمع المدني، والاتحاد الاوروبي وحكوماتها للمشاركة في أعمال المؤتمر العام لاكتساب خبراتهم، والاستفادة من دعمهم السياسي والاعلامي، ثم توجيه دعوة للدول الاقليمية للحوار معها حول المسألة الكردية وامكانية حلها بالاسلوب الديمقراطي.
رابعاً: من أهم أعمال المؤتمر العام هو انتخاب المجلس الوطني الكردستاني الأعلى، وتحديد سلطاته ومدة استمرارية وظيفته.
ان برنامج المجلس الاعلى يجب ان يتمحور حول العمل السياسي في كافة المستويات لكردستان، اضافة الى ذلك وضع مخطط لتطوير المجتمع الكردي من الناحية الاقتصادية والثقافية، وتوثيق أواصر الاخوة، والحوار الديمقراطي بين جميع أجزاء كردستان، والتأكيد على التمسك بالتربية الوطنية الشاملة مع تطوير الثقافة الاقليمية الى ثقافة كردستانية. المجلس الاعلى هو المسؤول الاول لحماية الشعب الكردي والدفاع عن مصالحه القومية وحقوقه المشروعة عن طريق بناء جهاز أمني، أو ما يسمى (بقوات حماية الشعب المسلحة)، وتفعيلها عند الضرورة. هذه القوات تكون مهمتها دفاعية فقط في حال اعتداء مسلح على شعبنا مهما كان نوعه وغايته، وتكون هذه القوة العسكرية مرتبطة مباشرة بالمجلس الاعلى. يضع المجلس الاعلى استراتيجية عامة واضحة وشفافة للحركة التحررية الكردستانية بحيث انها تنسجم مع مصالح الاقاليم في اطار مراعاة الظروف السياسية لكل جزء من كردستان، وان تكون هذه الاستراتيجية المشتركة مهيئة لمجابهة مشاريع الدول الاقليمية المعادية، حيث ان الظروف الاقليمية والدولية مناسبة لتشكيل ممثلية كردية وكيان كردي سياسي موحد.على المجلس الاعلى ان لا يتدخل في شؤون الاحزاب الكردية ومؤسسات المجتمع المدني إلا في حلة واحدة، وهي مخالفة هذه المنظمات السياسية والمدنية لمسيرة القضية الكردية والمصلحة الوطنية العامة ومحاولتها الحاق الضرر بها.
خامساً: حتى يتم الانسجام مع التطورات الدولية السريعة في المنطقة، ويتم الاعتماد على قوة الشعب وارادته، واستقلالية السياسة الكردية للتخلص من الحماية الخارجية والتوكل على الآخرين. يقوم المجلس الوطني الاعلى بتشكيل حكومة كردستان الفيدرالية في المهجر، مهمتها الاساسية اعلامية وسياسية، وتكون مسؤولة أمام المجلس الاعلى. تقوم هذه الحكومة بتوطيد العلاقات مع دول العالم وبالاخص منها الدول الصناعية، ثم مع هيئة الامم المتحدة لشرح المسألة الكردية ومآسي الشعب الكردي. وتأخذ زمام المبادرة ببناء العلاقات مع الدول الكبرى لاجل شرح مطاليب الكرد في هذه الدول.
من أهم نقاط برنامج هذه الحكومة الحصول على الاعتراف الدولي بها، وامكانية الحصول على مقعد في الامم المتحدة بصفة مراقب للدفاع عن حقوق الكرد في الاجزاء الاربعة من كردستان، كما هو الحال مع الدولة الفلسطينية. يٌضاف الى مهمات الحكومة الاهتمام بالجالية الكردية خارج كردستان من الناحية الثقافية والاجتماعية وحل مشاكلها العالقة مع الدول المضيفة، ثم تنظيم الشبيبة الكردية في النوادي الرياضية بكافة انواعها.
سادساً: تكون قرارات المجلس الوطني الاعلى ملزمة لجميع الاحزاب السياسية الكردية ومنظمات المجتمع المدني وحكومة كردستان الفيدرالية.
سابعاً: تشكيل لجنة النزاهة من قبل المؤتمر الوطني الكردستاني العام، وهي بمثابة مؤسسة قضائية، تقوم بمراقبة ومتابعة أعمال ونشاط المجلس الوطني الاعلى ومحاسبة الاعضاء على اخطائهم، ثم تقوم بحل الخلافات السياسية بين المؤسسات الوطنية.
الدكتور أحمد رسول
طبيب ومحلل سياسي
التعليقات